بينما يدلي الناخبون الأميركيون بأصواتهم، الثلاثاء الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني)، لاختيار جميع أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ ومسؤولين ونواب آخرين في الولايات، تهيمن منافسات المرشحين لمجلس الشيوخ على الأخبار ويحظون باهتمام بالغ مقارنة بأقرانهم في مجلس النواب، فما سبب هذا الاهتمام، وما الدور المنوط بكل سيناتور؟ ولماذا يبدو مجلس الشيوخ أكثر أهمية؟
أهمية أكبر
في الأيام السابقة للانتخابات النصفية الأميركية سلط الضوء باستمرار في وسائل الإعلام التقليدية وغالبية مواقع التواصل الاجتماعي على الصراع بين المرشحين لمقاعد مجلس الشيوخ مثل المعركة الساخنة في بنسلفانيا بين الديمقراطي جون فيترمان والجمهوري الدكتور محمد أوز، أو ذلك السباق المحموم في ولاية جورجيا بين الجمهوري هيرشيل ووكر والديمقراطي رافائيل وارنوك، أو تلك الموقعة الفاصلة في نيفادا بين الديمقراطية كاثرين كورتيز والجمهوري آدام لاكسالت، بينما لا يحظى المتنافسون في الدوائر الحاسمة على مقاعد مجلس النواب باهتمام يذكر في وسائل الإعلام.
قد يكون أحد الأسباب الواضحة في هذا التمييز هو أن مجلس النواب يتجه بشكل أقوى إلى التحول نحو سيطرة الجمهوريين، بالتالي يبدو الحديث عن أي عدد من المرشحين بلا قيمة طالما أن النتيجة تبدو شبه محسومة، في حين أن الصورة لا تزال ضبابية في مجلس الشيوخ، وفي حين أن دستور الولايات المتحدة لا يشير إلى أيهما أكثر أهمية من الآخر، يمكن اعتبار مجلس الشيوخ أكثر أهمية لعدد من الأسباب التي تدفع بمزيد من الاهتمام الدائم بتنافساته في أي انتخابات نصفية، فما أبرز هذه الأسباب؟
خدمة أطول
يجري التنافس على 35 مقعداً في مجلس الشيوخ هذه الدورة، وهو ما يمثل ثلث المقاعد المئة في المجلس، لكن الذي سيفوز سيظل محتفظاً بمقعده لمدة ست سنوات، بينما يجري الاقتراع على الثلث الثاني من الأعضاء بعد عامين، والثلث الثالث بعد أربع سنوات، وهو نظام أنشأه الآباء المؤسسون عن قصد لضمان درجة من الاستمرارية والاستقرار في الكونغرس، مع السماح في الوقت نفسه بالتغيير وتجديد الدماء على أساس منتظم، ولهذا يتمتع أعضاء مجلس الشيوخ بمزيد من الوقت في خدمة البلاد للتركيز على القضايا ذات الأهمية الوطنية والدولية، وغالباً ما يشاركون في ثلاث لجان دائمة أو أكثر في المجلس فيكون صوتهم مؤثراً بدرجة أكبر.
على عكس ذلك، يجري الاقتراع في مجلس النواب على جميع المقاعد كل عامين، وهو ما يجعل الأعضاء يميلون إلى التركيز بشكل أكبر على الانتخابات، ولذلك يصبون اهتمامهم على القضايا التي تؤثر في سكان منطقتهم الانتخابية، وغالباً ما يكون تفاعلهم أسرع مع ناخبيهم في ما يتعلق بالقضايا التي تشغلهم، ولا يشارك أعضاء مجلس النواب إلا في واحدة أو اثنتين من اللجان الدائمة التي تخصهم وتتعلق بمقاطعاتهم.
تمثيل أوسع
ويمثل كل ولاية من الولايات الخمسين عضوان في مجلس الشيوخ، بصرف النظر عن عدد سكان الولاية، إذ يمثل كاليفورنيا (39.2 مليون نسمة) العدد نفسه الذي يمثل ولايات قليلة السكان مثل وايومنغ (579 ألف نسمة)، وذلك بهدف عدم تغول ولاية على أخرى والتعبير عن مصالح الولايات بالتساوي، ولهذا أصبحت وظيفة أعضاء المجلس الأساسية هي خدمة مصالح ولايتهم في الكونغرس الأميركي، ويمكن أن يأخذ هذا عديداً من الأشكال المختلفة، إذ يشارك أعضاء مجلس الشيوخ في المداولات والتصويت داخل المجلس، بهدف تسهيل ودفع القضايا والمواقف التي تهم ولاياتهم.
وعلى رغم أن كل عضو يخدم مصالح محلية متميزة، فإنه يمثل في الوقت نفسه وبشكل جماعي المصالح الأعلى للولايات المتحدة ككل، ولكن من الممكن أن يتعارض هذان الدوران أحياناً عندما يتعلق الأمر بسن القوانين، فعلى سبيل المثال، أسقط السيناتور الديمقراطي جو مانشين مشروع قانون طرحه الديمقراطيون في شأن المناخ، لأن المشروع كان سيلحق الضرر بمناجم الفحم في ولاية ويست فيرجينيا التي يمثلها.
في المقابل، يتعامل أعضاء مجلس النواب مع القضايا التي لها تأثير أكبر في السكان المحليين، ولذا هم أقرب إلى الذين يصوتون لهم، بالتالي هم نقطة الاتصال الأولى لأي شخص يسعى للحصول على دعم المشرعين، ومع ذلك يعرف أعضاء مجلس الشيوخ أن قدرتهم على البقاء في مناصبهم تعتمد على الثقة وحسن النية الذي يبنونه مع الناخبين، ولهذا يسعون باستمرار للحصول على معلومات حول حاجات دوائرهم الانتخابية من خلال السفر إلى ولاياتهم الأصلية بشكل متكرر حيث يعقدون اجتماعات جماعية، ويلتقون الناخبين، ويتعرفون إلى كيفية تأثير السياسات في المجتمعات المحلية ويتحدثون عن العمل الذي يقومون به في واشنطن.
سلطة وحيدة
مجلس الشيوخ لديه السلطة الوحيدة لقبول أو رفض تعيينات الرئيس لكبار الموظفين العموميين بمن فيهم الوزراء في الحكومة وقادة الوكالات الفيدرالية التي تتطلب الموافقة، وينطبق ذلك أيضاً على القضاة الفيدراليين وقضاة المحكمة العليا الأميركية التي يخدم أعضاؤها مدى الحياة، وعلى رغم أن الولاء الأول لأي عدالة هو دستور الولايات المتحدة، فإن العقود الماضية شهدت استخدام القضاة مناصبهم من أجل تقديم تفسيرات للدستور غالباً ما تتماشى مع أيديولوجيا سياسية سواء أكانت ليبرالية أو محافظة بحسب الغالبية التي تسيطر على المحكمة العليا، ولهذا السبب وحده يمكن لمجلس الشيوخ أن يكون له تأثير في الثقافة الأميركية أكثر من تأثير مجلس النواب.
كما يتمتع المجلس بسلطة التصديق على المعاهدات التي تعقدها الولايات المتحدة مع دول وأطراف خارجية، ومع ذلك يجب أن يوافق مجلس النواب على أي معاهدة تتعلق بالتجارة الخارجية، كما يجوز لمجلسي الشيوخ والنواب تجاوز حق الاعتراض الرئاسي ضد أي مشروع قانون أقره المجلسان، لكن ذلك يتطلب تصويت ثلثي كل غرفة، ولم يحدث ذلك التجاوز تاريخياً، سوى في أقل من 10 في المئة من كل حالات النقض الرئاسي.
وإذا كان الدستور منح مجلس النواب حق البدء في إجراءات المساءلة تمهيداً لعزل أي مسؤول حكومي أو قضائي بمن فيهم الرئيس، إلا أن مجلس الشيوخ هو المنوط به إجراء محاكمة العزل، وهو الوحيد الذي يصدر القرار بغالبية الثلثين، مثلما حدث مرتين مع الرئيس السابق دونالد ترمب، وتمت تبرئته في مجلس الشيوخ لعدم اكتمال غالبية الثلثين في مجلس الشيوخ.
سلطة تشريعية متساوية
ويتمتع مجلسا الشيوخ والنواب بقوة تشريعية متساوية، ويجب أن يوافق مجلس النواب والشيوخ على كل مشروع قانون، ولا يمكن أن يصبح أي مشروع قانوناً من دون ذلك، لكن هناك الكثير من المهام التشريعية التي يجب على أعضاء مجلس الشيوخ القيام بها، ويقسمها المجلس من خلال إسناد قضايا محددة إلى لجان مختلفة، مثل اللجنة القضائية أو لجنة الصحة والتعليم والعمل، ويعمل كل عضو في لجان رئيسة وفرعية متعددة لجمع شهادات الخبراء حول قضايا محددة، والإشراف على وكالات الفرع التنفيذي والنظر في التشريعات المقترحة.
وينتخب كل حزب قادته في المجلس لتسهيل اتخاذ القرارات وتعزيز أهداف سياسة الحزب داخل مجلس الشيوخ، إذ يتمتع زعيم الغالبية في المجلس، أي الزعيم المنتخب لحزب الغالبية، بقدر كبير من السلطة ليقرر أي مشاريع قوانين سيتم طرحها للمناقشة، لكن كل عضو في مجلس الشيوخ لديه أيضاً سلطة كبيرة لتشكيل التشريعات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غير أن مجلس النواب يتمتع أيضاً بسلطات تشريعية واسعة، حيث يحتفظ قادة أحزاب الغالبية بسيطرة صارمة لتحديد التشريعات التي يتم النظر فيها، وكذلك القواعد التي سيتم استخدامها للنظر في كل مشروع قانون، مما يعني أنهم يمارسون السلطة على كل من محتوى التشريع والعملية الإجرائية له.
بالمقارنة، فإن قادة مجلس الشيوخ لديهم سيطرة أقل، وهذا يرجع إلى أن مجلس الشيوخ لديه أداة التعطيل أو المماطلة (فيليباستر)، وهي أداة تسمح لأي عضو في مجلس الشيوخ بعرقلة الإجراءات التشريعية بشكل فعال من خلال أخذ الكلمة والتحدث طالما يريدون التحدث، مع مراعاة بعض القيود المهمة، ونادراً ما نرى "المماطلة الكلامية" الفعلية هذه الأيام، نظراً إلى وجود مجموعة متنوعة من تكتيكات التأخير ضمن إجراءات مجلس الشيوخ، مثل ما يسمى "التعليق"، والتي تسمح لكل عضو في مجلس الشيوخ، بغض النظر عن الحزب، بتعليق النظر في مشروع القانون.
الأكثر خبرة
وقصد الآباء المؤسسون أن يكون أعضاء مجلس الشيوخ أكبر سناً وأكثر خبرة، مما يدل على أنهم يجب أن يكونوا مراقبين لمجلس النواب الأصغر سناً والأقل خبرة، وتوحي تسمية "السيناتور" ذاتها لكثيرين بأنهم أكثر أهمية من أعضاء مجلس النواب.
وتعود تسمية مجلس الشيوخ باللغة الإنجليزية (سينات) إلى الأصل الروماني القديم باللغة اللاتينية (سيناتوس) الذي يعني جمعية كبار السن، ولذلك يعتبر أعضاء هذا المجتمع هم الأكثر حكمة وخبرة أو الطبقة الحاكمة، وبحسب موقع مجلس الشيوخ الأميركي، عندما ناقش واضعو دستور الولايات المتحدة المادة الأولى التي تحدد هيكل وسلطات الكونغرس عام 1787، بحثوا فكرة الكونغرس المكون من مجلسين، بحيث يكون مجلس النواب الأكثر عدداً هو "المستودع الكبير للمبدأ الديمقراطي للحكومة" على حد وصف جورج ماسون من ولاية فرجينيا، ولمواجهة التأثير الشعبي في الحكومة الوطنية اقترح ماسون غرفة تشريعية ورقابية أخرى أقل عدداً وأكثر استقلالاً وديمقراطية، وأصبحت هذه الغرفة مجلس الشيوخ.
ويحدد الدستور ثلاثة مؤهلات للخدمة في مجلس الشيوخ، وهي ألا يقل العمر عن 30 عاماً، وأن يكون متمتعاً بالجنسية الأميركية منذ تسع سنوات في الأقل، وأن يكون مقيماً في الولاية التي يمثلها وقت الانتخاب.
تسلسل هرمي
وعلاوة على ذلك، غالباً ما يطمح أعضاء مجلس النواب في الانتقال إلى مجلس الشيوخ، بينما لا يسير أعضاء مجلس الشيوخ في الاتجاه الآخر، والدليل على ذلك أن مجلس الشيوخ رقم 114 في عامي 2015 – 2016 كان يتألف من 53 نائباً سابقاً في مجلس النواب، وكان من بينهم ماركو روبيو وبيرني ساندرز، ولهذا تعد العضوية في مجلس الشيوخ تقدماً طبيعياً وانتقالاً مهماً على قاعدة "التسلسل الهرمي".
واستكمالاً لهذا التسلسل الهرمي، أصبح 17 سيناتوراً رؤساء للولايات المتحدة، كان آخرهم جو بايدن ومن قبله باراك أوباما، وكذلك ريتشارد نيكسون وليندون جونسون وجون كينيدي وهاري ترومان، ومن الآباء المؤسسين جون كوينسي آدمز وأندرو جونسون، كما خدم 15 من أعضاء مجلس الشيوخ قضاة في المحكمة العليا الأميركية، بينهم ثلاثة ترأسوا المحكمة، كما فاز خمسة من أعضاء مجلس الشيوخ بجائزة "نوبل" للسلام.
وحصل 28 آخرون على وسام الحرية الرئاسي تكريماً لمساهماتهم للولايات المتحدة أو العالم، وطبعت صور ثمانية أعضاء على طوابع البريد الأميركية، ومنذ عام 1789، خدم 96 من أعضاء مجلس الشيوخ سفراء أو شغلوا مناصب دبلوماسية أخرى رفيعة، مما يشير إلى التأثير والنفوذ اللذين يتمتع بهما أعضاء المجلس ويجعلانهم أكثر أهمية بحكم الأمر الواقع، وإذا رغب سياسي داخل واشنطن في الانتقال إلى مناصب أعلى فإن مجلس الشيوخ سيوفر نقطة انطلاق أفضل.
مساواة في الأعباء والرواتب
ولا ينتقص هذا من أهمية مجلس النواب، إذ لا يعتبر أي من المجلسين أكثر أهمية من الناحية القانونية، كما أن هناك حججاً أخرى مفادها بأن مجلس النواب أهم، ذلك أن رئيس مجلس النواب هو التالي في الترتيب للرئاسة، بعد نائب الرئيس، ومجلس النواب هو من يبدأ إجراءات مسألة أي مسؤول تنفيذي أو قضائي تمهيداً لعزله إذا تمت إدانته في مجلس الشيوخ، وإضافة إلى ذلك، إذا لم يكن هناك قرار في الهيئة الانتخابية لانتخاب الرئيس، فإن مجلس النواب هو الذي يقرر الرئيس المقبل.
لكن الأعباء والمسؤوليات المختلفة على أعضاء المجلسين تبدو مرهقة للغاية إذ يعملون لمدة تتراوح بين 60 و70 ساعة عمل في الأسبوع، بما في ذلك بعض الليالي المتأخرة جداً التي يضطرون إلى استكمالها في المجلسين، ولا يوجد تمييز في الرواتب، إذ تم تجميد الراتب السنوي لعضو مجلس الشيوخ أو النواب منذ عام 2009 عند 174 ألف دولار قبل حسم الضرائب، بينما يحصل زعيما الغالبية والأقلية في المجلسين على 193 ألف دولار سنوياً.