يستعد مجلس النواب اللبناني إلى جلسة تعقد، الخميس المقبل 10 نوفمبر (تشرين الثاني)، هي الخامسة من مسلسل الجلسات التي خصصت حتى الآن لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ولم تنجح. فبعد مرور أسبوع على الشغور الرئاسي الذي بدأ مع انتهاء عهد الرئيس السابق ميشال عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول)، لا يزال التعادل السلبي في ميزان القوى يفرض إيقاعه داخل مجلس النواب، بالتالي، فإن عدم قدرة أي فريق على حسم النصاب لمصلحته، يحسم من جهة أخرى افتقاد الجلسة أي مفاجأة.
لكن الجلسة لن تخلو من عنصرين جديدين إن تحققا، قد يقتصران على نسبة التصويت الجديدة التي قد يحققها مرشح المعارضة النائب ميشال معوّض، وإسقاط نواب "التيار الوطني الحر" بزعامة النائب جبران باسيل (صهر الرئيس السابق عون)، في صندوق الاقتراع اسم مرشح غير الورقة البيضاء. وتقول مصادر المعارضة المتمثلة بحزب "القوات اللبنانية" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" و"الكتائب" و"الأحرار" و"حركة التجدد" وعدد من المستقلين إنها تسعى إلى رفع نتيجة النائب معوّض، لتلامس 50 صوتاً بعد حصوله في آخر جلسة على 42، فيما لا يبدو بعد محسوماً ما قد تشهده الجبهة المنافسة التي تضم "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" و"حركة أمل" وحلفاءهم من تراجع في عدد الأوراق البيضاء، بعد بروز آراء داخل تكتل "التيار" توصي بالاقتراع لمرشح يمكن أن يسميه "التيار" نفسه، ليس بهدف فوزه وهي مهمة مستحيلة كونه لن يحصل إلا على أصوات الكتلة بالحد الأقصى وهم 17، بل لإسقاط تهمة التعطيل عنه أولاً، والظهور في موقع المتمايز المستقل ثانياً عن الحليف الأقرب "حزب الله".
"التيار الوطني الحر" باق على الورقة البيضاء؟
قد تكون المرة الأولى منذ انخراطه في اللعبة السياسية الداخلية، التي لا يمسك فيها "حزب الله" ورقة الحسم في الاستحقاق الرئاسي كما يقول مصدر نيابي مسيحي حليف للحزب لـ "اندبندنت عربية"، إذ إن الحزب يملك القدرة التعطيلية من خلال توافر العدد المطلوب مع حلفائه لمنع اكتمال النصاب، إلا أنه غير قادر على فرض إيقاعه لإيصال مرشحه كما حصل في المرة الماضية، بالتالي، فإن خياره، بحسب المصدر نفسه، سيكون الورقة البيضاء حتى إشعار آخر. وفيما يكشف المصدر نفسه أن اعتراض رئيس "التيار الوطني الحر" على رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية ليس العقدة الوحيدة بل إن "حزب الله" تبلغ رفضاً دولياً وعربياً خليجياً لوصول فرنجية إلى رئاسة الجمهورية أو أي مرشح آخر من قوى "8 آذار".
ويسأل المصدر النيابي نفسه، ماذا سيفعل الحزب؟ وهل هو مستعد أن يفاوض مع الجانب السعودي ويدفع ثمن إيصال مرشحه رئيس "تيار المردة" وبأي ثمن؟ ولم تكن صدفة أن يرفع رئيس" الحزب التقدمي الاشتراكي" فيتو كبيراً على فرنجية في الاحتفال الذي نظمه السفير السعودي في لبنان وليد البخاري في ذكرى مرور 33 عاماً على إبرام اتفاق "الطائف". وإذا كان "حزب الله" يراهن على الوقت بانتظار اللحظة الإقليمية المناسبة، فإن باسيل الذي لم ينجح الحزب في إقناعه بدعم فرنجية، يراهن أيضاً على عامل الوقت ليكون لمصلحته ومصلحة عودته إلى قصر بعبدا، على قاعدة التمايز مع الحزب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ففي آخر إطلالة إعلامية قال باسيل "لا أحد يملي علينا مواقفنا...". وبعدها بأيام قليلة، أعلن بعض نواب "التيار الوطني الحر" المحسوبين على باسيل إمكانية عدم الاقتراع بالورقة البيضاء والتصويت لمرشح لم يعلن عن اسمه. لكن أي قرار حاسم لم يتخذ بعد بحسب ما أكد نائب التيار آلان عون، كاشفاً أن "الفكرة طرحت من باب عدم البقاء في الحالة الانتظارية وللرد على اتهامات التعطيل، لكنها لم تنضج بعد". وفيما كشفت أوساط في التيار الاستمرار بالتمسك بالورقة البيضاء وأن نوابه سيصوتون بها، الخميس، وألا خيار آخر غيرها حتى الآن، أكد النائب عون أن اجتماع "تكتل لبنان القوي" برئاسة باسيل، الثلاثاء، سيناقش هذه المسألة.
في مقلب المعارضة
في الأثناء، لا يزال قرار ترشيح النائب ميشال معوّض داخل صفوف المعارضة المتمثلة بالأحزاب السيادية وبعض المستقلين قائماً، هذا ما يؤكده مصدر قيادي رفيع في المعارضة لـ "اندبندنت عربية"، كاشفاً أن العمل جار في الأيام المقبلة قبل جلسة الخميس على رفع عدد النواب الذين سيصوتون لمعوض ليصل إلى 50، والتواصل يجري حالياً بشكل مكثف مع النواب المستقلين السنة وبعض التغييريين بشكل فردي. والمغزى من تحقيق هذا الحاصل، بحسب المصدر القيادي، هو خلق "مومانتوم" يمكن أن يدفع النواب الـ 15 المترددين في الوسط الذين صوتوا بورقة "لبنان الجديد"، إلى الاقتراب لفريق المعارضة، بالتالي منح معوّض العدد الكافي لإيصاله أو للتفاوض في المرحلة اللاحقة. والنواب الـ 15 هم ممن اقترعوا حتى الآن بورقة "لبنان الجديد"، بحجة رفض الاصطفاف بين الفريقين المتنافسين في المجلس، ولكل واحد منهم حساباته، وهم لا يزالون، وفق القيادي في المعارضة، "مشلولين" ولم يتخذوا قراراً حاسماً بانتظار معرفة إلى من ستميل الدفة بين الفريقين لينتقلوا إلى عنده.
ويؤكد النائب "التغييري" رامي فنج أن نتيجة معوّض من المرجح أن ترتفع في جلسة الخميس وإن كانت ستبقى تحت السقف المطلوب لإيصاله، ويشرح فنج الذي استقل بشكل غير معلن عن كتلة الـ 13 نائباً "تغييرياً" متمايزاً في الجلسة الماضية من خلال الاقتراع للنائب معوّض بدلاً من الاقتراع كما زملاؤه لعصام خليفة، أن قراره كان بإعادة التموضع باستراتيجية العمل السياسي، معلناً أنه لا يزال على تشاور مع زملائه "التغييريين" لكن هناك ثوابت يفضل ألا يخرج عنها، متوقعاً أن تتبدل الصورة للجميع بدءاً من الخميس المقبل، لأن من واجب كل الكتل والنواب طرح أسماء مرشحين والعمل بجدية لوصول رئيس جامع يوافق على تطبيق اتفاق "الطائف"، بدلاً من الهروب إلى الورقة البيضاء أو الرسائل السياسية.
التخلي عن معوّض في حالة واحدة
وفي مواجهة بين الورقة البيضاء والورقة الملغاة والنائب ميشال معوّض سيستمر إذاً مشهد الاستحقاق الرئاسي حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. وإذا كان "حزب الله" يدرك صعوبة إيصال مرشحه ولا يزال يراعي حسابات باسيل الرئاسية وليس مستعجلاً للقيام بأي خطوة في المرحلة الحالية، فإن تخلي الفريق الداعم لمعوّض لا يزال مستبعداً حتى الآن، وقد يحصل، وفق مرجع قيادي رفيع، إذا تمّ الاتفاق على اسم آخر يتمتع بالمواصفات نفسها، ويمكن أن يحصل على 65 صوتاً.
وفي هذا السياق، يضع القيادي في المعارضة حركة رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط باتجاه صديقه التاريخي وتوأم "حزب الله" نبيه بري، واستقباله بعد ساعات في منزله السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني. ويشرح النائب الاشتراكي أكرم شهيب أن جنبلاط أراد تكريس ثلاث ثوابت، أولاً رفض انتخاب مرشح "حزب الله" سليمان فرنجية، وثانياً استبعاد أي مرشح تحدّ، وثالثاً فتح باب الحوار على اسم يحصل بالتوافق مع معوّض، لضرورة مغادرة المراوحة في ملف الاستحقاق الرئاسي، على قاعدة "نحن لدينا مرشحنا وعليكم طرح مرشحكم للوصول إلى التوافق". ويؤكد شهيب أن نواب "اللقاء الديمقراطي" (برئاسة تيمور جنبلاط نجل وليد جنبلاط) مستمرون في دعم معوّض وهم لا يعتبرون أنه مرشح تحد، كاشفاً استمرار العمل لرفع "سكور" معوّض وجذب بعض النواب من الذين لا يريدون رئيساً من "8 آذار"، وبعد ذلك يمكن للمعارضة، بحسب شهيب، أن تذهب إلى التفاوض من موقع قوة، مشدداً على أن الانتخابات الرئاسية لن تحصل إلا عندما يقتنع "حزب الله" بأن البلد لم يعد يحتمل إيصال شبيه بميشال عون وبأن لبنان لا يمكن أن يصل إلى برّ الأمان إلا بمركب عربي دولي.