أطلقت الشرطة السودانية الثلاثاء، الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني)، غازات مسيلة للدموع على آلاف المتظاهرين الذي خرجوا مجدداً للاحتجاج على انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الذي أغرق البلاد منذ عام في فوضى سياسية واقتصادية، بحسب صحافيين وشهود.
لا للعسكر
وهتفت الحشود التي كانت تتجه نحو القصر الرئاسي، مقر البرهان في الخرطوم، "لا للحكم العسكري".
ويتظاهر أنصار الديمقراطية بانتظام في السودان منذ أن قطع البرهان بانقلابه في الـ 20 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 المرحلة الانتقالية التي تم الاتفاق عليها بين العسكريين والمدنيين عقب إسقاط عمر البشير عام 2019، والتي كان يفترض أن تقود إلى انتخابات حرة وحكم مدني.
وقالت المتظاهرة هادية محمد "لن نتوقف طالما لم تتم إطاحة الحكم العسكري لمصلحة حكومة مدنية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد سامر عمر، "لن نترك الشارع إلا لو حققنا أهداف الثورة، الحرية والسلام والعدل".
وأفاد شهود أن الآلاف تظاهروا كذلك في ود مدني وسط البلاد وفي القضارف شرق البلاد.
وكانت تنسيقيات لجان المقاومة دعت إلى تظاهرات شعبية حاشدة في إطار البرنامج التصعيدي لهذا الشهر تحت شعار "مليونية الثبات"، لتكون وجهتها الرئيسة القصر الرئاسي للمطالبة بالحكم المدني وإبعاد العسكر من المشهد السياسي في البلاد.
وتأتي التظاهرات في وقت شن قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان الأحد هجوماً عنيفاً على "الإخوان المسلمين" في البلاد، محذراً إياهم من التخفي وراء المؤسسة العسكرية، ومعلناً استعداد الجيش للعمل مع كل القوى السياسية التي تسعى إلى إنقاذ السودان من وضعه المتأزم سياسياً واقتصادياً وأمنياً، كما أكد البرهان أن الجيش لن يسمح بعودة الإسلاميين للسلطة عبر المؤسسة العسكرية.
اشتباكات عنيفة
وما إن وصلت مواكب المحتجين التي تحركت من مسارات عدة قرب ميدان شروني الذي يبعد كيلو مترات قليلة من القصر الرئاسي حتى واجهتها قوات الشرطة السودانية التي تتمركز في محيط وسط العاصمة بقنابل الغاز المسيل للدموع لمنعها من الوصول إلى قصر الرئاسة.
وقال المتظاهر عبدالمنعم عبدالله لـ "اندبندنت عربية" إن "الحشود تراجعت بعد اشتباكات عنيفة مع القوات الأمنية التي قامت بإطلاق وابل من قنابل الغاز المسيل للدموع ليتمركز الثوار بقرب حديقة القرشي من دون التمكن من مواصلة سيرهم إلى القصر، وسادت حال من الكر والفر بين الطرفين بلا إصابات خطرة".
وحمل المتظاهرون ومعظمهم من الشباب أعلام السودان وصوراً لبعض قتلى التظاهرات، وعلت أصواتهم بهتاف "العسكر إلى الثكنات" و"البلد بلدنا ومدنية سلطتنا"، في إشارة إلى المطالبة بإنهاء الحكم العسكري.
موكب الثبات
تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم أشارت في بيان مشترك إلى أن "مواكب نوفمبر تأتي بالتزامن مع المجازر التي ارتكبتها السلطات العام الماضي ومنها مجزرتي أمدرمان وشرق النيل في الـ 13 من نوفمبر 2021، ومجزرة بحري في الـ 17 من نوفمبر من العام نفسه والتي أدت إلى مقتل 23 متظاهراً".
وشددت التنسيقيات على ثبات لجان المقاومة في موقفها على رغم دفعها ثمناً باهظاً، على حد قولها، كما حدد البيان جملة من التوجيهات تضمنت تجنب الاحتكاك مع القوات النظامية والالتزام بمسارات الموكب والحفاظ على السلمية والتعاون مع لجان التأمين لحسم الانفلاتات.
مسارات الحشود
وكانت تنسيقيات لجان المقاومة في الخرطوم قررت أن تصب تجمعات المتظاهرين في محطة باشدار ثم تتوزع في مسارات عدة نواحي القصر الرئاسي، على أن يلتئم شمل متظاهري الخرطوم بحري (الحاج يوسف وشرق النيل) في نقاط أستوب 13 وساحة الاعتصام والمحرك الذهبي، مروراً بجسر المنشية ناحية القصر الرئاسي. وفي أم درمان اختيرت نقاط التجمع في كل من موقف جاكسون وإستاد الخرطوم مروراً بصينية القندول وحتى القصر الجمهوري.
وتتواصل التظاهرات منذ الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 احتجاجاً على الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها عبدالفتاح البرهان وتضمنت فرض حال الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإلغاء الشراكة مع المكون المدني، وهو ما اعتبرته معظم القوى السياسية والشعبية انقلاباً عسكرياً، بينما وصفه الجيش بالحركة التصحيحية.
وبعد عام على الانقلاب لم يعد أي مراقب يعتقد إمكان إجراء انتخابات عامة العام المقبل كما وعد البرهان، ولا يبدو أن أية شخصية سياسية على استعداد للانضمام إلى حكومة مدنية دعا البرهان أخيراً إلى تشكيلها.
ولقي 120 متظاهراً مصرعهم حتى الآن منذ وقوع الانقلاب، في وقت يشير شهود العيان إلى تزايد زخم هذه التظاهرات بخاصة بعد إعلان قرب التوصل إلى تسوية سياسية بين العسكريين والمدنيين برعاية "الآلية الثلاثية" ممثلة في بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم والاتحاد الأفريقي ومنظمة "الإيقاد".