على رغم الإجراءات القاسية التي أعلنتها الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية، أعلنت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني تعديل نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري من "مستقرة" إلى "سلبية"، مرجعة ذلك إلى "تدهور" وضع السيولة الخارجية للبلاد.
وأبقت الوكالة على التصنيف الائتماني للبلاد عند مستوى (+B)، وعزت ذلك إلى النمو الاقتصادي القوي، و"الدعم الدولي القوي" من الحلفاء الخليجيين والشركات الدولية. لكنها في الوقت نفسه، حذرت من أنها قد تخفض التصنيف خلال الأشهر المقبلة إذا ما استمرت ضغوط التمويل الخارجي أو لم تتمكن الحكومة من خفض العجز وتقليص نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. ويعكس التخفيض "تدهور وضع السيولة الخارجية وتراجع آفاق الوصول إلى سوق السندات، ما يجعل البلاد عرضة لظروف عالمية معاكسة في وقت ارتفاع عجز الحساب الجاري وآجال استحقاق الديون الخارجية".
وفي مايو (أيار) الماضي، أعلنت وكالة "موديرز" للتصنيف الائتماني تعديل نظرتها المستقبلية لمصر إلى "سلبية". وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أبقت وكالة "ستاندرد أند بورز" على التصنيف السيادي للبلاد عند مستوى (B) مع توقعات مستقبلية مستقرة، وذلك على خلفية التوقعات بتمويلات مقبلة من صندوق النقد الدولي ودول الخليج.
تدهور أوضاع السيولة بالعملة الأجنبية
وأرجعت "فيتش" تعديل نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري إلى التدهور في وضع السيولة بالعملة الأجنبية وانخفاض آفاق وصول مصر إلى سوق السندات، ما يتركها تصارع عواقب الأحداث العالمية في وقت يسجل حسابها الجاري عجزاً مرتفعاً وينتظرها سداد ديون خارجية.
وأشارت الوكالة إلى تراجع الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي لأقل من 32 مليار دولار بنهاية أكتوبر الماضي، مقابل نحو 35 ملياراً في مارس (آذار) ونحو 40 ملياراً في فبراير (شباط)، وعلى رغم استقرارها في الأشهر الماضية، لكن معدل تغطيتها للمدفوعات الخارجية الجارية أقل من متوسط تغطية أقرانها أصحاب التصنيف نفسه عند 4 أشهر.
وأوضحت الوكالة أن ودائع البنك المركزي بالعملة الأجنبية لدى البنوك الخارجية تحسنت إلى مستوى 2 مليار دولار في أكتوبر الماضي، مقابل نحو 1.5 مليار دولار في مارس، لكن ما زالت أقل من مستويات فبراير عند 9 مليارات دولار. وأرجعت تباطؤ خروج استثمارات المحافظ المالية في سبتمبر (أيلول) مقارنة بأرقام مارس إلى الانخفاض في سعر الجنيه المصري مقابل الدولار، وسياسة رفع الفائدة، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي على قرض قيمته 3 مليارات دولار. ولكن في ظل تشكيل المحفظة نحو 40 في المئة من الاحتياطيات فإنها تمثل نقطة ضعف.
وأشار التقرير إلى أن مصر تواجه موقفاً مركباً على صعيد مدفوعات الدين الخارجي التي قدرتها بنحو 6 مليارات دولار في العام المالي 2023 و9 مليارات دولار في العام المالي 2024 باستبعاد ودائع الخليج والقروض الثنائية القابلة للتمديد على الأرجح.
وقالت إن ما كشفت عنه الحكومة المصرية من تمويلات تغطي ما تحتاج إليه خلال العام المالي الحالي في حال عادت بعض استثمارات المحافظ المالية وتدفق 10 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بدعم من خطة الخصخصة من الحكومة خصوصاً لمصلحة المستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي.
توقعات بانتعاش تدفقات المحافظ الأجنبية
في الوقت نفسه، لم تكن التدفقات الخارجية هي السبب الرئيسي لخفض التصنيف. فقد انخفضت استثمارات المحافظ الأجنبية إلى 13 مليار دولار في سبتمبر الماضي، مقارنة بأكثر من 30 ملياراً في عام 2021. وتضررت مصر بشدة من خروج رؤوس الأموال الأجنبية نتيجة ارتفاع تكلفة التمويل وارتفاع التضخم، والصدمة التي سببتها الحرب في أوكرانيا. وقد أسهم ذلك في انخفاض الاحتياطيات الأجنبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورجحت الوكالة تحسن الأوضاع، ولكن ذلك سيستغرق بعض الوقت. وذكرت، أنه "من المرجح أن يحدث بعض الانتعاش في تدفقات المحافظ الأجنبية بسبب خفض سعر صرف الجنيه أخيراً ورفع سعر الفائدة، والاتفاق على تسهيل تمويل ممدد مدته 46 شهراً بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي. وأشارت في الوقت نفسه إلى أنها لا تزال "نقطة ضعف كبيرة". وحتى الآن، تتجاهل الأسواق هذه التغييرات وسط عمليات البيع المستمرة، إذ يتوقع المحللون أن تظل قدرة البلاد على الوصول إلى أسواق الدين "محدودة" على المدى القريب.
ومما يصعب الأمور أيضاً أن مصر تحتاج إلى كثير من العملة الصعبة. وإلى جانب الحاجة إلى تمويل عجز الحساب الجاري، تقول "فيتش" إن على مصر ديوناً خارجية مستحقة بقيمة 15 مليار دولار خلال العامين الماليين الحالي والمقبل.
كذلك، فإن الالتزامات المصرفية تجعل من الصعب على مصر استيعاب ضغوط التمويل. فقد بلغ صافي الأصول الأجنبية في البنك المركزي ما يقرب من سالب 9 مليارات دولار في نهاية الربع الثالث من 2022، في حين كان لدى البنوك 14 مليار دولار من صافي الخصوم الأجنبية.
ما مصير التضخم والجنيه المصري؟
في ما يتعلق بالتوقعات الخاصة بالتضخم وقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، رجحت "فيتش" أن يؤدي خفض الجنيه إلى زيادة معدلات التضخم، مما يرفع معدلاته على الأرجح إلى مستوى 17 في المئة في المتوسط على أساس سنوي خلال العام المالي الحالي، و12 في المئة في العام المالي المقبل، بافتراض "ارتفاع متواضع" لقيمة الجنيه مقابل الدولار ليصل إلى 24 جنيهاً.
وأشارت الوكالة إلى أن المخاطر "تميل إلى الاتجاه الصعودي" وأن البنك المركزي المصري قد يشرع في إقرار مزيد من زيادات أسعار الفائدة لترويض التضخم المرتفع والذي سجل خلال أكتوبر الماضي أعلى مستوى في أكثر من 4 سنوات.
لكن، في المقابل، رجحت الوكالة تحقيق مزيد من النمو وتقليص عجز الحساب الجاري، إذ توقعت أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 4.5 في المئة خلال العامين الماليين، الحالي والمقبل، على رغم أن "صعوبة الظروف النقدية وتوافر التمويل يشكلان مخاطر كبيرة على هذا النمو".
فيما قد يستمر عجز الحساب الجاري في التراجع إلى مستوى 3.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مقارنة بنحو 3.5 في المئة خلال العام المالي 2021-2022، وذلك على خلفية ارتفاع إيرادات قناة السويس وانتعاش السياحة.
ومن المرجح أن يرتفع عجز الموازنة إلى مستوى 6.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي الجاري، و7.3 في المئة خلال العام المالي المقبل، ارتفاعاً من مستوى 6.2 في المئة خلال العام المالي عام 2021- 2022، وذلك على خلفية ارتفاع تكاليف الفائدة التي قد "تقلص" الفوائض الأولية المحققة.