قبل موازنة عام 1981، قال [كبير المستشارين الاقتصاديين] آلان والترز لـ[رئيسة الوزراء في حينها] مارغريت تاتشر إن "الأسواق ستصاب بخيبة أمل" إذا خططت الحكومة لاقتراض أكثر من أربعة في المئة من الدخل القومي، فقد يؤدي ذلك إلى "أزمة تمويل إما في الصيف أو الخريف".
ووفقاً لمؤرخ تلك الفترة، فإن ذلك "يعني أساساً أن المستثمرين أو ’السوق‘ سيتوقفون عن شراء ديون الحكومة البريطانية، مما يتطلب تقديم صندوق النقد الدولي شكلاً من أشكال خطط الإنقاذ، الأمر الذي سيكون إهانة وطنية".
هذا المؤرخ هو كوازي كوارتنغ، وزير الخزانة السابق، الذي نشر عام 2015 كتاباً بعنوان "محاكمة تاتشر: ستة أشهر حددت ماهية زعيمة" Thatcher’s Trial: Six Months that Defined a Leader. إنه عمل ممتاز في التاريخ المعاصر، إذ حدد الفترة بين الموازنة المثيرة للجدل في مارس (آذار) 1981 وتعديل مجلس الوزراء في سبتمبر (أيلول) من ذلك العام، التخلص من "عديمي الكفاءة"، باعتبارها الفترة الحرجة لرئاسة تاتشر للوزراء.
يقدم كوارتنغ تحليله لكيفية اتخاذ تاتشر ومستشاريها ووزير خزانتها جوفري هاو القرار الجريء بتقليص الاقتراض الحكومي بشكل حاد من خلال زيادة الضرائب وخفض الإنفاق. وعارض هذا التوجه الرأي السائد لمعظم الاقتصاديين في حينها، وكتب 364 منهم رسالة إلى صحيفة "ذا تايمز" احتجاجاً على أن الحكومة كانت مخطئة في اعتقادها بأنها "من خلال تراجع الطلب ستسيطر على التضخم بشكل دائم، بالتالي ستدخل الانتعاش التلقائي في الناتج والعمالة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فضلت تاتشر الإصغاء إلى مستشارها الاقتصادي والترز الذي حذر من أن الأسواق ستتأثر إذا سمح للاقتراض بالاستمرار في الارتفاع كما هو متوقع.
إن أوجه التشابه بين أحداث عام 1981 التي يصفها كوارتنغ في الكتاب وأحداث عام 2022 التي كان هو نفسه أحد اللاعبين الرئيسين فيها، لافتة للنظر، باستثناء أنه وليز تراس صمما على السير في الاتجاه المعاكس. فقد ورث كلاهما عجزاً أكبر من عجز تاتشر وخططا لخفض الضرائب وزيادة الإنفاق حتى تقترض الحكومة نحو ثمانية في المئة من الدخل القومي.
كما ضربا بعرض الحائط كل الإجماع الاقتصادي والأسواق المالية، التي لم تكن "محبطة" بسبب موازنة كوارتنغ المصغرة فحسب، بل التي أصيبت بالصدمة، وأدت إلى أزمة تمويل، ليس بعد أشهر بل على الفور.
لقد كانت التحذيرات موجودة كلها، وكان كوارتنغ كتبها بنفسه. من الواضح أنه معجب بشجاعة وعزيمة تاتشر، لكنه وصف بوضوح في الكتاب أيضاً مدى إيمانها القوي بالموازنات المتوازنة والانضباط المالي ومكافحة التضخم. واستشهد كوارتنغ بدفاع تاتشر العدواني عن الموازنة في اليوم التالي، إذ قالت إن أحد "أكثر الأشياء لا أخلاقية التي يمكن للمرء القيام بها هو التظاهر بكونه سياسياً أخلاقياً" يقدم "مزيداً مقابل كل شيء"، ثم يقول، "لا، لم أقصد أن تدفعوا ضرائب مقابل ذلك، بل أن تقترضوا المزيد".
بعد قراءة الكتاب في أعقاب فشل رئيسة الوزراء تراس، من الممكن أن نرى كيف تمكن كوارتنغ من تعلم الدروس الخاطئة من التاريخ الذي درسه بجد. أعجبه هجوم تاتشر على مؤسسة المحافظين عندما دافعت عن مركزها في القيادة ضد إدوارد هيث عام 1975.
وكتب كوارتنغ "إن أولئك الذين لاحظوا منافسات القيادة المحافظة على مر السنين سيدركون الحافز اليائس الذي ينشأ خلال الحملة الانتخابية" لإيقاف "المرشح الأول المفترض"، مضيفاً "ودائماً ما تصاغ هذه الحملات بعبارات سلبية لمنع مرشح معين من الفوز بالمنصب، وبالتالي، في رأي منتقدي ذلك المرشح، جعل الحزب غير قابل للانتخاب".
ويكمل كوارتنغ في كتابه "في عام 1975، جاء دور مارغريت تاتشر لأن تتعرض لهجوم من قبل رافضيها المعتادين الذين، من دون أي أفكار بناءة، كرسوا طاقاتهم لمنع مرشح آخر يبدو مرجحاً في الوقت الحالي لإثبات جدارته بالفوز".
ولربما عكس كوارتنغ بعض صفات تاتشر على سياسي مختلف إلى حد ما وأخطأ في "القيام بما يحثونك الناس على عدم القيام به" مقابل "الجرأة الوقحة". ولكن حتى هذا يبدو غريباً، لأن كتابه يقدم رؤية واضحة حول بساطة أخلاقيات تاتشر وحول براغماتيتها.
ومن بين الحجج التي ساقها والترز لتبرير تبني مثل هذا النهج المتشدد في موازنة عام 1981 أن تاتشر كانت رضخت لتوّها لنقابة عمال المناجم بعد أشهر فقط من إعلانها في مؤتمر المحافظين عام 1980 "أنها ليست في معرض تبديل مواقفها مطلقاً".
جادل والترز بأنه يمكن للموازنة أن تكون "فرصة مثالية، نقيض التراجع، للحكومة لتأكيد سلطتها واستعادة السيطرة على الأحداث".
ولا بد للسؤال حول الطريقة التي تمكنت بها تراس وكوارتنغ من الخلط بين تخفيضاتهما الضريبية غير الممولة وجرأة تاتشر في رفع الضرائب لخفض الاقتراض من أن يستحوذ على اهتمام المؤرخين. ولا يكمن اللغز في تمكن تراس وكوارتنغ من إفساد سياسة سيئة أصلاً فحسب، بل أيضاً في عدم اتضاح مدى سوء تلك السياسة آنذاك.
اعتقد ريشي سوناك بأن التخفيضات الضريبية غير الممولة كانت فكرة سيئة، وقال ذلك مراراً وتكراراً خلال حملة القيادة، لكنه شعر بأنه مقيد. وتعرض للانتقاد لأنه تحدث بقوة عن تراس في مناظرة مبكرة، وعلى أي حال، كان عليه إقناع أعضاء حزب المحافظين الذين كانوا متعاطفين معها.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو "لماذا كان المعلقون مقيدين للغاية [في انتقاد خططها]؟"
كثر منا اعتقدوا بأن التخفيضات الضريبية غير الممولة نهج خاطئ، لكننا لم نقل إنها ستنسف الأسواق. ربما كان يجب علينا أن نقرأ كتاب كوارتنغ، وربما سيكتب تتمة بعنوان، "محاكمة تراس: سبعة أسابيع حددت الخاسر".
© The Independent