لقد مرت ثلاث سنوات تقريباً منذ أن ظهر "كوفيد-19" للمرة الأولى وراح يغير وجه العالم.
والفيروس الذي أدخل العالم في إغلاقات عدة وعطل أعمالاً كثيرة لن ينفك يتطور على شكل متحورات جديدة، بعد أن ظهر أولاً في ووهان الصينية في ديسمبر (كانون الأول) 2019.
كانت "أوميكرون" المتحورة الرئيسة الأخيرة من "كوفيد"، التي رصدت في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، ولكن العلماء مشغولون حالياً في البحث عن المتحورة التي من شأنها أن تحل محل "أوميكرون"، وهي "باي" Pi كما سموها.
في بداية ظهورها، أثارت متحورة "أوميكرون" قلقاً كبيراً في مختلف أنحاء العالم، لأسباب ليس أقلها تمتعها، كما تبين، بقدرة كبيرة على العدوى والانتقال بين الناس بشكل واسع، فيما أظهرت الطفرات الجينية وقدرها 32 طفرة التي طرأت على بروتينها الشوكيspike أن في مقدورها ربما أن تقاوم المناعة المتولدة في الجسم نتيجة اللقاحات المضادة المعتمدة حالياً.
ولكن بعد مرور 12 شهراً على نشوء تلك المتحورة، أخذت إصابات "كوفيد" الآن في الانخفاض بعد موجة معتدلة شهدها الخريف بقيادة مجموعة من المتحورات المتفرعة من "أوميكرون" وصفها علماء في الفيروسات بـ"أحفاد أوميكرون"، وتشمل "بي كيو.1" (BQ.1)، و"بي أي.2.75.2" (BA.2.75.2)، إضافة إلى "إكس بي بي" (XBB).
ما المتحورة "باي" Pi؟
يحاول الخبراء الآن أن يعرفوا ما إذا كان الشتاء سيشهد ظهور متحورة جديدة رئيسة تجلب معها موجة أخرى من إصابات "كورونا".
في حال أو عند ظهور متحورة جديدة، سيصار إلى تسميتها "باي" Pi، علماً بأنه الحرف التالي بعد "أوميكرون" Omicron في الأبجدية اليونانية.
ولكن هل هذه المتحورة في طريقها إلى الظهور حقاً، أم أننا قد تجاوزنا "كوفيد-19" بوصفه داء يغير وجه العالم وأصبح وراءنا؟ العلماء ليسوا متأكدين بعد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أخيراً، اجتمع علماء بارزون من المملكة المتحدة واليابان وأستراليا في "معهد أفريقيا لبحوث الصحة" حيث عقدوا مناقشات حول التوقعات الخاصة بـ"كوفيد" ضمن مجموعة من الأمراض الفيروسية الأخرى من قبيل فيروس نقص المناعة البشرية HIV.
البروفيسورة ويندي باركلي، وهي عالمة في الفيروسات في "إمبريال كوليدج" وعضو في "سيج" Sage، "الفريق الاستشاري العلمي المستقل للطوارئ" التابع للحكومة البريطانية، تحدثت إلى "تلغراف" في هذا الشأن فقالت إننا "سنشهد ظهور متحورات أو نسخ من هذا الفيروس في المستقبل، حاملة معها نتائج صحية أكثر خطورة مقارنة مع التأثيرات التي تطرحها (أوميكرون) حالياً، وذلك لأنها تتفلت من مستوى معين من السيطرة التي تمنحها اللقاحات، أو لأن تغيرات أساسية في طبيعتها تطرأ عليها"؟.
"ما زلت على رأيي بأن هذه المسألة لم تنقض بعد. في ظني، نحن في مرحلة تنطوي على أمور مروعة كثيرة نجهلها"، أضافت البروفيسورة باركلي.
ما مدى خطورة هذه المتحورة؟
من جانبه، قال البروفيسور غريغ تاورز، من "كلية لندن الجامعية"، إنه يأمل في أن تحورات جينية إضافية التي قد تطرأ في التركيبة الجينية للفيروس، لن تسفر عن الإصابة مجدداً بأشكال خطيرة من المرض.
وتحدث البروفيسور أليكسي سيجيل من "المعهد الأسترالي للموارد البشرية" (AHRI) عن جدل قائم بين من اعتقدوا أن الحدة المعتدلة للإصابات حالياً مردها إلى أن اللقاحات وحالات العدوى الطبيعية قد بنت جداراً مناعياً فاعلاً يتصدى للفيروس، ومن اعتقدوا أن الفيروس قد تطور بشكل كبير ليصبح أقل ضرراً، بيد أن تحولاً على هذه الشاكلة قد يحدث مجدداً إنما في الاتجاه المعاكس.
وحذر البروفيسور سيجيل من أن التطور الفيروسي من شأنه أن يرجع بنا إلى المربع الأول في المعركة ضد "كوفيد".
في سياق متصل، قال البروفيسور جيمس يونغ، عالم في الفيروسات في "جامعة وارويك"، إن تضييق نطاق وحجم نظام فحوص الكشف عن الفيروس في المملكة المتحدة قد يحرم المسؤولين من القدرة على مواجهة المشكلات المقبلة التي تجلبها معها متحورات جديدة مثل "باي".
"لم نعد نعتمد أنظمة اختبارات الكشف عن الفيروس ومراقبة الإصابات التي كنا نديرها سابقاً. نجري فحوص التسلسل الجينومي للفيروس من طريق الأشخاص الذين يخضعون لاختبارات الـ(بي سي آر) PCR (تفاعل البوليميراز المتسلسل)، ونحصل على المعلومات من طريق هذه العملية، ولكني أشعر بالقلق من أنها ربما لا تعطي صورة كافية عما نمر به فعلاً"، على ما جاء في كلمات البروفيسور يونغ.
ماذا عن حال المملكة المتحدة بالنسبة إلى "كوفيد" الآن؟
تشير تقديرات نشرها "المكتب الوطني للإحصاءات" في المملكة المتحدة في الأسبوع الأول من نوفمبر الحالي إلى أن الإصابات في إنجلترا أخذت تتراجع في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وكشفت الفحوص المنزلية عن إصابة (نتيجة موجبة) نحو 1.6 مليون شخص بـ"كوفيد-19" في الأسبوع المنتهي في 24 أكتوبر، في تراجع عن الأسبوع السابق الذي سجل 1.7 مليون إصابة.
تذكيراً، بلغت العدوى في إنجلترا ذروتها عند 3.1 مليون حالة خلال موجة الصيف التي قادتها المتحورتان المتفرعتان [من "أوميكرون"] "بي أي. 4" و"بي أي. 5".
لكن الخبراء ما زالوا يحثون على توخي الحذر فيما نحن مقبلون على الشتاء.
في الواقع، "يثلج الصدر أن إصابات "كوفيد-19" وحالات الدخول إلى المستشفى مستمرة في الانخفاض"، بحسب ما قالت الدكتورة ماري رامزي، مديرة برامج الصحة العامة في "وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة" (UKHSA).
"يوضح هذا مدى نجاعة برنامج التلقيح، ونتوجه بالشكر لكل الأشخاص الذين أخذوا الجرعات التطعيمية الأخيرة المطلوبة منهم حتى الآن"، أضافت الدكتورة رامزي.
"ولكن، ما زال من المهم جداً أن يحصل كل شخص على الجرعة التحصينية المعززة المطلوبة منه هذا الخريف إن لم يكن قد فعل ذلك بعد، وفي أقرب وقت ممكن. يبقى التطعيم الدفاع الأفضل لحماية المرء وعائلته و[العاملين في] "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ("أن أتش أس" NHS)، لا سيما مع اقتراب فصل الشتاء".
© The Independent