يتوقع أن يكون لإعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ترشحه للرئاسة انعكاسات واسعة على مرشحين جمهوريين محتملين مثل نائبه مايك بنس وحاكم فلوريدا دي سانتيس. ويعتقد أيضاً أن القرار سيؤثر على الحزب الجمهوري الذي يبدو منقسماً حول هذا الترشيح بعد نتائج الانتخابات النصفية المخيبة للآمال. كذلك، سيترك قرار ترمب بصماته على الحزب الديمقراطي وترشح جو بايدن المتوقع للرئاسة وسط رغبة لدى قطاع واسع من الأميركيين في ألا تعاد انتخابات 2020.
فما طبيعة هذه التأثيرات على الحزبين، وهل يمكن أن تغير من الواقع؟
سبب القرار المبكر
على الرغم من النصائح التي أسداها عديد من حلفاء ترمب بتأجيل إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2024، فإنه فعلها متجاهلاً مخاوف الجمهوريين من أن تأثيره القوي على الحزب يجعله مسؤولاً عن الأداء الضعيف لمرشحيه في الانتخابات النصفية، وهو ما نفاه ترمب في خطاب الترشح.
غير أن إعلانه المبكر للترشح قبل الموعد المعتاد يعود، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى حساباته بأن ترشيحه رسمياً قد يساعد في حمايته من تحقيقات تلاحقه حول وثائق حساسة احتجزها في منزله بولاية فلوريدا، وأحداث الهجوم على الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، وقضية أخرى بدأت تتحرك في نيويورك في شأن معاملات مؤسسته هناك، وهو يعتقد وفقاً لما يقوله مستشاروه أن الترشح مرة أخرى للمنصب الرئاسي سيدعم مزاعمه بأن التحقيقات الفيدرالية المتعددة التي يواجهها ذات دوافع سياسية، ما قد يؤدي إلى توقف المدعين العامين الذين قد يفكرون في توجيه اتهامات جنائية ضده.
لكن أحد أهم الأسباب يعود إلى محاولة إضعاف الزخم المتجمع خلف حاكم فلوريدا رونالد دي سانتيس الذي أذهل فوزه بفارق 19 نقطة على خصمه الديمقراطي في إعادة انتخابه الأسبوع الماضي كثيرين داخل الحزب، خصوصاً أن دي سانتيس بدا المرشح الرئاسي المفضل لدى عدد كبير من المانحين الجمهوريين والمسؤولين المنتخبين الذين سئموا من سيطرة ترمب على الحزب، وخلافاته المستمرة وخطاباته في شأن سرقة انتخابات 2020.
مستقبل الحزب الجمهوري
ويبدو أن أكثر ما يقلق الجمهوريين بعد ترشح ترمب هو المعركة التي تلوح في الأفق حول مستقبل حزبهم، لأن تسرع ترمب في إعلان ترشحه يحمل مرة أخرى مخاطر سياسية للحزب ويهدد بانقسامه، فقد أثار قراره جدلاً محتدماً بين الجمهوريين في شأن إذا ما كان يمكن للحزب أن يزدهر ويستعيد قوته مع زعامة ترمب أم لا، وإذا لم يكن الأمر كذلك فكيف يمكن أن يحدث الانفصال أو الطلاق بينهما؟
وعلى الرغم من أن هيمنة الرئيس السابق على السياسة الجمهورية أدت إلى ثلاثة انتخابات مخيبة لآمال الحزب على التوالي، فإنه ما زال يدعي أنه المرشح الأوفر حظاً، بفضل المتابعين المخلصين من ملايين المؤيدين الذين أثبتوا مراراً ولاءهم له. مع ذلك، فإن اندفاع ترمب في ترشحه ينطوي على مخاطر حدوث نتائج عكسية، فقد انقلبت ضده وسائل الإعلام الإخبارية المحافظة، بما في ذلك "فوكس نيوز" و"نيويورك بوست" التي سخرت منه على غلافها الأسبوع الماضي وسمته "ترمب الأحمق"، بعد يوم من وصف دي سانتيس بأنه "دي المستقبل". كذلك نددت افتتاحية صحيفة "وول ستريت جورنال"، الإثنين، بترمب، ووصفته بأنه الرجل الأكثر احتمالاً أن يتسبب في خسارة الحزب الجمهوري، ويمنح في الوقت نفسه القوة الكاملة لليسار التقدمي.
لغز ترمب
ويمثل ترشح ترمب لغزاً بالنسبة إلى الحزب الجمهوري الذي يدرك قبضة الرئيس السابق الصارمة على القاعدة المحافظة، لكنه قلق أيضاً من أن ترمب قد يكون عبئاً على جمهور الناخبين الأوسع من الأميركيين، الذي لم ينتخبه عام 2020. ويشير بعض الخبراء الجمهوريين إلى أنه لا شك في أن أعظم نقاط قوة ترمب ستكون في الانتخابات التمهيدية، لكن المشكلة هي خطابه السام بالنسبة إلى كثير من الناخبين. وهذا هو أحد أسباب الأداء الضعيف للجمهوريين الذين توجهوا إلى الانتخابات متوقعين اكتساح الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ، لكن "الموجة الحمراء" لم تتحقق، وحافظ الديمقراطيون على أغلبيتهم الضيقة في مجلس الشيوخ، بينما أصبح من المتوقع أن يفوز الحزب الجمهوري بأغلبية ضئيلة في مجلس النواب.
وبينما أظهرت استطلاعات الرأي بين الناخبين أن ترمب أقل شعبية من الرئيس بايدن، الذي كانت نسبة تأييده منخفضة للغاية طوال العام، اعتبر شاول أنوزيس الرئيس السابق للحزب الجمهوري في ميشيغان، أن الانتخابات النصفية كشفت عن أن ترمب لم يكن قوياً كما كان الناس يتصورونه، وأن المستقلين والديمقراطيين المعتدلين من المرجح أن يصوتوا ضده، وبعد أن كان من المرجح قبل أشهر أن يخيف ترمب معظم المنافسين المحتملين في الحزب الجمهوري بإعلان ترشحه، فإن هناك الآن شهية أكبر بين النجوم البارزين في الحزب الجمهوري لمنافسته.
تشجيع البدلاء
ويعتقد أنوزيس أن هناك 20 مرشحاً بديلاً لا يمانعون في المضي قدماً بالترشح، لأن هناك فرصة لهزيمة ترمب. وحث عدد من الجمهوريين المنتخبين الحزب على اعتبار نتائج الانتخابات الأخيرة إشارة إلى أن الوقت قد حان للانتقال بعيداً من ترمب، فقد قال حاكم ولاية نيو هامبشاير كريس سونونو الذي فاز بسهولة في إعادة انتخابه، إن ترشح ترمب ليس من الحكمة السياسية. واعتبر حاكم ماريلاند المنتهية ولايته لاري هوغان أن ترمب تسبب في خسارة الحزب في الدورات الانتخابية الثلاث الأخيرة (2018 و2020 و2022)، وسيكون من الخطأ ترشيحه ورؤية ذلك يحدث مجدداً في دورة رابعة.
وبدأ بعض الجمهوريين الإشارة إلى أن حزبهم لم يعد تابعاً للرئيس السابق، إذ تعتقد السيناتورة الجمهورية سينثيا لوميس أن الزعيم الحالي للحزب هو دي سانتيس. وسعى السيناتور الجمهوري توم كوتون إلى التقليل من أهمية فكرة أن ترمب هو الرئيس الذي يحمل اللواء الحديث للحزب الجمهوري. وأشار إلى قائمة من زملائه الجمهوريين، بمن في ذلك دي سانتيس والسيناتور تيم سكوت وغيرهما، الذين قال إنهم قادة رئيسون في الحزب.
وعلى الرغم من ذلك ما زال هناك مؤيدون لترمب في الحزب الجمهوري، مثل النائبة إليز ستيفانيك وجيم بانكس اللذين أصدرا بيانات أعربا فيها عن دعمهما له ولترشحه لانتخابات 2024. وفي مجلس الشيوخ، دفع الموالون لترمب مثل السيناتور الجمهوري جوش هاولي وليندسي غراهام إلى تأجيل انتخابات زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ وسط دعوات من ترمب وآخرين لإقالة زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل من منصبه.
تعزيز الانقسام
ويبدو أن مساحة الانقسام داخل الحزب الجمهوري مرشحة للتفاقم خلال الأشهر المقبلة، فقد دشن ترمب ضربة البداية في سباق عام 2024 عندما أطلق على رون دي سانتيس في تجمع حاشد في بنسلفانيا لقب "ديسانتمونيوس" في محاولة للسخرية منه. واعتبر أنه حاكم جمهوري متوسط يتمتع بعلاقات عامة جيدة. وفي تصريحات نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، هدد ترمب بأنه إذا ما قرر دي سانتيس الترشح للانتخابات الرئاسية فسوف يتحدث عن أشياء لن يكون ممتناً بسماعها. وهاجم ترمب حاكم ولاية فرجينيا غلين يونغكين، معتبراً أن اسمه غريب أشبه بأسماء الصينيين. وكرر هجماته المتتالية على زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل.
بالنسبة إلى مؤيديه، فإن إطلاق الألقاب وتشويه الخصوم ليس إلا أحدث تكرار لنهج ساعد في دفع ترمب إلى البيت الأبيض في عام 2016، لكن ترمب لم يعد يهاجم من موقع قوة بعد فوز دي سانتيس الساحق في فلوريدا، وتغلب يونغكين على منافسه الديمقراطي تيري مكوليف العام الماضي في ولاية فاز بها الرئيس بايدن بشكل مريح عام 2020.
وبالنسبة إلى عديد من الجمهوريين، تمثل شخصيات مثل دي سانتيس ويونكين نوعاً من السياسة المحافظة التي يجب تقديرها بدلاً من السخرية منها، وسيكون الجمهوريون في خطر عام 2024 إذا ما فاز ترمب بالترشيح وركز على معاقبة الأعداء بدلاً من توسيع إطار دعمه سياسياً.
التأثير على الديمقراطيين
على الجانب الآخر، فإن ترشح ترمب قد يكون طوق نجاة لبايدن، إذ إنه لو عانى الديمقراطيون من خسارة كبيرة في الانتخابات النصفية الأخيرة كان الضغط أكثر قوة وكثافة على الرئيس بايدن كي يتنحى عن استكمال دورته الرئاسية الثانية لمصلحة وجه جديد، لكن بدلاً من ذلك فإن الخيار الآن هو على الرئيس، ومن المحتمل أن تزيل نتائج الانتخابات النصفية أي شكوك قد تكون راودته في شأن الترشح لإعادة انتخابه وفقاً لوليام غالستون، المتخصص في الشأن الانتخابي في معهد "بروكينغز".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من أن عديداً من المشرعين لا يعتقدون أن بايدن يجب أن يسعى لولاية ثانية، وينظر إلى حفنة من الشخصيات البارزة في الحزب بقيادة نائبة الرئيس كامالا هاريس، على أنهم مرشحون محتملون إذا اختار بايدن ذلك، فإن الرئيس أوضح أنه يعتزم الترشح على الرغم من بعض التذمر داخل حزبه. وجاء إعلان ترمب ترشحه ليزيده إصراراً على تكرار مواجهة عام 2020 التي فاز بها، خصوصاً أن من شأن وجود ترمب زيادة الانقسام داخل الحزب الجمهوري، ويضمن بدرجة كبيرة فوزاً أكثر سهولة من معركة الانتخابات الرئاسية السابقة.
ويرى خبراء استراتيجيون ديمقراطيون أنه سيكون من الجنون الاعتقاد أن الديمقراطيين سيكونون أفضل حالاً مع مرشح مختلف، وأنه إذا ما كان الديمقراطيون يريدون خسارة الانتخابات في 2024، فعليهم البدء في تعكير المياه على بايدن.
سيناريو ثيودور روزفلت
بالنسبة إلى المؤرخ جيفري إنجل وهو المدير المؤسس لمركز التاريخ الرئاسي في جامعة "ساذرن ميثوديست"، فإن انتخابات 2024 ستنتهي بفوز أي مرشح ديمقراطي سواء أكان الرئيس بايدن أم غيره، لأنه من المرجح أن يتكرر سيناريو الرئيس ثيودور روزفلت الذي كان يتمتع بثروة موروثة مثل ترمب، وقاعدة موالية من المؤيدين، ورغبة جامحة في أن يكون دائماً محور الاهتمام وتحت الأضواء، وبعد أن فاز في انتخابات عام 1904 بأغلبية ساحقة سلم مقاليد حزبه بعد أربع سنوات إلى صديقه الشخصي والأيديولوجي ويليام هوارد تافت، وترك منصبه عام 1908 كأصغر رئيس سابق في التاريخ الأميركي، وهو لا يزال يحتفظ بهذا اللقب حتى اليوم.
غير أن روزفلت لم يستطع البقاء بعيداً من دائرة الضوء، فقرر خوض الانتخابات ضد تافت في عام 1912 منافساً له على ترشيح الحزب الجمهوري الذي كان يحكم الولايات المتحدة في هذه الفترة بلا انقطاع على مدى 4 عقود، لكن حينما فاز تافت بترشيح الحزب الجمهوري، رفض روزفلت الاعتراف بالهزيمة، مدعياً أن عملية الترشيح بأكملها تم تعديلها منذ البداية بما يخدم منافسه. وبدأت حينئذ أكثر فضيحة مدوية في التاريخ السياسي الأميركي، إذ رفع روزفلت شعار "إنهم يسرقون منا الانتخابات التمهيدية". وقال لأنصاره إن وقت الحديث فات، وحان وقت القتال، ونحن نقف في هرمجدون (معركة نهاية الزمان الفاصلة بين قوى الخير والشر)، ونناضل من أجل الرب.
هل يعيد التاريخ نفسه؟
كان من الواضح أن الأنا أو حب الذات هو ما قاد روزفلت إلى رفض الهزيمة والترشح من خارج الحزب ما تسبب في انقسام الجمهوريين، لدرجة أن ابنته قالت مازحة، إن والدها "يكون سعيداً فقط إذا كان العروس في كل حفل زفاف والجثة في كل جنازة".
ولهذا يشير المؤرخ إنجل إلى أن التاريخ يسارع لتكرار تلك الانتخابات المصيرية، وأنه من المستحيل تجاهل الأدلة التي تشير إلى انتصار الديمقراطيين عام 2024 على اعتبار أن أحد أمرين سيحدث، الخيار الأقل ترجيحاً هو أن ترمب، على الرغم من أعبائه السياسية التي لا تحصى ومشكلاته القانونية المتزايدة، سيفوز بترشيح الحزب الجمهوري، لكنه سيفشل في الفوز بالبيت الأبيض في النهاية لأن أكثر من 50 في المئة من الناخبين الأميركيين لديهم وجهة نظر سلبية عن الرئيس السابق. لذلك، إذا فاز ترمب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في أغسطس (آب) 2024، فسيخسر الجمهوريون في نوفمبر (تشرين الثاني)، وفي حال خسارته ترشيح الحزب سيرشح نفسه مستقلاً أو على الأقل يخبر مؤيديه بالابتعاد عن انتخابات مزورة بشكل واضح. ومن شأن هذا أن يقسم الجمهوريين ومن ثم يفوز أي مرشح ديمقراطي.
ومثلما رفض روزفلت الوقوف خلف مرشح حزبه المختار على النحو الواجب، أظهر ترمب أنه مثل روزفلت سيشوه سمعة أي مؤيد وصديق سابق في سعيه لتحقيق هدفه، ولن يقبل الهزيمة بأي شكل. وهو مثل روزفلت أيضاً يريد أن يكون العروس في كل حفل زفاف والجثة في كل جنازة، والاسم الأعلى على أي لافتة.