قد يصعب علينا تقدير صعوبات تصميم الخطوط التي نستخدمها اليوم على الكمبيوتر أو في غيره من الأجهزة الإلكترونية، إذ تصل إلى أيدينا بكل بساطة وسهولة، فلا نتصور أنه ثمة مراحل كثيرة معقدة تسبق ظهورها بالشكل التي هي عليه. مصمم الخطوط اللبناني باسكال زغبي اختار مجالاً غير تقليدي، بعدما عشق الخط العربي والأحرف والخطوط.
تابع زغبي في هذا الطريق بكل ما فيه من صعوبات وتعقيدات، فيما كان من القلائل الذين اختاروه حينها في بلادنا، إلى أن استطاع أن يحقق نجاحات على صعيد عالمي. يصب تركيزه واهتمامه على الخط العربي بشكل أساسي ضمن شركته "29 حرف"، إلى جانب عمله مع اختصاصيين في المجال على الخطوط عامة. على هامش مشاركته في 2019 Beirut Design Week، تحدث عن الطريق الذي سلكه وما تخلله من صعوبات، وصولاً إلى الإنجازات اللافتة التي حققها.
أسباب عديدة دفعت زغبي إلى القيام بهذا الاختيار ليصبح مصمم خطوط رقمي، على رأسها تلك الصعوبات التي كان يواجهها في بداية الطريق بعدما تخصص في الإخراج الفني ولاحظ قلة الخيارات المتاحة في الخط العربي. كما أنه طوال فترة تعامله مع شركات في مجال اختصاصه، كان يميل بشكل خاص إلى الخطوط والأحرف ويولي هذا المجال اهتماماً خاصاً.
وكان ذلك يبدو واضحاً حتى في مرحلة الدراسة الجامعية، حين لاحظ أساتذته ميله الخاص إلى الخطوط والأحرف مقارنة بغيره من الطلاب. "يعود اهتمامي بالخطوط إلى مرحلة الطفولة. فكانت لدي حشرية لافتة بشأن اللغة والأحرف والخطوط وأنظر إليها بطريقة مختلفة. وفي الجامعة عندما درست الخط العربي والتغييرات التي طرأت عليه وظهور الخط الموحد وبداية الطباعة، قمت بمزيد من الأبحاث عن تطوره لأكتشف أسباب الخيارات المحدودة المتاحة أمامنا، على اعتبار أن هذا الموضوع يهمني بشكل خاص. وبعدما أنهيت تخصصي، عرفت أن الهولنديين يُعتبرون أهم مصممي الخطوط في العالم، فقررت التوجه إليهم للتخصص في هذا المجال".
كونه اختار مجالاً لا يُعتبر تقليدياً، كان من الطبيعي أن يواجه زغبي صعوبات عديدة في البدايات في فترة تخصصه في هولندا. ففي تلك المرحلة، كان ملزماً بالتدرب على طريقة التصميم والتطبيق وكان وحده ينفرد في ذلك باعتباره من القلائل في هذا الاختصاص والعربي الوحيد. "واجهت حينها صعوبات في اكتشاف التقنيات الصحيحة في الإنتاج والتصميم، علماً أنني حزت على الماجستير عام 2005، وكان مصممو الخطوط العرب قلائل في ذاك الوقت".
لكن في مرحلة لاحقة، أنشأ زغبي موقعاً إلكترونياً ومدونة ونشر مقالاً تحدث فيه عن طرق التصميم ومجال اختصاصه، فكان ذلك من الخطوات الأولى لتحقيقه الانتشار الذي أسهم في تطور أعماله أكثر، خصوصاً أن ذلك حصل في المرحلة التي ارتفع فيها الطلب في لبنان والخليج على الخطوط العربية.
ويوضح زغبي أنه يتعاون مع فريق عمل في أوروبا ولبنان على إنتاج الخطوط المعاصرة بين تلك العربية واللاتينية. إلا أنه بعكس ما قد يبدو في الظاهر، ثمة تفاصيل كثيرة وخطوات يتخللها هذا العمل الذي يبدأ بالبحث ثم الرسم وابتكار التصميم الجديد المميز البعيد عما هو متوفر مع تصميم لكل حرف، إضافة إلى برمجة المواصفات لتكون الخطوط الجديدة قابلة للعمل على مختلف الـSoftwares الموجودة، إلى جانب ضرورة إنشاء كتيّب خاص مفصّل يوضح طرق الاستخدام عندما يُعطى للزبون.
ويشير زغبي إلى أن مجال عمله يقسم إلى قسمين. "ثمة مشاريع أنفذها ضمن شركتي تستند إلى اهتماماتنا الخاصة وأخرى تكون بالتعاون مع زبائن بناءً على طلبهم، سواء كانوا شركات أو مطارات أو متاحف أو مجلات أو صحف وغيرها. ثمة الكثير من الخطوط المتداولة اليوم، التي عملت عليها ضمن المشاريع التسويقية التي أقوم بها في تعاملي مع شركات أو مؤسسات بالتعاون مع فريق عمل من المتخصصين أختارهم بحسب المشروع، فيما أركز شخصياً على الخط العربي. فقد تعاملت مع متحف قطر للفن المعاصر والمتحف الإسلامي في قطر ومطار أبو ظبي ومتاحف جديدة ستُفتتح قريباً، إضافة إلى الخطوط التي نفذتها ضمن شركتي لعلامة Swatch وGoogle. فكل ما يمكن رؤيته من خط عربي على Google هو من تنفيذي. كما أن الخطوط التي ستُعتمد في معرض Expo 2010 كلّها من تنفيذنا. تضاف إلى ذلك الخطوط التي نطلقها بأنفسنا ضمن الشركة برغبة شخصية منا وننشرها على موقعنا الإلكتروني. عندها، يمكن للراغب شراء الرخصة لاستخدامها على الكمبيوتر أو على موقع أو لأي غاية أخرى في برامج أو مشاريع".
يضيف "صحيح أنني أؤسس وأبتكر الخطوط على طريقتي وأضع الأسس، لكن في النهاية أضعها في متناول الناس الذين أتعامل معهم والذين يستخدمونها على طريقتهم ويطلقونها كما يشاؤون، لكن هذا لا ينفي أنني أضع الأسس التي أقتنع بها تمام الاقتناع".