أعاد "الفيروس المخلوي التنفسي" أجواء الذعر التي صاحبت انتشار كورونا العامين الماضيين في مصر، في ظل تزايد الإصابة بالفيروس بين الأطفال، الذي يتشابه مع الإنفلونزا وكورونا، باعتبارها من الأمراض التنفسية، مما أدى إلى حالة من الذعر بين الأهالي ومطالبات على مواقع التواصل الاجتماعي للحكومة بإغلاق المدارس أو تأجيل الامتحانات والتغاضي عن غياب الطلاب عن الفصول.
ووفقاً لمسح أجراه قطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة المصرية على عدد كبير من الأطفال المصابين بالأعراض التنفسية، فإن 73 في المئة منهم ثبتت إصابتهم بالفيروس التنفسي المخلوي. وأوضح رئيس القطاع عمرو قنديل، في تصريحات إعلامية، أن 95 في المئة من الأطفال المصابين عمرهم أقل من ثلاث سنوات، بخاصة ذوي المناعة الضعيفة، مشيراً إلى أن الفيروس "ليس جديداً وينشط كل عام في فترة الخريف، ويظل في جسم المريض خمسة أيام".
وكانت وزارة الصحة قد حذرت من انتشار الفيروسات التنفسية في الفترة ما بين الفصول، التي تصيب عدداً كبيراً من الأطفال.
أعراض الفيروس
ويسبب الفيروس المخلوي التهابات في الجهاز التنفسي، إذ تصل العدوى عادة إلى ذروتها في أواخر الخريف أو الشتاء، وتتشابه أعراضه مع أعراض نزلات البرد والإنفلونزا وكورونا، باعتبارها جميعاً من الأمراض التنفسية، وغالباً ما تظهر بعد عدة أيام من الإصابة، فقد تبدأ الأعراض في الظهور بعد فترة من أربعة إلى ستة أيام من التعرض للفيروس، ورغم كون الأطفال الأصغر سناً أكثر عرضة للإصابة به، فإنه يصيب البالغين أيضاً، ويؤدي إلى ظهور عديد من العلامات التي تشبه الزكام ونزلات البرد.
وتشمل أعراض الفيروس، في الحالات الشديدة الحمى، والسعال الشديد والأزيز (صوت حاد يسمع عادة خلال الزفير)، وكذلك التنفس السريع أو صعوبة التنفس، إضافة إلى ظهور لون أزرق على الجلد بسبب نقص الأوكسجين (الزراق). وقد تنتقل عدوى الفيروس إلى المجرى التنفسي السفلي، مسببة التهاب الرئة أو القصبات، وهي الممرات الهوائية الصغيرة المؤدية إلى الرئة.
ورغم تأكيد متحدث وزارة الصحة المصرية حسام عبدالغفار بأنه "فيروس معد"، فإنه اعتبر أنه "ليس وباءً يستوجب الغلق مثل كورونا"، مضيفاً في تصريحات تلفزيونية أنه "بين كل 100 مصاب بالفيروس المخلوي يوجد نحو 98 ليس لديهم أعراض أو لديهم أعراض في الجهاز التنفسي العلوي تخف حدتها بالعلاج".
وأشار عبدالغفار إلى أن اثنين في المئة فقط من المصابين بنزلات البرد قد يؤدي خلالها الفيروس إلى التهاب رئوي، وارتفاع مستمر في درجة الحرارة لمدة ثلاثة أيام لا تستجيب للمخفضات وصعوبة في التنفس، مؤكداً أنه ليس له علاج محدد، ويتم علاجه بأدوية الإنفلونزا لا بالمضادات الحيوية، وأن طريقة التعافي تكون مثل العلاج من الإنفلونزا بالتزام المنزل ورفع المناعة بالأكل الصحي وشرب السوائل والتطهير المستمر للأيدي والأسطح، بينما لا يوجد لقاح للفيروس المخلوي التنفسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ليس جديداً
وقالت استشاري طب الأطفال ولاء الأمير، لـ"اندبندنت عربية"، إن فترات الخريف وبداية فصل الشتاء "تشهد انتشار عديد من الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي"، مؤكدة أن الفيروس المخلوي "ليس جديداً، ومن الطبيعي انتشاره خلال الفترة الحالية، لكنه أكثر من السنوات الماضية".
وأوضحت الأمير أن أعراض الفيروس تضمن ضيقاً في التنفس والسعال الشديد. مضيفة أن إصابة الأطفال الرضع بالفيروس "تستلزم التوجه إلى المستشفى على الفور، بسبب ضعف المناعة الذي قد يؤدي إلى درجات أكثر صعوبة في الأعراض".
وأشارت استشاري طب الأطفال إلى أن الإجراءات الاحترازية، التي اتخذت لمواجهة كورونا قد تكون سبباً في توحش الفيروسات الأخرى، وتصاحب الإصابة بها أعراض أقوى من المعتاد. مضيفة أن المدارس "ليست سبباً رئيساً في انتشار الفيروس، ولا يمكنها التحكم به"، مؤكدة أن "اختلاط الأطفال في العموم سبب ارتفاع أعداد الإصابات بجانب صعوبة السيطرة على الفيروسات بعكس البكتيريا".
ووجهت الأمير عدة نصائح إلى أولياء الأمور للحفاظ على صحة أطفالهم، بينها العودة إلى الاهتمام بالإجراءات الاحترازية والنظافة العامة والتباعد الاجتماعي، إلى جانب اتباع نظام غذائي صحي لتقوية المناعة. لافتة إلى أن التغيرات الجوية لها بالغ الأثر في إصابة الأطفال بالفيروسات التنفسية مع خلق مناخ مساعد لانتشار العدوى، مؤكدة أنه لا يوجد يقين علمي عن توقيت انتهاء هذه التغيرات، ووقف زحف الإصابة بالفيروس المخلوي.
ذعر الأهالي
كذلك، أكد رئيس اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا في مصر حسام حسني، أن الفيروس المخلوي يصيب الجهاز التنفسي العلوي، وما يعانيه الأطفال الآن عبارة عن إنفلونزا في الجهاز التنفسي العلوي، موضحاً، في تصريحات تلفزيونية، أن الحل الوحيد هو "الراحة التامة والسوائل الدافئة ومخفضات الحرارة والتزام الإجراءات الاحترازية، مع التغذية السليمة والتهوية الجيدة".
لكن نسب الإصابة الكبيرة بين الأطفال دفعت كثيراً من أولياء الأمور إلى الخوف على أطفالهم من انتشاره في المدارس. تقول دعاء محمد إن بنتها لي لي (10 سنوات) لاحظت عليها أعراض الفيروس التي سمعتها في الإعلام. وأكد الطبيب أن لدى الطفلة "الدور اللي ماشي" (التعبير المستخدم بين المصريين عن حالة المرض الجماعي حالياً في فترة تغير الفصول).
وتضيف دعاء لـ"اندبندنت عربية"، "أكثر من نصف عدد زملاء ابنتها في الفصل غابوا في الأسبوعين الأخيرين لمدة يوم واحد في الأقل بسبب أعراض شبيهة، مما يؤكد أن العدوى جاءت من المدرسة". وتساءلت "لماذا لا تتحرك وزارة التعليم لإغلاق المدارس ولو جزئياً حتى تمر تلك الإصابات بسلام، حتى وإن كانت الأعراض ليست شديدة؟".
كذلك، قالت داليا سيد، إنها آثرت السلامة وأبقت ابنتها ملك (تسع سنوات) في المنزل الأسبوع الماضي، بعد أن علمت بإصابة ثلاثة من زملائها بذلك الفيروس، مؤكدة أن عدد الإصابات بالفيروس التنفسي أكثر من المعتاد هذا العام مقارنة بفترات تغير الفصول في السنوات الماضية، كما أن تجربة العامين الماضيين مع فيروس كورونا جعلت الجميع يتخوف، بخاصة أنه أصاب الأطفال أيضاً.
غلق المدارس
وعن إمكانية غلق المدارس حفاظاً على صحة الطلاب، أوضح متحدث وزارة الصحة المصرية، أنه "لا يوجد مبرر صحي مبني على دليل علمي قد يجعل الوزارة تدعم اتخاذ إجراءات لتعطيل المصالح"، لافتاً إلى أن الفيروس المخلوي هو "فيروس قديم وموجود منذ زمن، لكن هذا العام معدل انتشاره أعلى من الفيروسات التنفسية الأخرى".
بدورها، وجهت وزارة التربية والتعليم المصرية بتطبيق كل الإجراءات الاحترازية للوقاية والتعامل مع الأمراض المعدية داخل الفصول التعليمية بالتنسيق مع وزارة الصحة. ونص الكتاب الدوري الذي أصدرته الوزارة لمديرياتها على عقد امتحان آخر موحد تحدده المدرسة، للطلاب المتغيبين بعذر طبي مقبول في امتحان الشهر، على أن يقوم بإعداده موجه المادة بالإدارة التعليمية.
كما أرسلت للمديريات التعليمية كتاباً يتضمن دليل وزارة الصحة والسكان للوقاية والتعامل مع الأمراض المعدية والشروط الصحية الواجب توافرها على مستوى المنشآت التعليمية، حفاظاً على صحة الطلاب، والذي تضمن الشروط الصحية الواجب توافرها على مستوى المنشآت التعليمية، والخدمات الصحية الواجب توافرها في المنشآت التعليمية، وتفاصيل التطعيمات لطلاب المدارس، وإجراءات التعامل مع المرض المعدي "التفشي الوبائي" داخل المنشآت التعليمية.
وكشف وزير التعليم رضا حجازي، في تصريحات صحافية، عن أنه لا صحة لما يجري تداوله عن تعليق الدراسة، بسبب انتشار الفيروس المخلوي التنفسي، وأن سير العملية التعليمية مستمر في انتظامه، مع التشديد على كل الإجراءات الاحترازية.
بدوره، تقدم النائب عبدالمنعم إمام، عضو مجلس النواب المصري، بسؤال برلماني لوزيري الصحة والتربية والتعليم بخصوص الاستعدادات والإجراءات التي قامت بها الوزارة من أجل حماية أطفال المدارس من الفيروس المخلوي التنفسي، ووقف انتشاره والسيطرة عليه، بخاصة بعد قرار وزير التعليم بعدم تأجيل الدراسة، وتساءل عن مدى انتشاره بالمدارس، وتأثيره في صحة التلاميذ.