اندلعت احتجاجات في الجامعات الإيرانية وبعض المدن، السبت 19 نوفمبر (تشرين الثاني)، فيما حذر الزعيم الأعلى علي خامنئي من أن "أعداء" الدولة ربما يحاولون حشد العمال بعد الفشل في الإطاحة بالحكومة خلال الاضطرابات المستمرة منذ أكثر من شهرين، والتي شهدت السبت مقتل ثلاثة متظاهرين على الأقل برصاص قوات الأمن الإيرانية في شمالي غرب البلاد، وفق ما أعلنت منظمة هنكاو غير الحكومية المدافعة عن أكراد إيران.
وقالت هنكاو ومقرها في النرويج لوكالة الصحافة الفرنسية، إن "القوات الحكومية القمعية فتحت النار على المتظاهرين في بلدة ديفانداره فقتلت ثلاثة مدنيين على الأقل".
وتكتسب الاحتجاجات، التي تمثل أحد أكثر التحديات جرأة التي تواجه زعماء إيران من رجال الدين منذ عقود، المزيد من الزخم مما يزعج السلطات التي حاولت اتهام أعداء إيران في الخارج وعملائهم بتدبير الاضطرابات.
ونقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن خامنئي قوله، "حتى هذه الساعة، الحمد لله، هُزم الأعداء. ولكن الأعداء لديهم حيلة جديدة كل يوم، ومع هزيمة اليوم، ربما يستهدفون الطوائف المختلفة مثل العمال والنساء".
وأدى طلاب الجامعات والنساء دوراً بارزاً في الاحتجاجات الميدانية المناهضة للحكومة. ولوحت بعض المتظاهرات بالحجاب وأحرقنه للتنديد بقواعد الزي الصارمة المفروضة على النساء.
وذكرت وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان (هرانا) السبت، أن هناك إضرابات واعتصامات واحتجاجات في أكثر من 20 جامعة في العاصمة طهران ومدن كبيرة أخرى من بينها أصفهان وتبريز وشيراز ترفع شعار "الحرية، الحرية، الحرية".
ونشرت الجماعة الحقوقية الكردية (هنكاو) مقاطع فيديو تقول إنها تُظهر قوات الأمن وهي تطلق الرصاص على محتجين في ديواندره مما أسفر عن مقتل محتج. ولم يتسنَ لـ"رويترز" التحقق من المقاطع.
وقالت "هرانا" إن 402 من المحتجين قُتلوا في الاضطرابات حتى الجمعة من بينهم 58 قاصراً. وأضافت أن نحو 54 من أفراد قوات الأمن قُتلوا أيضاً. وتابعت أن السلطات اعتقلت أكثر من 16800 شخص.
وذكرت وسائل إعلام رسمية في الشهر الماضي أن أكثر من 46 من أفراد الأمن قُتلوا من بينهم رجال شرطة. ولم يقدم مسؤولو الحكومة تقديراً لأي وفيات أخرى.
تنديد إيراني
وندّدت طهران اليوم السبت بـ"صمت" المجتمع الدولي بعد هجمات دامية شهدتها مدن إيرانية، ووصفتها الحكومة بأنها أعمال "إرهابية".
وتتهم طهران، التي تعتبر معظم هذه التظاهرات "أعمال شغب"، قوات خارجية بالوقوف وراء حركة الاحتجاج في محاولة لزعزعة استقرارالنظام الإيراني.
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان نشرته وكالة أنباء "إرنا" الرسمية إنّ "الشعب الإيراني والمجتمع الدولي شهدا في الأيام الأخيرة أعمالاً إجرامية من قبل مجموعة من الإرهابيين لا تعرف الرحمة ضدّ المواطنين الأبراء والمدافعين عن أمن إيران في مدن إذة وأصفهان ومشهد".
وأضافت الوزارة أن "الصمت المتعمّد للمروّجين الأجانب للفوضى والعنف في إيران، في مواجهة العمليات الإرهابية... ليس له نتيجة سوى تشجيع الإرهابيين وتعزيز الإرهاب في العالم".
قُتل عشرة أشخاص الأربعاء، بينهم امرأة وطفلان، إضافة إلى ضابط في الشرطة، خلال هجومين منفصلين في إيذه (جنوب غرب) وأصفهان (وسط)، وفقاً لوسائل إعلام ومصدر طبي.
وعزت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية الهجوم في إيذة إلى "إرهابيين".
وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي في إيران مقاطع مصورة تظهر اشتعال النيران في منزل عائلة الخميني، وقال نشطاء إن المحتجين أضرموا النار فيه.
وتحققت وكالة "رويترز" من موقع مقطعين عبر ملاحظة أقواس مميزة ومبان تتطابق مع الصور الأرشيفية. إلا أن وكالة "تسنيم" شبه الرسمية للأنباء نفت احتراق منزل الخميني وقالت إن عدداً قليلاً من الناس تجمعوا خارجه.
وتظهر المقاطع المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي ابتهاج عشرات الأشخاص عندما اندلعت النار في أحد المباني.
ولم يتسن لـ"رويترز" التحقق بشكل مستقل من تاريخ تصوير المقاطع المصورة. وقال حساب "1500 تصوير" النشط على "تويتر"، إن الحادثة وقعت مساء الخميس في بلدة خمين مسقط رأس الزعيم الإيراني الراحل جنوب العاصمة طهران، علماً أن المنزل تم تحويله إلى متحف.
وقالت وكالة "تسنيم" إن "التقارير كاذبة. أبواب منزل الزعيم الراحل مؤسس الثورة الكبرى مفتوحة للجمهور".
وتوفي الخميني عام 1989، ويتعرض خليفته علي خامنئي لضغوط شديدة بسبب الاحتجاجات التي تجتاح البلاد وتهتف بالموت له.
استمرار الاحتجاجات
وتظاهر إيرانيون مجدداً مساء الجمعة 18 نوفمبر (تشرين الثاني) وهتفوا ضد النظام. ونظم أهالي مدن دشتي، وبارسيان وياسوج، وسقز، وبوكان، وإيلام، وتويسركان، وخوي، وباوه، وقزوين، تجمعات ليلية وأضرموا النار في الشوارع ورفعوا شعارات مناهضة للنظام، وفقاً لموقع "إيران إنترناشيونال".
ونظم المحتجون في مدينة قزوين احتجاجات ليلية كما أظهر مقطع فيديو أن الأهالي طاردوا أحد عناصر الباسيج قبل أن يلوذ بالفرار، بحسب الموقع نفسه.
وشهدت مدينة ياسوج، جنوب غربي إيران، تجمعات ليلية للأهالي الذين رفعوا شعارات ضد النظام. كذلك، خرج أهالي مدينة سقز بمحافظة كردستان إلى الشوارع وأضرموا النار في الشوارع.
وأظهرت مقاطع فيديو متداولة أن المتظاهرين في مدينة تويسركان بمحافظة همدان أضرموا النار في مكتب خطيب الجمعة وممثل المرشد علي خامنئي في هذه المدينة.
وفي وقت سابق الجمعة، نزل مئات الأشخاص إلى شوارع مدينة إيذه بجنوب غربي إيران خلال جنازة كيان بيرفالاك البالغ تسع أو عشر سنوات، وفق ناشطين، بحسب ما أظهر تسجيل مصور نشرته منظمة حقوق الإنسان في إيران ومقرها النرويج، ومرصد "1500 تصوير".
وقالت والدته خلال مراسم الجنازة إن كيان أصيب الأربعاء برصاص قوات الأمن، علماً بأن مسؤولين إيرانيين شددوا على أنه قتل في هجوم "إرهابي" نفذته جماعة متطرفة.
وسمعت والدته وهي تقول خلال المراسم "اسمعوا مني كيف حصل إطلاق النار، كي لا يسعهم القول إنه قتل على يد إرهابيين لأنهم يكذبون"، بحسب التسجيل الذي نشره "1500 تصوير".
وأضافت "ربما اعتقدوا أننا نريد إطلاق النار أو شيئاً كهذا، وأمطروا السيارة بالرصاص... قوات بلباس مدني أطلقت النار على طفلي. هذا ما حصل".
وفي انتقاد للرواية الرسمية للأحداث هتف متظاهرون، "الباسيج، سباه... أنتم داعشنا"، وفق ما سمع في تسجيل نشرته المنظمة الحقوقية.
والباسيج هي قوات تابعة للحرس الثوري، فيما سباه تسمية أخرى للحرس الثوري.
مقتل أكثر من 50 طفلاً
وفي تسجيل آخر نشره المرصد "1500 تصوير"، سمع متظاهرون وهم يهتفون "الموت لخامنئي"، في إشارة إلى المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي.
وقالت مواقع إعلامية معارضة خارج إيران، إن قاصراً آخر هو سبهر مقصودي (14 سنة) قتل بالرصاص في ظروف مماثلة في إيذه الأربعاء.
وكثيراً ما تحولت جنازات إلى تظاهرات في حركة الاحتجاج التي بدأت عقب وفاة الشابة مهسا أميني في 16 سبتمبر (أيلول)، بعد أن أوقفتها شرطة الأخلاق في طهران لعدم التزامها بقوانين اللباس الصارمة.
وذكر التلفزيون الرسمي الإيراني أن سبعة أشخاص دفنوا، بينهم فتى عمره تسعة أعوام، مضيفاً أنهم قتلوا على أيدي "إرهابيين" كانوا على متن دراجات نارية.
ونقلت وكالة "فارس" للأنباء المرتبطة بالحرس الثوري، عن حاكم محافظة خوزستان صادق خليليان قوله إن "عناصر أجنبية" تقف وراء ما حدث.
وقال هادي قائمي مدير "مركز حقوق الإنسان في إيران" ومقره نيويورك، "كيان بيرفالاك، تسع سنوات، وسبهر مقصودي 14 سنة، هما من بين 56 طفلاً على الأقل قتلتهم القوات الأمنية الساعية لسحق ثورة 2022 في إيران".
وقالت "منظمة حقوق الإنسان في إيران" ومقرها أوسلو، إن شعارات منددة بالنظام أطلقت في مدينة تبريز (شمال) خلال جنازة أيلار حقي، طالب الطب الذي يقول نشطاء إنه قتل إثر سقوطه من مبنى محملين قوات الأمن مسؤولية ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
موالون للنظام
وأظهرت مقاطع مصورة منفصلة نشرها حساب "1500 تصوير" على "تويتر"، متظاهرين في عدة مدن في إقليم سيستان بلوخستان المضطرب، منها العاصمة زاهدان، وهم يهتفون "الموت لخامنئي". فيما أظهرت مقاطع أخرى من مدينة جابهار متظاهرين وهم يزيلون ويدهسون لافتة شارع يحمل اسم الخميني.
وذكرت وكالة "تسنيم" أن متظاهرين موالين للحكومة خرجوا الجمعة في مدينة مشهد بشمال شرقي البلاد، حيث لقي اثنان من قوات الباسيج حتفهما الخميس.
وبحسب الموقع الإخباري للحرس الثوري، لقي اثنان من عناصر الاستخبارات حتفهما في اشتباكات مع محتجين ليل الخميس.
وذكر الموقع أيضاً أن ثلاثة آخرين من الحرس الثوري وأحد عناصر الباسيج لقوا حتفهم في طهران، كما لقي عنصر من الباسيج وشرطي حتفهما في كردستان الخميس.
"لحظة حاسمة"
وفي ضوء الاحتجاجات، حيا المخرج الإيراني أصغر فرهادي "شجاعة" مواطنيه الذين يشاركون في التظاهرات ضد النظام، معتبراً أن البلاد تعيش "لحظة حاسمة".
وقال فرهادي لوكالة الصحافة الفرنسية على هامش مشاركته في مهرجان مراكش السينمائي الدولي، "أحيي كل الإيرانيين، الجيل الجديد والنساء والرجال الذين نزلوا للشارع ويحاولون انتزاع مصيرهم بأيديهم... أحيي شجاعتهم".
وأضاف "نحن في لحظة جد حاسمة من تاريخ البلاد، إيران لن تظل كما كانت بعد هذه الأحداث". وتابع "السؤال الذي يطرح الآن هو ما الذي ستؤول إليه هذه الاحتجاجات؟ وهل سوف تظل الوحدة، الضرورية ليسير البلد نحو الأمام، قائمة بين الإيرانيين؟".
وسبق لفرهادي الحاصل على جائزة أوسكار مرتين عن فيلمي "انفصال" (2011) و"البائع" (2016)، أن حض في 25 سبتمبر الناس في جميع أنحاء العالم على "التضامن" مع المتظاهرين، عبر فيديو بثه على حسابه على "إنستغرام".
ودعم عدد من الرياضيين الإيرانيين المشهورين والممثلين والمخرجين علناً الحركة الاحتجاجية، مطالبين السلطات بالاستماع إلى مطالب السكان. وهدد محافظ طهران محسن منصوري باتخاذ "إجراءات ضد المشاهير الذين ساهموا في تأجيج أعمال الشغب"، وفق ما نقلت عنه وكالة أنباء "إيسنا" أواخر سبتمبر.