هل من الممكن حتى أن يُصنع فيلم ’نوتينغ هيل’ اليوم؟ هذا هو السؤال الذي طرحه أحد رؤساء التحرير في عملي مع اقتراب عيد ميلاد أمازون الخامس والعشرين. بالنسبة لأولئك الذين ليسوا على دراية بالفيلم، الذي لا يروق للجميع، فهو فيلم رومانسي كوميدي حائز على جائزة بافتا يدور حول فرصة لقاء بين نجمة هوليوودية، أدت دورها جوليا روبرتس، وبائع كتب مستقل، قام بدوره هيو غرانت، الذي يقع متجره الخيالي في المنطقة الأنيقة الكائنة في غرب لندن.
طُرح السؤال بسبب التأثير الذي تركه صعود أمازون على المكتبات في الشوارع. لقد كان الأثر ضخماً ويمكن تصنيفه على أنه كارثي أومدمر أو فتاك. بإمكانكم أن تختاروا الوصف الذي يروق لكم. تشير الأرقام الصادرة عن جمعية بائعي الكتب إلى أن المملكة المتحدة وإيرلندا خسرتا أكثر من 1000 مكتبة مستقلة منذ عام 1995، وهو ما يزيد على نصف أعضاء الجمعية.
اختفت عدة سلاسل من متاجر الكتب أيضاً. قد تكون مكتبات ’بوردرز’ هي المثال الأبرز على الفشل المرتبط بأمازون، ولكن عدداً من المحلات الأصغر حجماً والمحلية قد اندثرت أيضاً. من بينها ’ساسيكس ستيشنرز’ و ’جيمس ثين’ و’بوكلاند’، والتي كانت جميعها في يوم من الأيام علامة بارزة في الشوارع الرئيسية في المناطق التي تعمل فيها، وكانت أماكن من الممتع الذهاب إليها واستعراض محتوياتها لبعض الوقت. مع ذلك، أعطت أرقام 2018 بصيصاً من الضوء لهذا القطاع المحاصر. حيث تظهر زيادة قدرها 15 متجراً مقارنة بـ 868 متجراً سُجلت في عام 2017 ، وأكثر بمتجر واحد من المتاجر الـ 867 المسجلة في العام السابق.
رون جونز من بين الناجين. لدى مالك شركة ’ميبكورن’ أربعة محلات في غرب البلاد. وباعتباره بائعاً متحمساً ويتمسك برأيه ويتمتع بمهارة عالية، فإن الكلمة التي اختارها لوصف أثر أمازون على تجارته هي ’فتاك’.
ويقول: "تعادل ثروتهم ثروة دولة صغيرة ولديهم قدرة على إملاء ما يريدون على الناشرين والموردين. لقد استخدموا هذا لإجراء الحسومات واحداً تلو الآخر لأنهم ببساطة قادرون على احتواء أي خسائر قد يتكبدونها من فعل ذلك في بلد مثل المملكة المتحدة".
تسهيل خفض أسعار أمازون يعود جزئياً كنتيجة لاتفاقية مرابح الكتب بين الناشرين وبائعي الكتب. لقد حددت الأسعار التي بيعت بها الإصدارات الجديدة ولكنها بدأت بالانهيار في التسعينيات في الوقت الذي بدأت أمازون رحلتها للتو. كانت الاتفاقية مضادة للمنافسة في بعض النواحي، لكنها ساعدت في دعم صناعة تلعب دوراً مهماً في الحياة الثقافية للأمة. واستطاعت المتاجر التي استفادت منها أن تستمر في التنافس بين بعضها البعض على الخدمات والأسهم، على سبيل المثال.
الوضع الذي يواجهه أشخاص مثل جونز الآن هو أن أسعار الكتب ظلت ثابتة لمدة 20 عاماً بينما ارتفعت التكاليف فقط.
يوضح جونز: "لقد جعلت أمازون الجمهور متردداً في قبول الأسعار المرتفعة ... نحن نواجه ارتفاع تكاليف الموظفين، وأسعار العمل التجاري، والإيجارات، دون أن ترتفع أسعار الكتب لتلبيتها."
لكون الحاجة أم الاختراع، كان على أصحاب المكتبات الناجين أن ينوعوا من أجل تحقيق الأرباح. قام جونز على سبيل المثال، بإنشاء دار نشر يُطلق عليها أيضاً اسم ’ميبكورن’ في رصيدها أكثر من 40 إصداراً، بالإضافة إلى تنظيم فعاليات للكتب ونواد للقراءة. الدور الذي يلعبه التنوع في بقاء المكتبات المستقلة البريطانية، هو موضوع اختارته ’ميريل هولز’ التي عملت في جمعية باعة الكتب لمدة 30 عاماً وكانت شاهداً على كل الأحداث. وهي الآن مديرة تنفيذية، وتقول: "أصبحت المكتبات بمثابة محاور مجتمعية في العديد من الحالات. لقد قامت بتنويع ما تبيعه - غالباً ما توفر مقهى، بالإضافة إلى الهدايا، والقرطاسية، ولعب الأطفال، وألعاب الطاولة وغيرها. وقد رفعت مستويات خدمة العملاء لديها ... تختار بضاعتها بعناية، وغالباُ ما تركز على الكتب التي تعد جميلة بحد ذاتها، وتهتم بها وتعرضها بشكل جيد، وتقضي وقتاً طويلاً في بناء علاقات مع زبائنها."
وتقول إن المكتبات "تعلمت كيفية التعامل مع أمازون"، ولكن أمثال جونز ما زالوا ينتقدونها بسبب "ممارسات التوظيف والضرائب والأعمال ... و التخفيض الممنهج لأسعار الكتب والتقليل من قيمتها بالتالي. " قائلا: "قد يكون هناك عدد أقل من المكتبات، لكنها تعرف كيف تعمل. لقد أظهرت مستويات عالية من الإبداع والطاقة والابتكار في الوصول إلى العملاء، وبناء جماهير جديدة وبيع الكتب."
يتحدث جونز عن أن المكتبات أصبحت مراكز "للتسوق الترفيهي" قائلاً: "هذا هو بالفعل الطريق إلى الأمام،" مشيراً إلى أن العوامل التي كانت ذات يوم تحقق مدخولاً يعتمد عليه في هذه التجارة مثل أسماء الكتاب المشاهير، الكتب الأكثر رواجاً، كتب الطبخ والسير الذاتية للمشاهير ليس أي منها سبب ربح لأمازون. لكنه يكتشف أيضاً رغبة متزايدة لدى الناس في دعم المكتبات الصغيرة، على غرار ما حدث مع متاجر التسجيلات.
ومثل ’يوم محلات التسجيلات’ الذي يشهد تدفق الزبائن إلى تلك المحلات لشراء إصدارات محدوة على الاسطوانات، فإن لدى المكتبات فعاليات خاصة بها، مثل يوم الكتاب العالمي. يقول جونز: "بالتأكيد هناك حب كبير تجاه المكتبات ... سيتضح مع الوقت كم هو قوي. ما زال الوضع صعباً هنا لكنني أشعر أن هناك تردداً طفيفاً لدى زبنائنا في الشراء من أمازون."
الأثر المباشر لصعود الشركة العملاقة على تجارة الكتب المستعملة كان أقل، على الرغم من أنها عملت في هذا الجانب من التجارة أيضاً من خلال ’سوق بيع المستعمل’ التابع لأمازون وملكيتها لموقع ’إيب بوكس’.
يُعد هذا الأخير عبارة عن بوابة يقوم من خلالها مورّدو الكتب النادرة من جميع أنحاء العالم بعرض بضاعتهم. لن تعرف أنها شركة تابعة لأمازون من خلال تصفح الموقع، لكنها كذلك.
ومن خلال قرار اتخذته الشركة مؤخراً، أظهر القطاع أن سلطة أمازون لها حدود.
وقد أخبر الموقع المكتبات في دول مثل هنغاريا وجمهورية التشيك وروسيا وكوريا الجنوبية بأنه سيتوقف عن دعمها، معتبرة أن الانتقال إلى مزود خدمة دفع جديد هو السبب.
رداً على ذلك، كتب أكثر من 550 بائع كتب من 26 دولة عبارة ’غير متوفر حالياً’ على أكثر من 3.5 مليون في قوائم الموقع. شهد اجتماع بين الرابطة الدولية لبائعي الكتب الأثرية، وهي مجموعة شاملة للهيئات التجارية الوطنية، و ’إيب بوكس’ اتفاقاً تم التوصل إليه لاستعادة بائعي الكتب المتضررين.
وقالت سالي بيردن رئيسة الجمعية رداً على ذلك: "هذا الإجراء التاريخي غير المسبوق هو نجاح لنا جميعاً."
عانت متاجر الكتب المستعملة من انخفاض أعدادها، ويعزى ذلك جزئياً إلى نفس النوع من الضغوط التي ساهمت في زوال العديد من باعة الكتب الجديدة في الشوارع الرئيسية: ارتفاع الإيجارات وتكاليف الموظفين وخاصة أسعار العمل التجاري.
على الرغم من هذه الصعوبات، قرر إيان إيرفاين، وهو زميل سابق لي في الاندبندنت، مع ذلك الدخول في هذه التجارة قبل أكثر من عام. في البداية اعتقدت أنه فقد صوابه. لماذا يقوم أي شخص بالشروع بمغامرة من هذا النوع ضمن الأجواء الحالية؟
بكل الأحوال، بعد مضي أكثر من عام على شرائه مكتبة ’بوكشوب أو ذا هيث’ في منطقة ’بلاك هيك’ في جنوب شرق لندن، بأموال منحه إياها والداه، لا يزال مستمراً في العمل ويبدو متفائلاً ومبتهجاً عندما التقيت به في متجره.
إنه طويل القامة، ويرتدي نظارات، ويتحدث جيداً، ويتمتع إلى حد كبير بهيئة بائع الكتب، مما يشكل لمسة إضافية على أجواء المتجر الكبير. إنه مليء بالكتب المجلدة ذات المظهر القديم والخرائط والملصقات، وتحتل الكتب ذات الأغلفة الورقية الرفوف خارج واجهة المحل الخضراء الزاهية.
إنه ذلك النوع من الأماكن التي قد تكون في واقع الأمر موقعاً جيداً لتصوير نسخة جديدة من فيلم ’روبرتس/غرانت’ إذا أعيدت تسميته بـ ’بلاك هيث’، ويتم استخدامه بالفعل للتصوير بين الفينة والأخرى. قد يستطيع جمهور مسلسل ’سبوك’ الذي تنتجه بي بي سي التعرف على المكان.
يقول إيرفاين: "إن الإنترنت رائع إذا كنت تعرف ما تريد ... ولكن إن لم يكن الأمر كذلك، يمكنك الذهاب إلى مكتبة والعثور على أشياء لم تكن تعرف أنك تريدها. تكتشف الأشياء. هذه المصادفة هي بالفعل جوهر المكتبات."
إنه محظوظ لأن مالك المتجر الذي يستأجره يريد مكتبة في العقار - هذا هو شرط التأجير- وكان على استعداد للاتفاق على عقد إيجار تجاري ولكن مناسب. معدلات العمل هي عبء كبير بالنسبة له أيضاً. حيث يدفع 770 جنيهاً إسترلينياً في الشهر، رغم أن المبلغ سينخفض في العام المقبل، ويقول إنه يحتاج إلى الحصول على حوالي 3500 جنيها إسترلينياً في الشهر حتى يغطي المدفوعات، وهو مبلغ كبير بالنسبة لمتجر صغير. على هذا النحو، فهو يسعى إلى توجيه العمل أكثر نحو الكتب القديمة والنادرة التي تحقق أسعاراً أعلى وهامشاً أفضل من العروض اليومية. يعد الإنترنت مصدراً مهماً لزبائن هذه الكتب، لهذا فقد تصالح مع أمازون وأدرج عدداً كبيراً من بضاعته على ’إيب بوكس’.
يقول موضحاً أهمية الموقع: " يقوم كل متجر للكتب المستعملة في العالم تقريباً بعرض لوائحه على الموقع ... أنا أستخدمه دائماً لأنه يخبرك بما يقدمه الناس وما هو المبلغ المطلوب. إنه مفيد بشكل لا يصدق، وأقوم بإرسال كتاب ما كل أسبوع إلى مكان في العالم."
ومن الأمثلة الحديثة أنه تلقى بريداً إلكترونياً من مهرجان سالزبيرغ في النمسا، بخصوص أحد الكتب المدرجة على قائمته، وهو كتاب ’تنوعات متناغمة’ وهو كتاب موقَّع من مؤلفه كُتب في عام 1909 وبقي في المتجر لمدة 15 عاماً.
يقول: "كان لدي النسخة الوحيدة المتوفرة حالياً في العالم وبيعت في النهاية مقابل 425 جنيهاً استرلينياً ... إنه بيع يلعب دوراً كبيراً في وصول المتجر إلى هدفه الشهري. ولكن تلعب تركيبة المنطقة المحلية دوراً مهماً كذلك، التي تنجح بشكل جيد جداً مع سكانها الموسرين."
التنويع هو كل شيء. نيكولاس دينيس، ابن شقيق المؤلف غراهام غرين، هو أحد المحاربين القدامى في التجارة، بدأ عمله على كشك في السوق قبل أن يصل إلى المتاجر. تقوم شركته التي تحمل اسم ’دينيز، ساندرز أند غرين بوكس’ بمعظم تجارتها عبر الإنترنت. يقول إن الأزمة المالية أصابت السوق التي يعمل بها بقوة. قائلاً: "انخفضت الأسعار بمقدار النصف تقريباً من الناحية العملية، وقد بدأت في التعافي مؤخراً فقط." لكنه أشار أيضاً إلى أن التنظيم والأسعار هي بالعموم مشكلات كبيرة بالنسبة لبائعي الكتب الصغار.
يعمل تيم برايرز كمتحدث باسم جمعية باعة الكتب الأثرية ويدير كذلك مكتبة ’برايرز آند برايرز’ في لندن. يقول إن عدد الأشخاص الذين يبيعون الكتب النادرة في المملكة المتحدة يساوي على الأقل العدد الذي كان موجوداً في السابق على الإطلاق، لكن لا يعملون جيمعهم بدوام كامل أو من متجر، لأسباب ليس أقلها ما وصفه بأنه "الارتفاع غير العادي في أسعار الأعمال على مدى العشرين سنة الماضية ".
"التحديات والفرص التي أتاحها الإنترنت مختلفة بالنسبة للقطاعات المختلفة من تجارة الكتب. في بعض النواحي، أصبح العالم أكثر تنافسية، لكن بات بإمكان باعة الكتب والزبائن أن يعثروا على بعضهم البعض بطرق كانت مستحيلة قبل 25 عاماً."
ويقول: " لأمازون موطئ قدم في سوق الكتب القديمة والمستعملة حيث تمتلك موقع ’أيب بوكس’ الذي كان موضوعاً تمرد ناجح للباعة العام الماضي. على أية حال، ما زال العديد من أعضائنا يجدون ’أيب بوكس’ منصة مفيدة، إحدى المنصات العديدة للبيع والشراء. إن العضوية في ’إيب’ ثابتة، ويزداد عدد الأعضاء الجدد كل عام (على الأقل بنفس عدد المغادرين)، ونحن نرى متاجر جديدة تفتح أبوابها أيضاً."
ويضيف: "التحديات والفرص التي أتاحها الإنترنت مختلفة بالنسبة للقطاعات المختلفة من تجارة الكتب. في بعض النواحي، أصبح العالم أكثر تنافسية، لكن بات بإمكان باعة الكتب والزبائن أن يعثروا على بعضهم البعض بطرق كانت مستحيلة قبل 25 عاماً."
تختتم ’هولز’ حديثها أيضاً في بملاحظة متفائلة عن تجارة الكتب الجديدة.
وتقول: "غالباً ما تكون المكتبات أفضل المتاجر في الشوارع التي توجد فيها، حيث تتواصل مع الباعة الآخرين في المساعي المجتمعية مثل مشروع ’محلي بالكامل - Totally Locally’ الذي يدعم المشاريع والأعمال التجارية المحلية، واستضافة المؤلفين في فعاليات مباشرة في البلدات. أصبحت المكتبات واثقة حديثاً، والكثير منها يزدهر - لكن علينا أن نتوخى الحذر من الضغط المتواصل على التكاليف المرتفعة للمحلات في الشوارع الرئيسية وأن نواصل الكفاح من أجل ميدان لعب متكافئ لمحلات بيع الكتب."
لا يمكن تجنب أمازون، لكن يبدو أن السوق يجد طرقاً للتعايش معها، وجذب بعض عملائه للعودة مجدداً إلى متاجره. لذا، ينبغي على هوليوود، مع رغبتها غير المحدودة في إعادة صناعة الإنتاجات القديمة، أن تعلم أنه لا يزال هناك بائعو كتب مستقلون في الجوار إذا ما كان علينا مشاهدة نسخة ثانية من ’نوتينغ هيل’.
© The Independent