تتصاعد المؤشرات المقلقة في شأن توسع الظاهرة الإرهابية في القارة الأفريقية خلال العقد المقبل على نحو ينذر بخطر كبير وتحديات بالجملة أمام الأمن الإقليمي الأفريقي من جهة، وتوافر شروط استقرار النظم السياسية الأفريقية من جهة أخرى.
ولعل أهم المؤشرات الراهنة في هذا الشأن تتمثل في إعلان جماعات جديدة على الأراضي الأفريقية تبعيتها لتنظيم "داعش"، الذي أقام ولايتين جديدتين تابعتين له في كل من موزمبيق وبوركينا فاسو، بينما كان "حصاد 2021" للتنظيم، أربع ولايات في منطقة بحيرة تشاد، بقيادة مركزية من منصة منطقة بورنو في نيجيريا.
تأثير الجماعات الإرهابية
وانعكس التوسع العنقودي للتنظيمات الإرهابية على حجم الضحايا وأعداد العمليات، وبطبيعة الحال أثر سلباً على الاقتصادات الأفريقية، ذلك أن 48 في المئة من ضحايا الإرهاب حول العالم هم من الأفارقة، كما خسرت الاقتصادات الأفريقية نحو 171 مليار دولار، بينما فقد 28960 شخصاً حياتهم في 2021 فقط كنتيجة لنجاح 7234 هجوماً إرهابياً في أرجاء القارة الأفريقية خلال ذلك العام.
الفاعلون في هذا المشهد المرعب هم 27 جماعة إرهابية مدرجة ضمن قائمة العقوبات الأممية، وهي تنتشر في ثلاث مناطق تملك أهمية جيواستراتيجية الأولى في شرق أفريقيا، حيث تبدأ في الصومال لتنحدر جنوباً نحو تنزانيا والكونغو الديمقراطية وموزمبيق حيث يتنوع ولاء هذه التنظيمات بين "القاعدة" الذي تواليه "حركة الشباب" الصومالية و"داعش" الذي له وجود كبير في موزمبيق كنقطة انطلاق نحو جوارها الإقليمي في جنوب أفريقيا وهي الدولة المركزية في كل الجنوب الأفريقي، التي تستحق بعض التفصيل كنموذج يمكن الاستفادة منه في شأن كيفية انحدار الدول لتكون منصات داعشية جديدة في أفريقيا.
ما يظهر من "جبل الثلج" في جنوب أفريقيا في شأن تمويل الإرهاب هو ما أقدمت عليه وزارة الخزانة الأميركية، أخيراً، من فرض لعقوبات على أربعة أشخاص وثماني شركات في جنوب أفريقيا، وذلك بوضعهم في القائمة السوداء في شأن تمويل تنظيم "داعش"، وهو ما جاء في أعقاب تحذير واشنطن من إمكانية وقوع أعمال إرهابية في جوهانسبيرغ.
وربما تكون الدهشة التي أحاطت الموقف الأميركي من جنوب أفريقيا، عبر عنها الرئيس الجنوب أفريقي سيريل راموفوزا برفضه موقف الولايات المتحدة، بل والتعبير عن صدمته في ضوء التحالف السياسي بين بريتوريا وواشنطن.
لكن بعد الدهشة تبقى الأسئلة في شأن عوامل تصاعد التهديدات الإرهابية بجنوب أفريقيا، وما طبيعة أدوار النظام السياسي الجنوب أفريقي، خصوصاً بشقيه المالي والقضائي، في السيولة التي قد تدعم فرص التنظيمات الإرهابية، وذلك تزامناً مع إمكانية أن تكون بريتوريا أحد مراكز غسل الأموال، ومنح فرص لتمويل تنظيمي "القاعدة" و"داعش" في عدد من العواصم المحيطة بجنوب أفريقيا .
تمويل الإرهاب
في السياق، فإن حالة جنوب أفريقيا تعرضها لأن تكون على "القائمة الرمادية" التي تعد بمثابة محاولة عالمية لمنع توجيه الأموال غير المشروعة نحو الإرهاب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذلك التحول لدولة جنوب أفريقيا إلى منصة لتمويل التنظيمات الإرهابية، رصدته مجموعة العمل المالي "FATF" ومقرها باريس، وهي هيئة عالمية تشرف على مدى التزام الدول تدابير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وكذلك طبيعة الإجراءات المالية والبنكية التي يمكن أن تسهل اختراق نظم الدولة لصالح التمويل المشبوه. وقدمت هذه المجموعة تقريراً مكوناً من 40 توصية عام 2021، وذلك بناء على تقرير أجرته إحدى الشركات المتخصصة طبقاً لموقع "Money web".
وقد خلص تقرير المجموعة الدولية إلى أن لدى جنوب أفريقيا احتمالية بنسبة 85 في المئة ليتم وضعها على القائمة الرمادية.
وبطبيعة الحال إذا تم وضع جنوب أفريقيا على هذه القائمة مع اجتماع مجموعة العمل المالي في نوفمبر 2023 فسيؤثر ذلك مباشرة على الاقتصاد المحلي الذي تعد معدلات نموه متدنية نسبياً ولا تتجاوز 3.1 في المئة. ومن المتوقع أيضاً أن تتراجع الاستثمارات العالمية بجنوب أفريقيا نظراً إلى تصاعد التهديدات الأمنية.
ويبدو أن عوامل مواجهة بريتوريا لهذا التحدي الكبير مرتبطة بانتشار جماعات الإسلام السياسي فيها بخاصة "الإخوان المسلمون" عبر عدد من المؤسسات التعليمية، حيث تعد بعض التقديرات، مثل اتهام مدير كلية "دار السلام" في بلدة لاديوم في عام 2009 بتأييد تنظيم "القاعدة"، أحد هذه المؤشرات.
تفشي الفساد
وعلى الرغم من أن جنوب أفريقيا نفذت 20 من 40 توصية وضعتها مجموعة العمل المالي فإن رصد الباحث الجنوب أفريقي في شؤون الصراعات والإرهاب حسين سولومون، لعديد من الممولين في جنوب أفريقيا لتنظيمي "القاعدة" و"داعش" عبر أكثر من عقد يعد مسألة خطيرة.
وطبقاً للباحث سولومون فإن "انتشار ظاهرة الفساد في مفاصل الدولة، وغياب القانون بشكل عام، يشكلان رافعين مهمين لتسهيل مهام "داعش". أما العامل الثالث، فهو تركيز الأجهزة الأمنية على ما يسمى "الأمن السياسي" حيث يتم الاهتمام بالمعارك الحزبية بين الفصائل السياسية، بينما يهمل الأمن الاقتصادي. وإلى جانب ذلك، لا يتم الاهتمام بتقديم أدلة كافية في عدد من قضايا تمويل الإرهاب بما يجعلها قابلة للإلغاء أمام القضاء المثقل أيضاً بسبب ارتفاع معدلات الجريمة بجميع أنواعها".
وبطبيعة الحال يلعب الجوار الجغرافي المباشر لجنوب أفريقيا، أي موزمبيق تحديداً، دوره كعامل مساعد لتصاعد التهديدات الأمنية في البلاد، ذلك أن مجموعة الشباب الموزمبيقية التابعة لـ"داعش" قد هددت جنوب أفريقيا في صحيفة "النبأ" الصادرة عنها، بالانتقام إذا أقدمت على ملاحقتها في نموذج مماثل للدور الإثيوبي في الصومال، وذلك عن طريق التهديد بعمليات إرهابية داخل جنوب أفريقيا .
ويتوقع أن تكون هناك انعكاسات على حالة الأمن الإقليمي في حال وضع جنوب أفريقيا على القائمة الرمادية العام المقبل، كنتيجة لعدم القيام بالإصلاحات اللازمة في شأن تجفيف منابع الإرهاب وذلك من حيث إعادة تموضع التنظيمات الإرهابية، وزيادة انتشارها الجغرافي في جنوب القارة السمراء.
وطبقاً لهذه المعطيات يكون من المتوقع بل والمفهوم طبقاً لبعض الأدبيات الأكاديمية، أن تقدم بعض الشركات الغربية على تمويل بعض التنظيمات الإرهابية عن طريق دفع إتاوات لضمان استمرار أعمال هذه الشركات، حيث رشحت أدلة عن أداء لشركة "فارج" الفرنسية في هذا الشأن، كما تحوم شبهات حول دور شركة "فاغنر" الروسية في تمويل وتدريب بعض الميليشيات المتنافسة في إطار المعادلات الداخلية لبعض الدول الأفريقية، هذا الأداء أيضاً غير بعيد عن بعض الشركات الصينية العاملة في مجالات الرصف والتشييد في الطرق ببعض دول الساحل الأفريقي التي تدفع إتاوات لتأمين أعمالها أو التوسع فيها.
التنافس الدولي
وفي ما يخص التنافس الدولي على أفريقيا ودوره في دعم الإرهاب، فإن شهادة الباحث الليبي محمد الترهوني تبدو كاشفة حول هذه النقطة التي أشار فيها إلى أن "التوافق بين تركيا وإيطاليا وصل إلى مستوى دعم الميليشيات في طرابلس، والاستهداف الإيطالي للمصالح الفرنسية في منطقة الساحل والصحراء التي تضم تشاد والنيجر ومالي ووسط أفريقيا، وغيرها من مناطق نفوذ باريس في القارة".
وقد تلعب الأنشطة التبشيرية الغربية في مناطق الساحل الأفريقي دوراً في استثارة التنظيمات المتشددة الإسلامية، وتجعلها قادرة على بلورة خطابات تكفيرية متشددة إزاء الأداء الغربي في هذا الملف، حيث يتم رصد جماعات تبشيرية في إقليم دارفور السوداني مثلاً الذي كان من سماته أن أهله مسلمون ومن حفظة القرآن، وطبقاً لمواقع تشادية إسلامية فإن حجم موازنة مجلس الكنائس العالمي المرصودة للتبشير في أفريقيا تبدو مليارية وهو أمر إن صح فسيكون خطيراً جداً، وإن كان يتم توظيفه واستخدامه من جانب هذه المواقع للتحريض فإنه أخطر.
إجمالاً يبدو أنه بات من المطلوب الانتباه من جانب الدول الأفريقية الكبيرة لتصاعد الظاهرة الإرهابية وتأثيرها على بعض هذه الدول، فنيجيريا حجزت قصب السبق في هذه القائمة منذ عقدين تقريباً، بينما من المرجح أن تكون جنوب أفريقيا على الطريق، وتعد هاتان الدولتان من أكبر دول القارة، وربما تلقي هذه المعطيات بأعباء إضافية على كل من مصر والجزائر والمغرب، وبعض الدول الأفريقية المستقرة نسبياً مثل غانا والسنغال، وهو الأمر الذي يعني ضرورة وضع استراتيجيات مشتركة للتنسيق والمواجهة خلال المرحلة المقبلة.