تستعد الجزائر لبدء ضخ الغاز الطبيعي نحو سلوفينيا في خطوة للتوغل داخل أوروبا وكسب مزيد من الأسواق وعدم الاكتفاء بتموين الزبائن التقليديين، ما يطرح تساؤلات حول قدرة الجزائر على التوسع أكثر في القارة العجوز مع الأخذ في الحسبان قدراتها الإنتاجية.
القصة بدأت بصريح أدلى به وزير خارجية سلوفينيا أنزي لوغار في مارس (آذار) 2022، عقب استقباله من طرف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، حين اعتبر أن الجزائر "شريك مهم" لبلاده، مضيفاً أن الطرفين سيعملان "أكثر وبفاعلية وسرعة لتعزيز الشراكة في مجال الخدمات والذكاء الاصطناعي والموارد المائية إضافة إلى قطاع السياحة".
وقال لوغار إن لقاءه الرئيس تبون تمحور كذلك حول المجالات التي "يمكن تعزيز التعاون فيها مستقبلاً، بخاصة في قطاع الطاقة" من أجل "البحث عن شراكات جديدة في مجال إنتاج الغاز والبترول".
وسرعان ما نضجت فكرة التعاون الطاقوي بين الجزائر وسلوفينيا، حيث أعلن رئيس وزراء سلوفينيا روبرت غولوب، 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، أن بلاده ستوقع اتفاقية لشراء الغاز الطبيعي الجزائري.
سوق تقليدية
على أثر ذلك وقعت الشركة البترولية الجزائرية "سوناطراك" عقداً لشراء وبيع الغاز الطبيعي مع شركة "جيوبلن" السلوفينية لتزويد سلوفينيا بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب الغاز الذي يربط الجزائر بإيطاليا، وذلك لمدة ثلاث سنوات اعتباراً من شهر يناير (كانون الثاني) 2023.
وينص العقد خلال السنوات الثلاث المقبلة على شراء نحو 300 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، ما يمثل نحو ثلث الاستهلاك السنوي الحالي لسلوفينيا.
وستسمح هذه الاتفاقية لـ"سوناطراك" من ناحية باسترداد حصتها بالسوق السلوفينية، حيث كانت قد مونتها بالغاز عبر خط أنابيب "أنريكو ماتيي" بين 1992 و2012، ومن ناحية أخرى في المساهمة بتلبية طلب السوق الأوروبية من الغاز الطبيعي.
وتضمن بيان شركة "سوناطراك" إشارة إلى أن "الاتفاقية الموقعة التي توجت المناقشات المثمرة بين الشركتين تعبر عن المستوى المتميز لتعاونهما، وتبرز رغبتهما المشتركة في تمتين علاقتهما على المدى البعيد، وتعزز دور الجزائر كمورد موثوق للسوق الأوروبية على المدى الطويل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت شركة "سوناطراك" الجزائرية أعلنت تزامناً مع اجتماعها السنوي الأخير عن رفع قدراتها الإنتاجية من الغاز بعد دخول حقلي بركين شمال حيز الإنتاج في يوليو (تموز) عام 2022، ضمن عقدها مع شركة "إيني" الإيطالية العام الماضي، بموجب قانون المحروقات الجديد لتصديره إلى كل من إيطاليا وإسبانيا.
وكشفت بيانات شركة النفط البريطانية "بي بي" عن ارتفاع في إنتاج الجزائر من الغاز الطبيعي خلال عام 2021 ليصل إلى 100.8 مليار متر مكعب، مقابل 81.5 مليار متر مكعب حالياً، بنسبة نمو سنوية 24.1 في المئة.
وتستهدف الجزائر رفع إنتاج النفط المكافئ بنسبة اثنين في المئة سنوياً، ليصل إلى 205 ملايين طن بحلول عام 2025. وتتوقع البلاد أن يصل إنتاج النفط المكافئ إلى 191 مليون طن بنهاية العام الحالي، مقابل 186 مليون طن خلال 2021.
ويبلغ حجم إنتاج الغاز الطبيعي في الجزائر نحو ستة ملايين و491 ألف قدم مكعب سنوياً منذ 2015، تحتل بها المرتبة الخامسة في العالم، بينما يصل الاستهلاك الداخلي إلى نحو مليون و457 ألف قدم مكعب سنوياً اعتباراً من عام 2017، لتحتل المرتبة 26 عالمياً من حيث الاستهلاك بنسبة 1.1 في المئة من إجمالي الاستهلاك العالمي البالغ نحو 132 مليون قدم مكعب.
ووفرت متغيرات دولية فرصة للجزائر في تعزيز مكانتها الدولية كمصدرة للطاقة، إذ تعتبر شركة "سوناطراك" الجزائرية حليفاً استراتيجياً لإسبانيا وإيطاليا وتزود هاتين الدولتين بالغاز الطبيعي.
ويحتل قطاع الطاقة مكانة هامة للغاية في العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والجزائر التي تعد ثالث أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى دول الاتحاد، في حين أن الأخير أهم سوق للغاز الجزائري.
استراتجية جديدة
في هذا السياق يقول الاقتصادي الجزائري سيف الدين قداش لـ"اندبندنت عربية"، إن أزمة الطاقة التي تعيشها أوروبا دفعت الجزائر لاتباع استراتيجية لتصبح دولة مصدرة للغاز إلى الدول الأوروبية انطلاقاً من إيطاليا.
وبخصوص اتفاق ضخ الغاز نحو سلوفينيا، أوضح قداش أن الأمر يتعلق بسياق حر يخضع أساساً للمصالح المشتركة بين الجزائر والدول الأوروبية في إطار السوق الدولية. وأفاد بأنه إذا لم تصدر الجزائر الغاز إلى الدول الأوروبية فستطلب هذه الدول الغاز الأميركي الذي سيكلفها أكثر، غير أنه في نهاية المطاف تبقى الجزائر مستفيدة على رغم أنها لا تستطيع تلبية الطلب الأوروبي الذي يمثل نحو 40 في المئة، وكان يغطيه الغاز الروسي.
وأضاف أن الجزائر بحاجة إلى أموال لتنفيذ مخططاتها الاقتصادية داخلياً، وتحاول في الوقت نفسه استباق أي انهيار مفاجئ لأسعار النفط بتحقيق مداخيل أكبر من عائدات تصدير الغاز لحماية اقتصادها الوطني.
وقال قداش إن سلوفينيا كانت تستهلك الغاز الجزائري منذ 1992 إلى 2012، بالتالي فقد استعادت الجزائر سوقاً تقليدياً لغازها.
وذكر أن وزارة الطاقة الجزائرية أصبحت تفرض شروطاً على الشركات الأجنبية التي توقع عقوداً للاستفادة من الغاز، وإلزامها بتوقيع عقود للتنقيب والبحث عن البترول والغاز حتى يتم منح هذه الشركات صفة "الشريك الاستراتيجي".
حليف تقليدي
تثير الاتفاقيات الجزائرية مع البلدان الأوروبية بخصوص زيادة إمدادات الغاز تساؤلات في شأن تداعياته المحتملة على العلاقات مع روسيا، الحليف التقليدي للجزائر.
ورداً على ذلك، نفى المدير العام الأسبق لـ"سوناطراك" والمتخصص في مجال المحروقات مراد برو لـ"اندبندنت عربية"، وجود منافسة من الغاز الجزائري للغاز الروسي بحكم العلاقات القوية التي تربط البلدين، مضيفاً أن هناك تنسيقاً بين البلدين ضمن منتدى الدول المصدرة للغاز.
وكان السفير الروسي في الجزائر فاليريان شوفايف، قال في تصريحات صحافية إن روسيا تتفهم رفع الجزائر إمدادات الغاز إلى أوروبا بعد توقف الإمدادات الروسية، مؤكداً أنها خطوة لا تزعج بلاده.
وقال مراد برور إن ظروف تسويق الغاز الجزائري إلى سلوفينيا مفيدة للدولتين من حيث الأسعار وكلفة النقل على اعتبار أنه امتداد للكميات التي تصل إلى إيطاليا، وهي الزبون التقليدي للجزائر.
واستبعد المتخصص في مجال المحروقات وجود مشروع جزائري لرفع كميات الغاز المصدرة نحو أوروبا، بسبب عدم القدرة على إنتاج كميات أكبر، وكذا الارتفاع غير المنطقي في حجم الاستهلاك المحلي. وأكد أن مسألة رفع الجزائر إنتاج الغاز مرهونة باكتشاف حقول غاز جديدة، مشيراً إلى أن البلاد تتوفر على احتياطات كبيرة تحتاج إلى استثمارات ضخمة.
وأوضح برور أن استثمار الشركات الأوروبية في قطاع النفط بالجزائر لم يكن فعالاً خلال السنوات الأخيرة، لأنها لم تعط القطاع الأهمية التي يستحقها.