لم يفق المصريون بعد من اختفاء الرز حتى داهمتهم أزمة جديدة تتعلق هذه المرة بمزاجهم إلى حد كبير، إذ ارتفعت أسعار السكر، الذي يعد العمود الفقري في إعداد الشاي والقهوة والحلويات.
الارتفاع الجديد يأتي بعد زيادات أخرى خلال 2022 طاولت أسعار الدخان، ليشكل الثنائي ما يزيد على 70 في المئة من مزاج أبناء المحروسة، بجانب مباريات كرة القدم وسماع أغاني كوكب الشرق أم كلثوم في المساء.
شهدت أسعار السكر بالأسواق المصرية ارتفاعاً تدريجاً وصل إلى 20 جنيهاً (نحو 0.81 دولار أميركي) ببعض الأماكن، في حين يباع بالمجمعات الاستهلاكية والمنافذ الحكومية في حدود الـ13 جنيهاً (0.53 دولار).
الارتفاع وصفه متخصصون بالمبالغ فيه، خصوصاً أن القاهرة تحقق اكتفاء ذاتياً من السكر بنسبة تصل إلى 90 في المئة، وتطمح في الوصول إلى نسبة 100 في المئة خلال 2023.
القاهرة تستهلك سنوياً نحو 3.4 مليون طن سكر، بينما تنتج نحو 2.3 مليون طن، مما يعني أن هناك فجوة استهلاكية تصل إلى 1.1 مليون طن تسدها الحكومة المصرية بالاستيراد من الخارج وتحديداً من البرازيل ودول الاتحاد الأوروبي.
زيادة 10 في المئة
أزمة السكر بدأت منذ قرابة الشهر مع بدء الارتفاع تدريجاً حتى وصل إلى نحو 10 في المئة خلال شهر، بعد أن ارتفع سعر الطن من 15500 جنيه (632 دولاراً) في أكتوبر (تشرين الأول) إلى 16500 جنيه (637.2 دولار) للطن في الشهر الحالي.
مرارة ارتفاع السكر تجرعتها شرائح كثيرة من المصريين، سواء في البيوت أو المقاهي أو الصناعات التي تعتمد على السكر كمادة خام.
رئيس شعبة المواد الغذائية باتحاد الصناعات المصرية حسن الفندي قال إن "أسعار السكر في الأسواق المحلية زادت بنحو 10 في المئة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي"، واصفاً الأمر "بغير المبرر على الإطلاق"، مضيفاً أن "سعر طن السكر ارتفع من 15500 جنيه إلى 16500 جنيه في غضون شهر تقريباً".
سعر غير مبرر
في السياق ذاته، أكد رئيس شعبة المواد الغذائية بغرفة القاهرة التجارية هشام الدجوي أن "السكر متوفر بالأسواق وليس هناك أزمة في المعروض"، مستدركاً أن "الأزمة تتمحور في تذبذب الأسعار صعوداً وهبوطاً، وهو مرتفع منذ شهر تقريباً".
وقال الدجوي إن "سعر كيلو السكر المباع على البطاقات التموينية مسعر بـ10.5 جنيه (0.42 دولار) بينما يباع في المجمعات الاستهلاكية والمنافذ التابعة للدولة في حدود 13 جنيهاً (0.53 دولار) للكيلو، بينما السعر منفلت في الأسواق الحرة، إذ يصل السعر إلى 18 جنيهاً (0.73 دولار)"، مشيراً إلى أن "هذا السعر مبالغ به"، مطالباً الحكومة "بتشديد الرقابة على الأسواق لمنع انفلات الأسعار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في وقت سابق من الشهر الحالي، استبق وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي الأزمة، نافياً ما تردد في شأن أن البلاد مقبلة على أزمة في سلعة السكر، مؤكداً في تصريحات إعلامية أن "مصر لديها نحو 90 في المئة اكتفاءً ذاتياً من السكر وليس هناك أزمات في المخزون".
وشدد الوزير المصري آنذاك على أن "وزارته ليس لديها أزمة بل ستصل إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من السكر العام المقبل"، قائلاً، "لسنا قلقين تجاه السكر على رغم ارتفاع أسعاره عالمياً والأزمات التي تلاحق السلع الأساسية".
في المقابل، ناشدت نقابة الفلاحين الزراعيين في مصر الحكومة بالإسراع في إعلان أسعار توريد قصب السكر قبل بدء موسم الحصاد في يناير (كانون الثاني)، وطالبت بزيادة أسعار توريد طن قصب السكر ليكون أكثر من 810 جنيهات (33 دولاراً) للطن حتى يقاوم الفلاحون والمزارعون غلاء المعيشة وارتفاع أسعار السلع والتضخم.
المزارعون والأزمة
يرى الأمين العام لنقابة الفلاحين الزراعيين النوبي أبو اللوز أن "قصب السكر أحد أبرز المحاصيل الاستراتيجية، ويجب إعادة تسعير سعر التوريد مع التضخم وارتفاع أسعار السلع الأخرى ومدخلات الإنتاج، ومنها ارتفاع أسعار الأسمدة والأجور والرواتب والوقود".
وقال أبو اللوز إن "سعر طن قصب السكر محدد من قبل الحكومة بـ810 جنيهات منذ الموسم الماضي، وهذا السعر لا يتناسب مع ما حدث من المتغيرات والأحداث الاقتصادية وموجات الغلاء الأخيرة التي طاولت كل شيء".
يبدأ موسم حصاد قصب السكر في يناير من كل عام، وحركت الحكومة المصرية سعر توريد طن القصب من المزارعين إلى مخازنها من 720 جنيهاً (29.37 دولار) في عام 2020 إلى 810 جنيهات (33 دولاراً) في الوقت الحالي.
من جانبه، يعتقد مدير معهد المحاصيل السكرية بوزارة الزراعة المصرية أيمن العش أن "مصر تنتج نحو 850 ألف طن سكر من القصب، بينما تنتج 1.4 مليون طن سكر من البنجر، ويصل حجم الاستهلاك إلى 3.4 مليون طن ونستورد الفجوة الاستهلاكية بنحو 1.1 مليون طن".
وأشار العش إلى أن "القاهرة لم تصل بعد إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 90 في المئة"، مستدركاً أن "التصريحات الرسمية حول هذا الأمر تتمحور حول القدرة على توفير السكر، سواء من الداخل أو الخارج وهذا لا يعني الوصول إلى الاكتفاء ذاتياً".
وحول ارتفاع أسعار السكر يرى العش أن "سبب ارتفاع أسعار السكر يرجع إلى ظروف عالمية بنسبة 20 في المئة وأسباب داخلية نحو 80 في المئة"، ويوضح أن "أسعار السلع في العالم أجمع ارتفعت بشكل كبير، وبناء على ذلك زادت أسعار السكر المستورد من الخارج وهذا ليس سبباً رئيساً".
أسعار مدخلات الإنتاج
وحول الأسباب الرئيسة، قال مدير معهد المحاصيل السكرية بوزارة الزراعة المصرية، إن "مدخلات الإنتاج بعد قرار تحرير سعر الصرف (التعويم) ارتفعت بشكل كبير، وهو ما انعكس على مستلزمات الإنتاج من محروقات وأسمدة ورواتب وأجور".
في شأن إنهاء الأزمة، لفت العش إلى أن "على المزارعين بدلاً من المطالبة بزيادة سعر توريد قصب السكر إلى مخازن الحكومة لأكثر من 810 جنيهات عليهم الاهتمام بالأرض الزراعية وطرق الري والتسميد لزيادة إنتاجية الفدان الواحد من 34 طناً إلى 60 طناً للفدان، مما يقلل من كلفة الإنتاج فينعكس على إجمالي الدخل للمزارع".
وأكد أن "الحكومة تتوسع حالياً في زراعة قصب السكر بنظام الشتلات وفقاً لاستراتيجية الدولة الجديدة لإحلال زراعة القصب بالشتلات بدلاً من الزراعة التقليدية عبر نظام العقلات".
وحول دعم الفلاحين في الزراعة بالنظام الجديد، أوضح العش أن "وزارة الزراعة وفرت الشتلات بشكل مجاني، علاوة على توفير خدمات أخرى مثل تهيئة الأرض والتسميد مجاناً".
يبدأ موسم حصاد البنجر في مصر في شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان)، بينما تبدأ زراعته في شهري أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول)، أما قصب السكر فتبدأ زراعته في فصلي الربيع والخريف على أن يبدأ موسم الحصاد في يناير من كل عام.
وتمتلك الحكومة المصرية نحو 15 شركة لإنتاج السكر تتبع وزارة التموين والتجارة الداخلية، تتخصص ثماني شركات منها في إنتاج السكر من القصب، بينما تنتج باقي الشركات السكر من البنجر.
السوق الحرة والمقاهي والحلويات
على جانب آخر من الأزمة، يتجرع المصريون مرارة ارتفاع أسعار السكر على المستويات كافة، فتقول سميرة مصطفى، ربة منزل إن "أسعار السكر في منطقتنا الشعبية وصلت إلى حدود الـ20 جنيهاً بعد أن كان السعر قبل شهرين 12 و13 جنيهاً، ولا يمكن الاستغناء عن السكر نهائياً ولذلك نضطر إلى الشراء، إذ إنني لا أملك بطاقة تموينية للحصول على السكر مدعوماً بسعر 10.5 جنيه (0.42 دولار)".
من زاوية أخرى، يرى وائل أحمد رئيس وردية بأحد المقاهي الشعبية أن "سعر السكر يواصل الارتفاع منذ شهرين تدريجاً من 12 إلى 18 جنيهاً وأحياناً 20 جنيهاً"، ويعتبر أن "السكر مادة خام أساسية في إعداد المشروبات الساخنة والباردة على حد سواء، إذ يشكل السكر أكثر من 40 في المئة من الصناعة، إضافة إلى 40 في المئة طاقة والنسبة المتبقية تتوزع بين المياه والأصناف الأخرى".
وأكد أنه "سيضطر إلى تحريك أسعار أكواب الشاي والقهوة والمشروبات التي تعتمد على السكر بنسبة لا تقل عن 10 في المئة لتعويض فرق الكلفة".
وأشار إلى أن "المقاهي المجاورة حركت سعر كوب الشاي من خمسة جنيهات (0.20 دولار) إلى ستة جنيهات (0.24 دولار) وفنجان القهوة من سبعة جنيهات (0.28 دولار) إلى ثمانية جنيهات (0.32 دولار)"، قائلاً، "هذا في المقاهي الشعبية، بينما الأمر يزيد على ذلك بكثير في المناطق الأخرى".
لم تختلف الأزمة كثيراً في صناعة الحلويات، إذ يقول محمد سليمان صاحب أحد محال الحلويات بمنطقة شعبية إن "السكر يمثل 70 في المئة من صناعة الحلويات، إذ هو العمود الفقري للصناعة، ومع الارتفاع المتتالي في أسعار السكر اضطررت إلى زيادة الأسعار، فلن أتحمل الكلفة ومن ثم الخسارة".
في سبتمبر الماضي حركت الشركة الشرقية للدخان (إيسترن كومباني)، المملوكة للحكومة المصرية، أسعار بعض منتجات السجائر والدخان للمرة الثالثة خلال 2022 بنسبة تصل إلى سبعة في المئة، نتيجة ارتفاع قيمة سعر العملة الأميركية مقابل الجنيه المصري، مما انعكس على كلفة المواد الخام ومستلزمات الإنتاج المستوردة من خارج البلاد.