في لندن، استقبلت المستشفيات أكثر من ثلاثة آلاف و600 طفل مصابين بالربو خلال العام الماضي- بزيادة حادة عن العام السابق بلغت 64 في المئة في وقت تجتاح مخاوف التلوث العاصمة البريطانية.
كشف تحليل صدر عن "مجلس المدينة" أن نحو نصف حالات الربو التي دخلت إلى المستشفيات حدثت في صفوف أطفال يتحدرون من خلفيات سوداء وآسيوية والأقليات بين 2021 و2022، مقارنة مع 28 في المئة من الأطفال البيض.
ويتماشى هذا مع الاتجاه المقلق الذي لوحظ في التعرض للهواء الملوث في لندن، حيث ترتفع انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين الضارة في المتوسط بين 16 و27 في المئة في المناطق التي يعيش فيها غالباً سكان لندن من العرق الأسود والآسيويين والأقليات الإثنية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومعلوم أن الهواء السام الذي تخلفه حركة المرور يؤدي إلى قصور في نمو الرئتين (تقزم الرئتين) لدى الأطفال خلال سنوات نشأتهم، فضلاً عن إصابتهم بمشكلات صحية أخرى، من بينها الربو.
"من غير المقبول أن يعاني أي طفل ما من مشكلات صحية بسبب الهواء السام في لندن، بيد أنه من الظلم أن يتأثر بعض الأطفال أكثر من غيرهم"، قال عمدة لندن صادق خان، الذي أجرى مشاورات بشأن توسيع "منطقة الانبعاثات المنخفضة جداً" Ultra Low Emission Zone (ULEZ) في المدينة، موضحاً أن هذه الخطوة ستساعد على تحسين نوعية الهواء.
"لقد عقدت العزم على تنظيف لندن من الهواء القذر من أجل حماية صحة كل طفل في لندن، بل أيضاً حرصاً على مستقبل مدينتهم في التصدي للتأثيرات الناجمة عن تغير المناخ"، أضاف خان.
ويُظهر تحليل بيانات الربو في لندن، التي نشرها رئيس البلدية، أنه في يونيو (تموز) من العام الحالي وحده، علماً أنه آخر شهر تتوافر عنه البيانات، استقبلت المستشفيات 229 طفلاً وشاباً في لندن مصابين بهذه الحالة.
وفق الإحصاءات، دخل نحو ألفين و217 طفلاً مصاباً بالربو إلى مستشفيات لندن بين العامين 2020 و2021.
كذلك كشف تحليل سابق كان كلف به "مجلس المدينة" أن أفقر السكان في لندن ومن ينتمون إلى أقليات إثنية يعتبرون الأكثر تضرراً من الهواء السام، في حين أنهم لا يملكون سيارة في الغالب.
والحال أن فهم العلاقة التي تربط بين تلوث الهواء والإصابة بالربو يتعمق أكثر وأكثر، لا سيما بفضل جهود نشطاء من أمثال روزاموند أدو-كيسي-ديبرا. كانت إيلا ذات التسع سنوات، ابنة روزاموند، أول شخص في المملكة المتحدة يرد ثلوث الهواء سبباً للوفاة في شهادة وفاته.
في الأسابيع التي سبقت وفاتها، عانت إيلا نوبات عدة من الربو كانت حادة ومتكررة وتطلبت دخولها إلى المستشفى، وقد رُبطت لاحقاً بحدوث ذروة في التلوث على الطريق الدائري الجنوبي في لندن.
وقالت روث هاريس، من حملة "مامز فور لانغز" Mums for Lungs (أمهات من أجل الرئات) إن ابنها "واحد من بين آلاف وآلاف الأطفال المصابين بالربو في لندن. يعاني طفل واحد من كل 10 أطفال في هذه المدينة الربو، وأنه لمن المخزي فعلاً أن تتأثر صحة هذا العدد من الصغار بشدة بسبب الهواء القذر مع كل نفس يدخل إلى صدورهم".
"أودى الهواء القذر هذا الصيف بصغيري إلى المستشفى مرة أخرى للمرة الثالثة عشرة، من الصعب وصف كم يبدو مخيفاً أن ترى طفلاً يجاهد من أجل كل نفس"، أضافت هاريس.
"لا بد من أن يكون تنظيف الهواء كي يصبح آمناً للتنفس أولوية ملحة إذا أردنا إعطاء الأطفال فرصة لأن يكبروا بسعادة وبصحة جيدة في لندن".
تقع جميع المدارس والكليات خارج لندن، في مناطق ما زالت تتجاوز أهداف جودة الهواء الموصى بها التي حددتها "منظمة الصحة العالمية".
منذ 2016، قدم العمدة خان مخططات عدة، أبرزها "شوارع المدارس" School Streets ، وتركيب أجهزة استشعار "تنفس لندن" Breathe London، و"منطقة الانبعاثات المنخفضة جداً". وفق "مجلس المدينة"، من شأن تعزيز جودة الهواء أكثر من طريق الحد من التلوث أن يزيد متوسط العمر المتوقع للطفل المولود في لندن عام 2013 نحو ستة أشهر.
المديرة التنفيذية لـ"مؤسسة الربو والرئة في المملكة المتحدة" Asthma and Lung UK، سارة وولنو قالت إنه لا يجوز أن يضطر "أي طفل إلى الدخول إلى المستشفى لأنه يصارع من أجل التقاط أنفاسه نتيجة الهواء الملوث الذي يتنفسه. يوفر هذا التحليل دليلاً إضافياً على الحاجة الماسة لأن تتخذ الحكومات المحلية والوطنية إجراءات حاسمة بغرض تنظيف هوائنا السام. لا ينبغي أن ينظر إلى استنشاق هواء أنظف على أنه امتياز".
لكن الحقيقة المحزنة أن الهواء السام سبب شائع لنوبات ربو تهدد الأرواح، إذ أخبرنا أكثر من نصف الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع أخيراً أن تلوث الهواء يزيد أعراضهم سوءاً"، أضافت وولنو.
"نعلم أن رئات أبناء المجتمعات [الأوساط] الأكثر فقراً هي الأكثر تأثراً بتلوث الهواء، نظراً إلى أن هؤلاء يعيشون غالباً بمحاذاة بعض الطرقات الأكثر تلوثاً"، وفق وولنو.
كذلك تطالب وولنو بإدخال تحسينات إلى البنية الأساسية للمشي وركوب الدراجات والمواصلات العامة في أحياء لندن الخارجية كي يثق الناس في أن في مقدورهم أن يتوقفوا عن استخدام سياراتهم.
© The Independent