تجدد النقاش في المغرب حول موضوع الحريات الفردية وواقع "الأقليات الجنسية" في المجتمع بعد واقعة اعتداء مواطنين على شاب مثلي الجنس قبل أيام مضت في مدينة طنجة شمال البلاد.
ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها الاعتداء على مثليي الجنس في شوارع المغرب، إذ سبق الاعتداء على مثليين في مناطق أخرى، مما يفتح نقاش الحريات الفردية وتعامل المجتمع مع ما يسمى "الأقليات الجنسية".
تعاطي المجتمع
يشتكي عدد من مثليي الجنس في المغرب عبر صفحات خاصة على موقع "فيسبوك" من حالات اعتداءات لفظية أو جسدية أحياناً، أو تحرشات بهم في الفضاءات العمومية، سواء في الشارع أو الحافلة وغيرهما من الأماكن.
في هذا الصدد يقول سمير، مثلي الجنس في الـ24 من عمره، لـ"اندبندنت عربية"، إنه تعرض شخصياً أكثر من مرة لاعتداءات ومضايقات لفظية ونفسية في أماكن عمومية وأمام أنظار الناس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع أن "مثليي الجنس يتعرضون للمضايقات والتحرشات بسبب ميولهم الجنسية، خصوصاً إذا ظهرت هذه الميول من خلال حركات الجسد أو طريقة المشي أو اللباس أيضاً".
وعزا المتحدث رد فعل عديد من المواطنين في المجتمع المغربي حيال مثليي الجنس إلى ما سماه "ضعف ثقافة التسامح مع الآخرين من ذوي الاختلافات، سواء الفكرية أو الأيديولوجية أو الجنسية" وفق تعبيره.
بالمقابل، تحدث مثلي آخر يسمي نفسه "حسونة"، لـ"اندبندنت عربية" عن عدم تعرضه لأي سوء من طرف الناس على رغم علم أسرته ومحيطه بميوله الجنسية المختلفة.
وزاد المتحدث بأن "الناس قد ينظرون إلى مثلي الجنس على أنه إنسان مختلف من حيث طبيعته وسلوكياته الجنسية، لكن على رغم ذلك فإنهم لا يعتدون عليه، بل في أقصى الحالات يدعون له بالهداية، وهذا ما يحصل معي" وفق تعبيره.
القانون والدستور
انبرت الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية (مالي) للتنديد بتعنيف المثليين، معتبرة أن ما يقع هو عبارة عن "رهاب" من المثلية، داعية إلى إلغاء الفصل 489 من القانون الجنائي الذي يجرم المثلية الجنسية.
وينص هذا الفصل على أنه "يعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات من ارتكب فعلاً من أفعال الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه، ما لم يكن فعله جريمة أشد"، في الوقت الذي تفيد به أرقام غير رسمية باعتقال 170 شخصاً بتهمة "المثلية" في 2019.
وسبق لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" أن دعت السلطات المغربية إلى ضرورة حماية خصوصية أفراد "مجتمع الميم"، وإلغاء القوانين التي تغذي السلوك المعادي للمثلية الجنسية"، وذلك عقب حملة مضايقات عبر الإنترنت في المغرب طاولت خصوصية مثليين عام 2020.
بالمقابل ينص الدستور المغربي على الحق في الخصوصية، كما يدعو إلى ممارسة الحقوق والحريات بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة، التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات.
خلفيات دينية
يعلق الباحث رفيقي أبو حفص على الموضوع بالقول إن "تعامل المجتمع المغربي مع مثليي الجنس لا يزال متأثراً بخلفيات إيديولوجية ودينية جعلت المخيال المغربي يتصور أن مثل هذه الميول الجنسية يجب أن تحارب".
وتابع رفيقي أن المجتمع المغربي لا يزال على رغم كل النقاشات العمومية حول الحريات الفردية، يميل إلى إقصاء المختلف، حيث إنه لا تزال أشواط كبيرة أمامه ليؤمن بضرورة قبول الاختلاف واستيعاب معنى التعددية والتنوع على جميع المستويات.
وأفاد المتحدث بأنه "لم يستغرب من حادثة الاعتداء على مثلي الجنس بمدينة طنجة وقبله آخرين"، مبرزاً أن "الكرة الآن في ملعب الدولة والمثقفين والإعلاميين والحقوقيين لرفع وعي المجتمع حتى يكون متقبلاً للاختلاف على جميع الأصعدة، بما في ذلك الميول الجنسية".
حرية الأقليات
من جهته يقول عبدالإله الخضري مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، إن الاعتداء على مواطن كيفما كان يعتبر سلوكاً همجياً وإجرامياً بكل المقاييس، ويجب أن ينال مقترفوه العقاب المستحق".
واستدرك الخضري لـ"اندبندنت عربية" بأنه "في المقابل تحتاج إلى حرية الأقليات لقيم لم تصل بعد إلى ممارسات على أرض الواقع في المجتمع المغربي".
وشدد الحقوقي على أنه يتعين على من يحسبون أنفسهم أقليات من ذوي الميول الجنسية التي تعتبر في قاموس قيم غالبية المغاربة مستفزة بأن يراعوا تلك القيم المشتركة حين يوجدون في فضاء عمومي، حتى لا يتعرضوا للقمع أو الإهانة".
وأبرز المتحدث أن "القوانين مهما كانت صرامتها في مجتمع محافظ مثل المغرب، فهي لن تحد من الاعتداءات، والأجدر أن نعترف بأن قيم المجتمعات المحافظة تتفوق على القوانين مهما كانت صرامتها وشدتها"، مردفاً بأنه كحقوقي مع القانون ومعاقبة المعتدين، لكن "في المقابل لا يمكن قبول سلوك جنسي في الأماكن العامة من شأنه أن يغضب الناس".
وخلص الخضري إلى أن "مطالبة المثليين للسلطات بتوفير الحماية الأمنية لهم، وإصرارهم على إظهار ميولهم الجنسية علناً أمر صعب بل ومستحيل التحقق في المجتمع المغربي".