من أسبوع إلى آخر ومن جلسة انتخاب إلى أخرى تستمر "المسرحية الهزلية" كما وصفها البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي على خشبة مجلس النواب في محاولة يائسة لانتخاب رئيس جمهورية لبنان الـ14 بعد الاستقلال.
وكما كان متوقعاً لم تحمل الجلسة السابعة جديداً فيما بقيت الأرقام التي صبت للمرشحين المتنافسين، ميشال معوض والورقة البيضاء، ترتفع في جلسة وتتراجع في أخرى، حاملة رسائل مبطنة ضمن الفريق الواحد. ففي حين تراجعت نتيجة مرشح القوى السيادية النائب ميشال معوض إلى 42 مقارنة بحصوله على 45 صوتاً في جلسة سابقة، رفع فريق "حزب الله" وحلفاؤه عدد الأوراق البيضاء لتصل إلى 50 مقارنة بالجلسة الماضية حين وصل العدد إلى 46، لكنه بقي أقل من النتيجة التي سجلها في الجلسة الأولى حين وصل العدد إلى 62 ورقة بيضاء. سيناريو تعطيل النصاب تكرر في الجلسة السابعة ولم ينتظر النواب الذين غادروا القاعة انتهاء الدورة الأولى لمعرفة نتائج التصويت أو موعد الجلسة المقبلة الذي حدده رئيس مجلس النواب نبيه بري الخميس المقبل في الأول من يناير (كانون الثاني) ولم يخل صندوق الانتخاب كما في كل جلسة أيضاً من بعض الأوراق الملغاة التي عبرت عن "استخفاف بعض النواب بالاستحقاق الرئاسي"، بحسب متابعين سياسيين. فصوت أحد النواب للسياسي الماركسي التشيلي سلفادور أليندي، فيما منح نائب آخر صوته للمدير العام السابق للجمارك بدري ضاهر الموقوف في ملف انفجار مرفأ بيروت الذي حاول "التيار الوطني الحر" قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون إخراجه من السجن من خلال تمرير تعيين قاض بديل عن المحقق العدلي طارق البيطار لبت ملفه وبقية الموقوفين. ولم تختلف المواقف في نهاية الجلسة عن سابقاتها واستمرت المطالبة بالتوافق على مرشح واحد بين القوى المختلفة وهي دعوات يطلقها بشكل خاص من يصوت بالورقة البيضاء وبورقة لبنان الجديد.
الدوران في حلقة مفرغة مستمر
وفي اصطفاف شبيه إلى حد ما باصطفاف 14 مارس (آذار) و8 مارس (التابع لحزب الله)، تنقسم القوى النيابية الأساسية داخل مجلس النواب مع بروز مجموعات جديدة أنتجتها الانتخابات النيابية تتمثل في قوى التغيير والمستقلين، تقف على حافة المعسكرين التقليديين بانتظار لحظة الحسم. وعلى وقع التسليم بصعوبة إنجاز الاستحقاق الدستوري وبأن أفق الحل مسدود والشغور الرئاسي سيطول، تتقاذف القوى السياسية الاتهامات حول مسؤولية تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية. ففيما يحمل "حزب الله" وحلفاؤه قوى 14 مارس، خصوصاً "القوات اللبنانية" و"الكتائب" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" مسؤولية تعطيل الاستحقاق الرئاسي من خلال طرح مرشح تحد ومحاولة فرض النائب ميشال معوض فيما المطلوب رئيس يحمي "ظهر المقاومة" كما أعلن الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، تشهد جلسات الانتخاب منذ انطلاقها تطييراً ممنهجاً للنصاب تعتبر قوى 14 مارس أنه نتيجة ممارسات نواب "حزب الله" و"أمل" و"التيار الوطني الحر" و"المردة" من خلال الانسحاب من الجلسة عند انتهاء دورة الانتخاب الأولى أو عبر التغيّب المقصود عن الجلسات، كما يفعل نواب "التيار الوطني الحر". لكن تبادل الاتهامات بالتعطيل لا يحجب حقيقة دامغة وهي أن العائق الأساسي لعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية يبقى عدم امتلاك أي فريق العدد الكافي لإيصال مرشحه المعلن أو غير المعلن، وعدم القدرة على تأمين الثلثين لنصاب الجلسة، أي حضور 86 نائباً، إن لم ينتقل عدد من النواب من هذه الضفة إلى الأخرى. وإذا كانت المعادلة السلبية هي الغالبة في معظم السيناريوهات المطروحة للمرشحين المتنافسين حتى الآن والمحصورين بالنائب ميشال معوض من جهة، ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل من جهة أخرى، فإن العنصر الوحيد الذي ربما يبدل الأرقام وينقل المشهد من المعادلة السلبية إلى الإجماع الحاسم هو، بحسب المراقبين، ترشيح قائد الجيش جوزيف عون الذي من شأنه أن يبدل في واقع الداعمين لمعوض وفرنجية معاً ويعيد خلط الأوراق والأرقام في صفوف القوى النيابية في الجهتين ولدى المجموعات المترددة كالنواب المستقلين أو الذين يصوتون بورقة لبنان الجديد.
استحالة تأمين الـ85
من المؤكد ألا قدرة لأي من المرشحين المعلنين والمستترين حتى الآن على تأمين النصاب المطلوب لحصول جلسة الانتخاب أي ثلثي أعضاء المجلس، كما هناك صعوبة في تأمين نصاب الفوز بموقع رئاسة الجمهورية أي النصف زائداً واحداً، علماً أن فرنجية بحسب الباحث في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين ربما يكون الأقرب للحصول على 65 صوتاً مقارنة بمعوض وباسيل مع العلم أن الـ65 صوتاً لا يمكن أن يترجموا انتخاباً إن لم يتأمن نصاب الثلثين وهو النصاب المطلوب في كل الدورات الانتخابية. وتأمين الثلثين يعني أن انتخاب الرئيس قد لا يمر إلا بحصول توافق بالحد الأدنى وهو الأمر غير المتوافر حالياً وربما يكون مستحيلاً إذا لم تتوافر رعاية خارجية كما كان يحصل في الاستحقاقات السابقة. من هنا تنحصر المبارزة بين فريقي معوض وفرنجية المتمثل في الورقة البيضاء في سباق لتأمين العدد الأكبر من الأصوات حتى يتمكن صاحب "أكبر عدد نقاط" من فرض شروطه عندما تأتي ساعة الحسم. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس السابق ميشال عون لم ينتخب إلا في الجلسة رقم 46 وبعد تسوية حصلت مع الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، كما لم يصل قائد الجيش السابق ميشال سليمان إلى قصر بعبدا إلا بعد 20 جلسة انتخاب وبعد حوار حصل في الدوحة.
فرنجية يحتاج إلى 16 صوتاً
سجلت جلسات الانتخاب السبع التي عقدت حتى الآن تراجعاً في عدد الأصوات داخل معسكري معوض والورقة البيضاء، فكانت النتيجة الأعلى لمعوض حتى الآن 44 من دون احتساب الغائبين المؤيدين، فيما بلغ العدد الأقصى الذي وصلت إليه الأوراق البيضاء 63 ليتراجع العدد في آخر جلسة إلى 46. ولم يتخط عدد المصوتين لمرشح "كتلة التغيير" عصام خليفة الـ7، فيما انحصر عدد المصوتين لزياد بارود بـثلاثة نواب. المقترعون بالورقة البيضاء هم في معظمهم من الكتل التي تدور في فلك "حزب الله" أو الحليفة له، والرقم مرشح إلى التراجع أو الارتفاع مجدداً إذا قرر "حزب الله" استبدال الورقة البيضاء بمرشحه الفعلي سليمان فرنجية، علماً أن النتيجة ستختلف بحسب موقف رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ففي عملية حسابية ينطلق فرنجية من 49 صوتاً محسومة، باتت 50 بعد قرار المجلس الدستوري إعلان فوز فيصل كرامي حليف فرنجية، والداعمون له هم من "كتلة التنمية والتحرير" التي تضم 17 نائباً إضافة إلى 15 نائباً من "كتلة الوفاء للمقاومة" وأربعة نواب من "التكتل الوطني المستقل" وأربعة نواب مستقلين مقربين من "حزب الله" هم جميل السيد وجهاد الصمد وحسن مراد وأحمد رستم، ويضيف المقربون من فرنجية تسعة نواب ممن يدورون في فلك الرئيس سعد الحريري وهم سبعة من "كتلة الاعتدال" والنائب البيروتي نبيل بدر، إضافة إلى النائب الطرابلسي عبدالكريم كبارة الذي تربطه صداقة بالنائب طوني فرنجية. لكن رئيس "تيار المردة" يحتاج إلى 11 نائباً إضافياً لتأمين الـ65 صوتاً أي النصف زائداً واحداً، وإذا لم يتمكن "حزب الله" من إقناع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل بدعم فرنجية وتصويت نواب "تكتل لبنان القوي" الـ21 له، فإن الرهان لدى "المردة" هو على الفوز بأصوات من داخل التكتل ربما لا تلتزم قرار باسيل، خصوصاً إذا كان المرشح غير باسيل وعمد الأخير إلى ترشيح اسم يكون هو عرابه، وفي هذه الحال يتوقع أن ينتقل نواب حزب "الطاشناق" الـثلاثة إلى معسكر فرنجية ومعهم ثلاثة نواب من "التيار الوطني الحر" هم على خلاف غير معلن مع باسيل، رفضت المصادر الكشف عن هويتهم.
يبقى الرهان أيضاً على استمالة كتلة "اللقاء الديمقراطي" التي تضم ثمانية نواب بتدخل من بري لدى صديقه التاريخي رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط الذي قد ينتقل وفق مصادر مقربة من فرنجية، من مقلب معوض إلى المقلب المعاكس إذا رأى أن الأمور باتت محسومة لمصلحة فرنجية ولن تكون مهمة إقناع نائبين إضافيين صعبة بعد ذلك. لكن العقبة الأساسية التي تواجه فرنجية ليست في عدد النواب بل في هويتهم أو طائفتهم، خصوصاً في ظل رفض الكتل المسيحية الثلاث التصويت له أي "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" و"الكتائب" ليقتصر عدد النواب المسيحيين الداعمين له على ثمانية فقط من أصل 64 نائباً مسيحياً في البرلمان.
معوض والمهمة المستحيلة؟
بالنسبة إلى فريق 14 مارس لا يزال تبني النائب ميشال معوض سارياً وسط محاولات الكتل الداعمة له رفع نتيجته، بعد ما سجلت لمصلحته في الجلسة الأولى 36 صوتاً، وبلغت حدها الأقصى 45 لتعود وتتراجع إلى 42 في الجلسة السابعة. بحسب الأرقام وإذا احتسب النواب الغائبون المؤيدون له وبعد إبطال نيابة النائب رامي فنج، يحتاج معوض إلى 18 أو 19 نائباً للوصول إلى 65 صوتاً. الداعمون له الذين يتراوح عددهم بين 42 و47، هم نواب "تكتل الجمهورية القوية" الـ19 ونواب "الحزب التقدمي الاشتراكي" الـثمانية ونواب "حزب الكتائب" الأربعة ونواب "حركة التجدد" الأربعة وتسعة من النواب المستقلين وهم النواب نعمت افرام وجميل عبود وميشال ضاهر وبلال الحشيمي وعماد الحوت، وجان طالوزيان، ووضاح الصادق وغسان سكاف وإيهاب مطر، وانضم في الجلسة الأخيرة إلى لائحة المصوتين له النائبان من "كتلة التغيير" مارك ضو ونجاة صليبا، كما أعلن ضو. ويبقى أن يتضح موقف النائب العلوي الجديد حيدر آصف ناصر الذي أعلن المجلس الدستوري فوزه من لائحة فنج. كذلك يبقى على معوض إقناع المجموعات الأخرى التي تدور في فلك المعارضة وغير المنسجمة مع "حزب الله" ومنهم ممن يصوت بأوراق ملغاة من النواب المستقلين أو من النواب الذين لا يزالون يصوتون بورقة لبنان الجديد وعددهم تسعة، علماً أن أكثريتهم من الداعين إلى الذهاب إلى مرشح توافقي وسطي غير محسوب على فريق. والواضح أن محاولة استمالة النواب الستة الذين يقترعون لعصام خليفة ستكون مستحيلة بعدما جاهروا برفضهم التصويت لمعوض. وإذا كانت طريق فرنجية ومعوض إلى رئاسة الجمهورية لا تزال صعبة جداً، فإن الطريق أمام رئيس "التيار الوطني الحر"، وفق ما يؤكد كثيرون، تبدو "مقفلة". وباسيل غير المرشح حتى الآن، لا يحظى إلا بدعم تكتله أي الـ21 نائباً إضافة إلى نواب كتلة "حزب الله" الـ15 وعدد من النواب المستقلين، مما يعني أن فوز باسيل الذي لديه خلاف مع معظم القوى النيابية ومن بينها حليف لـ"حزب الله" يحتاج إلى أكثر من 25 نائباً للحصول على نصاب الانتخاب الذي هو 65 صوتاً.