عندما أراد الملياردير الأميركي إيلون ماسك مالك "تويتر" إبلاغ موظفيه بأنهم على وشك فقد وظائفهم قال إنه "لا توجد طريقة لتجميل الرسالة"، بينما كان مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا" أكثر رأفة في كلامه، حين قال، "أريد أن أتحمل المسؤولية عن هذه القرارات. أعلم أن هذا صعب على الجميع، وأنا آسف لأولئك المتأثرين"، كما نسبت إلى كيلي نانتل المتحدثة باسم "أمازون" عبارة مساندة وتفهم أيضاً جاء فيها، "نحن نعمل على دعم أي موظف قد يتأثر"، نافية تماماً أن يكون تعامل المؤسسة مع مثل تلك القرارات باستخفاف.
لحظات صعبة هي تلك التي يعرف فيها الموظف أنه لم يعد على قوة الشركة، وبات مشرداً بلا عمل. لحظات صعبة ودرامية، لذلك تناولتها السينما في كثير من الأفلام، كان أبرزها "Up in the Air ـ فوق في الهواء"، حيث قدم جورج كلوني شخصية رجل المهام الصعبة "رايان بينغهام" الذي كانت مهمته إبلاغ الموظفين بإنهاء خدماتهم من قبل شركاتهم، في الوقت الذي لا يقوى فيه رؤساؤهم المباشرون على مواجهتهم بهذا الأمر.
ويعد الفيلم من أشهر الأعمال السينمائية التي ناقشت تلك الوظيفة الدقيقة للغاية، والتي تشبه ما يفترض أن يقوم به قسم الموارد البشرية في المؤسسات هذه الأيام، وخلال الفيلم نتابع مدى شقاء تلك المهمة التي تتعامل بشكل مباشر مع آمال الناس وطموحاتهم وخططهم التي تتحول فجأة إلى كوابيس، ونشاهد كيف تتناقض طريقة استقبال كل منهم لنبأ الاستغناء عنه وقطع مصدر دخله الوحيد الذي يعيل به أسرته، فالبعض يحاول أن يتماسك، وآخرون يتعرضون لصدمة، ومنهم أيضاً من يتخذ قراراً بالانتحار، بالتالي فالبطل يراجع نفسه أكثر من مرة ويحاول أن يكتشف هل كانت طريقته قاسية وتبعث على الإحباط أم أنه ليس له ذنب في الوسائل التي يلجأ إليها الأشخاص لتخطي تلك المواقف.
المفارقة في الفيلم أن "رايان بينغهام"، وهو المسؤول عن إبلاغ الموظفين بقرار الاستغناء عنهم، يتعرض هو نفسه للتسريح، عندما تقترح موظفة شابة أداء تلك المهمة من خلال رسائل البريد الإلكتروني، ولكن هل الرسائل الآلية هي الطريقة البديلة الأكثر رحمة ورأفة من المواجهة البشرية؟!
تجارب ملهمة
فيما تبدو شخصية كريس غاردنر وكأنها أحد هؤلاء الموظفين المسرحين، حيث يستعرض فيلم "pursuit of happiness" الذي أخرجه غابرييل موتشينو عام 2006، قصة رجل مثابر خسر وظيفته وأمواله، وحتى زوجته، وبات مطلوباً منه أن يبحث عن وظيفة، بل وينمي مهاراته بموازاة تلك المهمة، وكل هذا وهو مشرد في الشوارع ولديه طفل صغير يعوله.
الفيلم الملهم المأخوذ عن قصة حقيقية، وعلى رغم سوداوية الحكاية التي يقدمها، يحتفي في كل مشهد بشجاعة البطل وقوة شخصيته وتفاؤله الجم، حيث ينجح في النهاية بأن يحصل على عمل ليتمكن من إعالة ابنه، فلم يترك غاردنر الذي جسد شخصيته ويل سميث نفسه أبداً للحزن والندم، فهو لم يكن لديه وقت سوى للمحاولة بلا كلل أو ملل، ولم يظهر إحساسه الحقيقي إلا في النهاية من خلال لقطات شديدة الشاعرية وهو يكافئ نفسه على نتيجة مجهوده أخيراً، وقام بدور الطفل الصغير، جايدن سميث نجل ويل سميث الحقيقي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي بيئة عمل تكنولوجية تماماً، تدور أحداث فيلم "The Internship" من خلال صديقين يقوم بدوريهما أوين ويلسون وفينس فون، يحاولان بشتى الطرق الحفاظ على المهنة التي يعملان بها في محل للساعات، على رغم أن الشركة التي ينتميان إليها متواضعة للغاية ولا تحاكي التقدم التكنولوجي، في النهاية يتعرضان للطرد ويشعران أنهما خارج معادلة السوق المعاصر تماماً، وللمفارقة تحدث الصدفة ويقبلان في تدريب بشركة هي نموذج لهذا التطور "غوغل"، ثم تتوالى المفارقات الكوميدية، حيث يحاولان إثبات أن بإمكانهما التفوق والتقدم والتعلم بل ومنافسة من سبقوهم في المجال نفسه.
الفيلم يظهر بيئة العمل المليئة بالمشاحنات والمقالب والصراعات ومحاولات إطاحة الخصم للحفاظ على المكانة، لكنه أيضاً لا يغفل إلقاء الضوء على قيم مثل التعاون والمراعاة والجد والاجتهاد، وعرض عام 2013، وأخرجه شون ليفي.
خلال أحداث الفيلم نرى كيف أن شركات التكنولوجيا العملاقة هي الحاضر والمستقبل وما بعد المستقبل، وكيف تفتح المجالات لكل المجتهدين، أياً كانت أعمارهم أو خلفياتهم الاجتماعية والعرقية، وأن من يثبت نفسه وجدارته فعلى الفور سيحصل على كل المزايا، لكن بالطبع هذا في أوقات الازدهار فقط، حيث لا يوجد قلق من أي توابع اقتصادية غير سارة، فواقعياً أي توترات تلوح في الأفق تؤثر مباشر في كفاءة أداء الشركات وهو ما حدث إبان فترة كورونا ثم الحرب الروسية - الأوكرانية، فشركة "غوغل" نفسها لمحت على لسان مديرها التنفيذي سوندار بيتشاي قبل أسابيع إلى احتمالية اتخاذها قراراً بتسريح بعض من العمالة، حيث قال في تصريحات له على هامش مؤتمر تقني، "من الواضح أننا نواجه بيئة مليئة بالتحديات مع مزيد من عدم اليقين في المستقبل".
للمديرين نصيب أيضاً
لكن ما قاله بيتشاي على الملأ لا يساوي شيئاً أمام ما يجري في الغرف المغلقة، لكنه على الأقل كان حكيماً في تصريحاته، في ظل تعرض موظفين للطرد على الهواء مباشرة وفي سجال علني عبر السوشيال ميديا مثلما فعل إيلون ماسك مع أحد مرؤوسيه في شركة "تويتر"، حيث فوجئ الموظف بالاستغناء عن خدماته بعد أن دخل في جدال مع مالك المنصة من خلال التغريدات.
لم تغفل السينما التعرض لأزمات الموظفين مع مديريهم، ففيلم "Horrible Bosses ـ مديرون فظيعون" 2011 من إخراج سيث غوردن، قصته الأساسية حول ثلاثة من الموظفين الأصدقاء الذين يشتكون مر الشكوى من مديريهم، ويرغبون في الابتعاد عن بيئة العمل بسببهم، سواء لتسلطهم، أو تصرفاتهم الغريبة، أو حتى عاداتهم السيئة التي تؤثر على سير العمل وتتسبب في ظلم الموظفين، فثلاثتهم يعيشون تعاسة كبرى، لكنهم في الوقت نفسه لا يمكنهم رفاهية ترك العمل نظراً إلى حاجتهم للمال، ومن خلال أجواء كوميدية يحاول كل منهم التخلص من مديره، ومن ضمن المشاركين في البطولة جينيفر أنيستون وميغان ماركل وجيسون بيتمان، وكيفن سبيسي.
السينما العالمية لم تدخر جهداً أبداً في استعراض بيئات العمل المختلفة وطرق المديرين في التعامل مع الموظفين حينما يقررون فصلهم، وفي المقابل أسلوب تلقي العاملين أنفسهم للمفاجآت والمطبات التي تؤثر على حياتهم بشكل مباشر وخططهم المالية، بفعل الانهيارات في بنية الاقتصاد العالمي، أو لفشل المؤسسات نفسها في مجاراة العصر، وبينها "The big short" للمخرج آدم مكاي عام 2015، و"99 Homes" عام 2014، و"Margin call" عام 2011.