كشفت تونس عن الميزانية المعدلة لسنة 2022 التي سجلت ارتفاعاً في النفقات مقابل التمكن من الزيادة في إيرادات الدولة مع تنامي عجز الموازنة مقارنة بالميزانية الأصلية. ونشر قانون المالية المعدل لسنة 2022، الذي وضع فرضيات وتقديرات جديدة بالنظر إلى المؤشرات المسجلة في الـ10 أشهر الأولى من السنة الراهنة، بصحيفة "الرائد" الرسمية في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022. وبدت من خلاله الاستراتيجية التي انتهجتها الحكومة لتطويق الأزمة المالية الناتجة عن ندرة الموارد بسبب عدم القدرة عن تعبئة موارد خارجية من السوق المالية بحكم تدني الترقيم السيادي للبلاد لدى وكالات التصنيف وبلوغ مستوى المديونية مراتب قياسية.
وفيما انتقد بعض الخبراء عدم شرح المؤشرات والاكتفاء بنشر الأرقام والامتناع عن تفسير أسلوب التصرف إزاء الأعباء الإضافية الناتجة عن تداعيات أزمة كورونا والحرب الأوكرانية أقر آخرون باقتراب التقديرات بالموازنة التكميلية من الأصلية مع حفاظ على التوازنات وعدم الانزلاق بتفادي تضخم العجز بالتالي الضغط على الاختلالات الكبرى التي كانت متوقعة.
6.12 مليار دولار لسد فجوة الميزانية
وقدرت إيرادات ميزانية تونس لسنة 2022 بـ41.13 مليار دينار (12.8 مليار دولار) بينما بلغت النفقات 50.9 مليار دينار (15.9 مليار دولار) وبناء على ذلك بلغ عجز الموازنة 9.7 مليار دينار (3.03 مليار دولار) مقابل 8.5 مليار دينار (2.65 مليار دولار) مرسمة في قانون المالية الأصلي. على أن تستخلص الدولة لفائدة الميزانية إيرادات قدرها 41.13 مليار دينار (12.8 مليار دولار) تتوزع بين 36.04 مليار دينار (11.37 مليار دولار) إيرادات ضرائب و3.9 مليار دينار (1.21 مليار دولار) غيرها و1.11 مليار دينار (346 مليون دولار) من الهبات.
كما يضبط مبلغ اعتمادات الدفع لنفقات ميزانية الدولة بالنسبة إلى سنة 2022 بما قدره 50.9 مليار دينار (15.9 مليار دولار). ويرخص قانون المالية المعدل للدولة أن تستخلص لفائدة الميزانية ما قدره 19.6 مليار دينار (6.12 مليار دولار) لتمويل عجز الميزانية وتغطية خدمة أصل الدين وتتكون من 11.9 مليار دينار (3.71 مليار دولار) موارد اقتراض خارجية و9.2 مليار دينار (2.87 مليار دولار) داخلية وموارد خزانة -1.5 مليار دينار (468 مليون دولار).
وتوجه جملة موارد التمويل المذكورة لتمويل عجز الميزانية وقدره 9.7 مليار دينار (3.03 مليار دولار) وتسديد أصل الدين وينقسم إلى أصل الدين الداخلي وقدره 5.5 مليار دينار (1.71 مليار دولار) وأصل الدين الخارجي 4.2 مليار دينار (1.31 مليار دولار) علاوة على 100 مليون دينار (31.25 مليون دولار) قروضاً وأذون قروض للخزانة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ارتفاع عائدات الضرائب
وسجلت الموازنة المعدلة زيادة في إيرادات للدولة المتأتية في الأساس من الضرائب بنسبة 87.6 في المئة وتوزعت بين أداءات على دخل الأشخاص من الرواتب والأجور بقيمة 7.1 مليار دينار (2.21 مليار دولار) والأجور الظرفية والمكافأة والعمولة بقيمة 639 مليون دينار (199.6 مليون دولار) وإيرادات الأوراق المالية ورؤوس الأموال المنقولة وقدرها 724.5 مليون دينار (226.4 مليون دولار) وأرباح المهن الصناعية والتجارية وغيرها وتبلغ 486 مليون دينار (151.8 مليون دولار) والضريبة التقديرية بقيمة 100 مليون دينار (31.2 مليون دولار) إضافة إلى الضريبة على الشركات بقيمة إجمالية تجاوزت 4.66 مليار دينار (1.45 مليار دولار) بينها ضرائب على أرباح الشركات البترولية وبلغت 1.66 مليار دينار (518 مليون دولار) والشركات غير البترولية 2.1 مليار دينار (656 مليون دولار) وقروض أذون الخزانة على مواد الاستهلاك الموردة 386 مليون دينار (120.6 مليون دولار).
كما شملت دخول الضرائب رسوم نقل الأملاك وقدرت بـ474 مليون دينار (148.1 مليون دولار) والأداءات على السلع والخدمات 14 مليار دينار (4.3 مليار دولار) ورسوم على التجارة الخارجية والمعاملات الدولية 1.8 مليار دينار (562 مليون دولار).
بينما قدرت الإيرادات غير الضريبية وفق الموازنة المعدلة بـ3.9 مليار دينار (1.21 مليار دولار)، تكونت من إيرادات الملكية على غرار حصص الأرباح على الشركات العمومية والرسوم بنحو 3.2 مليار دينار (مليار دولار) ثم التجاوزات والعقوبات والمصادرات بنحو 219 مليون دينار (68.4 مليون دولار).
الحفاظ على التوازنات بأي ثمن
ولاحظ المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم في تحليله لـ"اندبندنت عربية"، أن إيرادات الدولة سجلت ارتفاعاً يقدر بـ2.5 مليار دينار (781 مليون دولار) مقارنة بتقديرات الموازنة الأصلية وبلغت 41.13 مليار دينار (12.85 مليار دولار) مقابل التقديرات التي حددت بـ38.6 مليار دينار (12.06 مليار دولار) بفعل الزيادة المحققة في إيرادات الضرائب وقدرها مليار دينار (312 مليون دولار) وقد انتقلت من 35.1 مليار دينار (10.9 مليار دولار) في الموازنة الأصلية إلى 36.1 مليار دينار (11.28 مليار دولار) وبخصوص الإيرادات غير الضريبية فقد ارتفعت من 3.1 مليار دينار (968 مليون دولار) إلى 3.97 مليار دينار (1.24 مليار دولار) بفعل أرباح الشركات العمومية.
في المقابل تجاوزت النفقات التقديرات السابقة وهي 47.66 مليار دينار (14.89 مليار دولار) وبلغت 50.9 مليار دينار (15.9 مليار دولار) بزيادة قدرها 3.2 مليار دينار (مليار دولار) وهو من تداعيات ارتفاع كلفة دعم المحروقات بسبب ارتفاع أسعارها في السوق العالمية واعتماد تونس على التوريد بنسبة 50 في المئة من جملة استهلاكها وبلغ العجز في الميزان التجاري للطاقة سبعة مليارات دينار (2.18 مليار دولار) إلى حدود أكتوبر (تشرين الأول) وكذلك الجزء الأعظم من المواد الأساسية الغذائية الموردة مثل الحبوب والزيت، الأمر الذي أدى إلى تنامي العجز الذي سجل زيادة بقيمة 1.2 مليار دينار (375 مليون دولار) وارتفع من 8.5 مليار دينار (2.65 مليار دولار) إلى 9.78 مليار دينار (3.05 مليار دولار). والمتأثر كذلك بالتغيير في أسعار العملات ووضعية الدينار التونسي المقدر سعره بـ2.92 دينار في الميزانية الأصلية في حين يتجه نحو 3.2 دينار كمعدل سنوي.
في المقابل انخفضت موارد الاقتراض الخارجي المقدرة بـ12.7 مليار دينار (3.96 مليار دولار) إلى 11.9 مليار دينار (3.71 مليار دولار) بفعل اللجوء إلى السوق المحلية للتعبئة، وسجل ارتفاع في موارد الاقتراض الداخلي من 7.3 مليار دينار (2.28 مليار دولار) إلى 9.3 مليار دينار (2.9 مليار دولار) بزيادة قدرها مليارا دينار (625 مليون دولار)، كما قدرت الحكومة الحصول على هبات بحجم أضعاف تقديراتها الأولية التي حددت بـ460 مليون دينار (143.7 مليون دولار) لكنها ارتفعت إلى 1.115 مليار (348 مليون دولار).
ورأى سويلم أنه تم إجمالاً تطويق التأثيرات السلبية لارتفاع أسعار النفط وتداعيات الانطلاق في تنفيذ رفع الدعم وتغطيته باستخلاص الضرائب بنسب أكبر والرفع في سعر المحروقات مما مكن من تغطية جزء كبير من النفقات.
بالتالي الحفاظ على التوازنات الكبرى للميزانية ومن ثم التحكم في الاختلال الكبير الذي كان متوقعاً نتيجة صعوبات التزود وارتفاع أسعار المواد الأساسية والمحروقات من السوق العالمية. على الرغم مما لوحظ من تأثر موازنة الدولة بوضعية ميزان المدفوعات بحكم التدخل مباشرة في تمويل صندوق الدعم ما أثقل كاهل الميزانية.
ومن خلال مقارنة الموازنة المعدلة بالفرضيات السابقة لا يلاحظ فوارق كبيرة على الرغم من التأثيرات السلبية لارتفاع الأسعار فقد تم الضغط على العجز بالرفع في أسعار المحروقات والتحكم في المصاريف لكن تم تحقيق ذلك على حساب نفقات الاستثمار في سبيل الحفاظ على التوازنات كما تسببت الإجراءات في تنامي مستويات التضخم.
بينما انتقد الخبير والمحلل الاقتصادي حسين الرحيلي التقديرات المقدمة من قبل قانون المالية المعدل واعتبرها غير واقعية بفرضيات تعبئة 36 مليار دينار (11.25 مليار دولار) من إيرادات الضرائب بعد تحقيق عائدات قدرها 23 مليار دينار (7.18 مليار دولار) في الثمانية أشهر الأولى لسنة 2022 مقابل 19 مليار دينار (5.93 مليار دولار) بحساب الناتج المحلي الإجمالي السنوي والتصورات القائمة على تعبئة 13 مليار دينار (4.06 مليار دولار) خلال الأربع أشهر الموالية بالسنة الراهنة. علاوة على تفاقم مستوى ضغط الضرائب الذي بلغ 23.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2021 مقابل 22.7 في المئة سنة 2020 بينما قدر بـ25.4 في المئة بقانون المالية الأصلي للسنة الحالية وهو يسير إلى بلوغ نسبة 27 في المئة وهي من أعلى النسب في العالم التي تحولت إلى عائق للنمو بحكم عرقلتها للاستثمار بخصوص موارد التمويل والبالغة 19.6 مليار دينار (6.12 مليار دولار) وبالتحديد موارد الاقتراض الخارجي والداخلي، استبعد الرحيلي تمكن الحكومة من تعبئتها بالنظر إلى الصعوبات التي تواجه الاقتراض الخارجي علاوة على استنزاف السوق الداخلية بدورها.