ما هي كمية الماء التي يجب أن يشربها الفرد كل يوم؟ عادة ما توصي معظم النصائح الصحية - بما فيها تلك الصادرة عن هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" NHS - بشرب ما بين ستة إلى ثمانية أكواب من السوائل في اليوم، بما فيها الماء، أي ما يعادل 1.2 ليتر إلى ليترين.
لكن هذه النصيحة خضعت لمزيد من التدقيق في الأعوام الأخيرة. ففيما يدعي بعضهم أن شرب كثير من الماء يمكن أن يطرد السموم ويحافظ على صحة الكلى في الجسم، أظهرت بعض الدراسات أن هذا الأمر قد لا ينطوي في الواقع على فوائد عدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فبحسب دراسة جديدة فإن شرب ليترين من الماء يومياً، يمكن أن يكون أكثر مما يلزم بالنسبة إلى معظم الناس وفي غالبية الحالات.
الدراسة التي أعدها علماء من "جامعة روهامبتون لندن" UoRL اعتبرت "أكبر دراسة من نوعها"، بحيث شملت أكثر من 5,600 مشارك، تفاوتت أعمارهم ما بين ثماني و96 سنة، وتوزعوا على نحو 23 دولة مختلفة.
تبين للباحثين أن المبدأ القائم على أن "نهجاً واحداً يناسب الجميع" في ما يتعلق باستهلاك المياه، لا يصح على الناس كلهم، وذلك استناداً إلى عوامل عدة، بما فيها العمر والجنس والموقع والوظيفة وغير ذلك.
واستنتج معدو الدراسة أن الكمية الموصى بها في شأن كمية الماء اليومية التي يتعين شربها والتي تروج لها أيضاً "هيئة سلامة الغذاء الأوروبية" European Food Safety Authority، "لا تدعمها البيانات التي تضمنها البحث".
هذا البحث يأتي بعد دراسة منفصلة كانت قد توصلت إلى أن وفاة النجم السينمائي بروس لي عام 1973 قد تكون ناجمة عن شرب الكثير من السوائل.
ففي ورقة بحثية نشرت في مجلة "كلينيكال كيدني جورنال" Clinical Kidney Journal، أوضح العلماء أن كليتي نجم الفنون القتالية الشهير، لم تتمكنا من إفراز الماء الزائد، مما أدى إلى استسقاء دماغي (تورم في الدماغ ناجم عن تخمة في السوائل داخل خلاياه وخارجها). وتحدثوا عن العوامل التي تشير إلى أن بروس لي ربما كان يستهلك كميات كبيرة بشكل غير عادي من السوائل في ذلك الوقت، بسبب نظامه الغذائي.
يمكن الاستعانة بنتائج الورقة البحثية لتوقع آثار التغيرات المستقبلية كالمناخ والديموغرافيا السكانية، وكذلك لمساعدة الدول في توقع حاجاتها من الماء في المستقبل
وكتب المؤلفون: "نفترض أن بروس لي مات من جراء اختلال وظيفي في الكلى، تمثل في عدم القدرة على إفراز كمية كافية من الماء من أجل الحفاظ على توازن جسمه".
وتبين لمعدي البحث من "جامعة روهامبتون لندن" أن "مجموع كمية الماء المطلوبة" الذي يشير إلى إجمالي دورانها في الجسم، سواء لجهة حاجته إليها أو لتخلصه منها، يكون أعلى في البيئات الحارة والرطبة، وفي المناطق ذات الارتفاعات العالية. كما يكون أيضاً أعلى بين الرياضيين، والنساء الحوامل والمرضعات، والأفراد الذين يمارسون مستويات عالية من النشاط البدني.
وتبين أن الذكور الذين تتفاوت أعمارهم ما بين 20 و35 سنة لديهم أعلى مستويات من الحرق للطاقة، مما يعني أن معدل دوران المياه لديهم هو أعلى. وسجلت الدراسة متوسط شرب الماء يومياً ضمن هذه الفئة في حدود 4.2 ليتر. ومع ذلك، يقل معدل دوران المياه مع تقدم هؤلاء في السن، بحيث يبلغ متوسط ليترين ونصف فقط في اليوم بالنسبة إلى الذكور في التسعينيات من العمر.
أما لدى النساء، فكان متوسط معدل دوران المياه بين سن الـ20 والـ40، 3.3 ليتر كل يوم، وتراجع إلى نحو ليترين ونصف بحلول سن الـ90.
ويسلط البحث الضوء على دور الطعام عندما يتعلق الأمر بشرب الماء. فنصف الكمية القياسية للمياه التي تدخل الجسم يومياً تأتي من الطعام. ووجد في الواقع أن شخصاً عادياً من الولايات المتحدة أو أوروبا يجب أن يشرب فقط ما بين ليتر ونصف إلى 1.8 ليتر من الماء يومياً بعد أخذ كمية الماء الموجودة في الأطعمة بالاعتبار، في حين أن النساء يجب أن يشربن ما بين 1.3 ليتر و1.4 ليتر فقط.
لكن الأمر يعتمد أيضاً على عوامل أخرى، بحيث أن الكبار في السن يحتاجون عموماً إلى كمية أقل من الماء، لكن العيش في مناخ حار أو في واقع الحمل أو الرضاعة بالنسبة إلى النساء، يتطلبان زيادةً في الطلب هذا على المياه.
ويشير واضعو الدراسة إلى إن نتائج الورقة البحثية المنشورة في مجلة "ساينس" Science، يمكن الاستعانة بها "لتوقع آثار التغيرات المستقبلية كالمناخ والديموغرافيا السكانية"، وكذلك لمساعدة الدول حول العالم في "توقع حاجاتها من الماء في المستقبل".
ويقول البروفيسور لويس هالسي من "جامعة روهامبتون لندن" إن "الماء ضروري لبقاء الإنسان على قيد الحياة، إلا أن قياس متطلباتنا الدقيقة منه ما زال يشكل تحدياً".
ولفت إلى أن هذا البحث يسلط الضوء على الطريقة التي يمكن من خلالها لعوامل بما فيها المناخ والعمر والنشاط البدني والحمل والماء الذي يحويه الطعام الذي نتناوله، أن تحدد كمية الماء التي تحتاج إليها أجسامنا بالفعل.
وخلص البروفيسور هالسي إلى وصف هذا الاكتشاف بأنه "مهم، ويمكن أن يساعد في إرساء سياسات عالمية للصحة العامة، لجهة توفير مياه الشرب والأغذية الغنية بالمياه، خصوصاً مع تزايد المخاوف المتعلقة بتغير المناخ ومياه الشرب النظيفة والأمن المائي العالمي، في مختلف أنحاء العالم".
© The Independent