معدلات التعداد السكاني تواصل الارتفاع في العراق سنة بعد أخرى على رغم الفوضى العارمة التي تشهدها البلاد منذ عقود بسبب الحروب والإرهاب والفساد وغياب البنى التحتية وانتشار البطالة. صعوبات كبيرة تواجه سكان بلاد الرافدين التي تتمتع بالخيرات ولكن يغيب عنها التخطيط في إداراتها من قبل الحكومات المتعاقبة بعد 2003 مع انتشار كبير للفقر والعشوائيات في دولة غنية بالنفط.
ووسط هذا الانفجار السكاني، توقعت وزارة التخطيط ارتفاع عدد السكان في العراق إلى 42 مليون نسمة بحلول نهاية العام الحالي، وفيما قللت من مرحلة وصول العراق إلى مستوى الانفجار السكاني، أكدت أن معدل الزيادة طبيعي.
وقال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، في تصريح صحافي، إنه "بحسب التوقعات، فإن عدد سكان العراق في نهاية العام الحالي سيبلغ 42 مليون نسمة، بواقع 50.5 في المئة ذكور و49.5 إناث"، مشيراً إلى أن "نسبة سكان العالم بلغت 8 مليارات نسمة".
"عبء تنموي"
وأوضح الهنداوي أن "محافظة بغداد تسجل النسبة الأكبر بعدد سكانها البالغ 9 ملايين، تليها محافظة نينوى بمعدل 4 ملايين، والبصرة 3 ملايين"، مبيناً أن "محافظة المثنى سجلت أقل نسبة سكانية بلغت مليوناً أو أقل بقليل".
وأضاف أن "نسبة النمو السكاني مرتفعة في العراق، إذ تقدر بـ 2.6 في المئة، وبموجب هذه النسبة فإن عدد السكان يزداد بنحو 850 ألفاً سنوياً، إلا أنها منخفضة عما كانت عليه قبل 10 سنوات حيث كانت نسبة النمو السنوي 3.3 في المئة".
وأشار إلى أن "العراق لم يصل إلى مرحلة الانفجار السكاني، وأن معدل الزيادة طبيعية"، موضحاً أن "عدد السكان النشطين اقتصادياً من عمر 15 سنة إلى 64 سنة عندما تكون نسبتهم أكثر من 60 في المئة، يعتبر سلاحاً ذا حدين، فإذا لم تستثمر بشكل سليم تتحول إلى مشكلة كبيرة".
وتابع أن "سياسة الوزارة تتجه نحو إطار استيعاب الزيادة السكانية وتحويلها من عبء تنموي إلى محركات تنموية حقيقية تركز على مسارات أساسية، منها استثمار الشباب وتوفير فرص العمل، فضلاً عن تمكين المرأة والفتيات والشابات، إضافة إلى الجانب الصحي والعمل باتجاه توفير الخدمات الصحية والتعليم والسكن، علاوة على تمكين الشرائح الهشة في المجتمع (الأطفال، كبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة)"، منوهاً بأن "تلك السياسات ضمنتها الوثيقة الوطنية للسياسات السكانية وقريباً سيتم إصدارها بصيغتها المحدثة".
ولفت إلى أن "رؤية العراق للتنمية المستدامة 2030، وضعت مسارات بهذا الجانب، وفي مقدمة أهدافها مكافحة الفقر والجوع، ثم تأتي بقية الأساسيات وهي الصحة والتعليم والسكن والشراكات".
حلول غائبة
في المقابل، قال أستاذ الاقتصاد الدولي، ومدير الأبحاث في إحدى جامعات دهوك، نوار السعدي، وفق تقديرات وزارة التخطيط العراقية، فإن عدد سكان العراق بلغ 41 مليوناً و190 ألف نسمة في 2021، ارتفاعاً من 40 مليوناً و150 ألف نسمة في العام السابق، لذا ووفق هذه التقارير، سيشهد العراق انفجاراً سكانياً في حال استمرار هذا المعدل من الولادات، وأن الأعداد السكانية ستتضاعف خلال السنوات المقبلة.
المشكلة الأكبر، بحسب السعدي، غياب الحلول الحكومية لحد الآن، وأن هذه الزيادات السنوية مع عدم وجود اقتصاد داعم لها ولذويها، سيحول الفرد العراقي إلى معيل لأكثر من خمسة أشخاص، وبهذا سيتحول الاقتصاد إلى استهلاك مفرط من دون أي إمكانية لتراكم مالي، أي استهلاك من اليد إلى الفم.
المشكلة عميقة، وفقاً للسعدي، لكون العراق بوضعه الحالي "ما زال يشكو من منظومة أزمات ما زالت تتراكم، ويبدو أنها متجددة ويتجدد تأثيرها السلبي في معيشة ونفسية الفرد العراقي، الذي ورث منظومة أخطاء طيلة عمر الدولة العراقية الحديثة، فكل تأسيس لنظام يأتي بجملة من المشكلات الجديدة إضافة الى القديمة. وهكذا استمرت وتراكمت دورة التأسيسات ومعها دورة الأزمات والمعاناة، ولكن لم يتم الأخذ في الحسبان أن العراق مقبل على انفجار سكاني كبير، ما يستدعي وضع برامج تنموية واقتصادية، تتناسب مع تلك الزيادة ومدى تناسبها طردياً مع موارد الاقتصاد العراقي الريعي، مع الأخذ في الاعتبار أن أغلب البرامج الموضوعة للحد من الفقر، الذي يعيش الكثير من العراقيين تحت خطه، لم تعد تفي بالغرض منها".
وأكمل، وفق وزارة التخطيط العراقية، فإن "نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر في العراق بلغت 39 في المئة، يضاف إليها عدم وجود تعداد عام للسكان لمعرفة متطلبات السكان وحاجاتهم وواقعهم المعيشي والاقتصادي والتنموي... إلخ، كما يستدعي ومن الآن تنويع مصادر الدخل القومي بإضافة عناصر أخرى تكون مرادفة للنفط، فضلاً عن الشروع بتشكيل صندوق سيادي نفطي عراقي يضمن حق الأجيال اللاحقة من الثروات. وسياسياً، يجب تفعيل المعاهدات الدولية الخاصة بالأمن المائي والبيئي ومكافحة التصحر، مع وضع خطط عملية لتنشيط قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والاستثمار والقطاع الخاص، وتفعيل البرامج الخاصة لتقليل نسب الفقر والبطالة، ولجعل الموارد البشرية المتزايدة متكافئة مع الموارد الاقتصادية المحدودة، والتركيز على برامج توعوية للحد من ظاهرة الإنجاب الكثيرة في وضع مالي صعب، مثل الذين يعيشون في بيوت تجاوز (أنشئت على أراضٍ تابعة للدولة) ولديه أكثر من 11 طفلاً ويستمر بالإنجاب. فقد تم تصنيف العراق في الإحصائية الأخيرة في المركز 36 عالمياً من حيث الدول الأكثر خصوبة في النسل، بحسب صندوق السكان التابع للأمم المتحدة، فسيكون ذلك بمثابة قنبلة موقوتة مقبلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تهديدات استراتيجية
إلى ذلك، اعتبر الباحث الاقتصادي، بسام رعد، أن العراق يعاني من تهديدات استراتيجية عدة، وفي مقدمتها الوتيرة المتزايدة للتزايد السكاني. ويمثل النمو السكاني المرتفع تهديداً للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبقية القطاعات، وفي مقدمتها قطاع السكن في ظل انعدام الخطط والبرامج في الإنشاء والتخطيط العمراني للمدن وبناء الوحدات السكنية الجديدة، بالتوازي مع زيادة السكان والحاجة الفعلية للوحدات السكنية.
ويضيف أن هذه الاتجاهات السكانية الحالية تعني أن العراق سيحتاج إلى توفير خمسة ملايين وحدة سكنية مع نهاية العقد الحالي. وهذا يتطلب توفير مصادر تمويل مالية كبيرة خلال الأعوام المقبلة، لردم الفجوة بين العرض والطلب في مجال سياسات الإسكان الاجتماعي، وفي حالة عدم توفيرها، فإن هذا يعني أن العشوائيات والتجاوزات ستصبح السمة الظاهرة في المدن بالإضافة إلى تراكم الفجوة السكانية وعجز البنية التحتية عن استيعاب النمو العشوائي للمساكن، ما يهدد بتبعات خطيرة على الأصعدة كافة، كما أن هذه الزيادة السكانية تمثل عقبة في تحسين عوائد التنمية وبالتالي ارتفاع نسب الفقر والبطالة.
وحدات سكنية منخفضة الكلفة
وكشفت الأمانة العامة لمجلس الوزراء، الجمعة الماضي، عن توجه حكومي لبناء وحدات سكنية منخفضة الكلفة وتوفير قروض ميسرة، فيما أكدت صدور توجيهات من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتوفير الخدمات للمحافظات كافة دون استثناء.
وقال المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء حيدر مجيد في تصريح صحافي، إن "رئيس الوزراء وجه بأكثر من مناسبة نحو توفير الخدمات والإعمار لمحافظات العراق كافة دون استثناء، ومن هذا المنطلق تم تأليف فريق الجهد الهندسي الذي يعمل الآن في أكثر من محافظة".
وأوضح أن "التوجيهات شملت كذلك بناء وحدات سكنية منخفضة الكلفة، وهذا يتماشى مع الخطة الاستراتيجية للتقليل من الفقر ومساعدة الطبقات الفقيرة، وكذلك إيجاد البدائل عن العشوائيات بالتنسيق مع المحافظات والوزارات المعنية"، مبيناً أن "المشروع سيحقق فائدة مالية حقيقية من ناحية قلة التكاليف وسرعة الإنجاز".
توفير الخدمات
وأضاف، "التوجه الحكومي يتضمن أيضاً توفير الخدمات في المرحلة المقبلة من ضمنها مساعدة المواطنين تحت خط الفقر، فضلاً عن وجود توجيهات تم فيها الإيعاز للمصارف الحكومية بتقديم القروض الميسرة بفوائد مخفضة لغرض البناء".
وتابع "المجمعات السكنية التي ستبنى في المحافظات ستكون على غرار مدينة بسماية، وهذا الأمر يخص هيئة الاستثمار ومساحات الأراضي هناك التي ستحدد ما إذا كان البناء أفقياً أو عمودياً".
وأكد مجيد أن "وزارة التخطيط تمتلك إحصائية وبيانات خاصة بمستوى الفقر في المحافظات، وكانت لها تجربة ناجحة في توزيع الدور المنخفضة الكلفة في المحافظات، وكانت هناك تجربة ناجحة في محافظة الأنبار".
من جهتها، أعلنت وزارة التخطيط، الأحد الماضي، الشروع في إعداد استراتيجيتي خفض الفقر والتنمية الخمسية للسنوات الخمس المقبلة 2023 – 2027، فيما أشارت إلى أن إنجاز المشاريع المتلكئة تحتاج لنحو 24 تريليون دينار.
وقال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، لوكالة الأنباء العراقية "واع"، إن هناك عدداً غير قليل من المشاريع المتوقفة والمتلكئة فهي فرص خدماتية وفرص عمل للشباب"، مشيراً إلى أن "الوزارة تعمل على وضع آليات وحلول ومعالجات لمشكلات هذه المشاريع، لكي يستأنف العمل فيها والاستفادة من خدماتها".
وفي ما يتعلق بالمشاريع المستمرة، تابع الهنداوي، أن "عدد المشاريع المستمرة يبلغ أكثر من سبعة آلاف مشروع، وهناك عمل ومتابعة لواقع هذه المشاريع من خلال الزيارات الميدانية لفرق الوزارة الفنية والهندسية المتخصصة"، مبيناً أن "هذه الفرق تقوم بزيارة المشاريع ومعاينتها وتشخيص مشكلة التأخر والانحراف، على أن تقدم جداول العمل لكي تتم معالجتها مع الجهات المستفيدة".
ولفت إلى أن "هذه المشاريع المستمرة مقسمة بين قطاعات الصناعة والزراعة والنقل والاتصالات والمباني والخدمات، إضافة إلى تنمية الأقاليم"، مؤكداً أن "الأولوية ستكون لهذه المشاريع لإنجازها وإنهاء الالتزامات المالية، والذهاب بعدها إلى مشاريع جديدة في حال إمكان إدراجها".
وأشار إلى أن "المشاريع المستمرة (قيد التنفيذ) بحاجة إلى 130 - 136 تريليون دينار على مدى سنوات الإنجاز، إذ نتحدث عن مشاريع كبيرة بعضها ينجز خلال ثلاث سنوات وأخرى في أربع سنوات ضمن خطة تنموية، إضافة إلى المشاريع المتلكئة التي تحتاج إلى حوالى 24 تريليون دينار لكي تنجز".
ولفت إلى أن "العمل قائم حالياً على إعداد استراتيجية خفض الفقر للسنوات الخمس المقبلة، واستراتيجية خطة التنمية الخمسية لخمس سنوات من 2023 إلى 2027"، لافتاً إلى أن "هذه الاستراتيجيات والخطط ستأخذ بعين الاعتبار قضية الفقر متعدد الأبعاد في مجالات الصحة والسكن والتعليم، إضافة إلى تحسين مستوى الدخل للفقراء".