ملخص
القرار من شأنه أن يفرض معضلة على الإدارة المقبلة حول ما إذا كانت ستلغي التفويض فورا بعد تنصيب ترمب أو ستحتفظ به كورقة مساومة محتملة في المفاوضات التي قال الرئيس المنتخب إنه يريد عقدها من أجل إنهاء القتال.
أقدمت الإدارة الأميركية الديمقراطية المنتهية ولايتها برئاسة جو بايدن على تصعيد مفاجئ في الدعم العسكري لأوكرانيا خلال الأيام الأخيرة، إذ سمح بايدن للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في فبراير (شباط) عام 2022، لكييف باستخدام الصواريخ طويلة المدى ("أتاكمس") لضرب عمق الأراضي الروسية.
ليس ذلك فحسب، بل كشف مسؤولون أميركيون لصحيفة "واشنطن بوست" أمس الأربعاء عن أن الرئيس الأميركي وافق على إرسال ألغام مضادة للأفراد إلى أوكرانيا للمرة الأولى في تحول كبير آخر في سياساته تجاه الحرب. وفي حين أن الخطوة من شأنها أن تعزز دفاعات كييف ضد القوات الروسية المتقدمة، لكنها أثارت انتقادات من مجموعات الحد من الأسلحة.
ورداً على قرارات بايدن، وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تغيير العقيدة النووية لبلاده بهدف توسيع إمكان استخدام الأسلحة النووية، فباتت تنص على أنه من الممكن اعتبار أي هجوم تقليدي على روسيا بمساعدة بلد يمتلك قوة نووية هجوماً مشتركاً، مما أثار دعوات دولية إلى ضبط النفس.كما كانت موسكو حذرت منذ أشهر أن استخدام مثل هذه الصواريخ بعيدة المدى ضد أراضيها من شأنه أن يرقى إلى مستوى هجوم من جانب حلف شمال الأطلسي (الناتو) ويؤدي إلى رد واضح، لكنها لم تحدد ما سيكون عليه ذلك.
ومما أثار مزيداً من القلق أول أمس الثلاثاء، استخدام أوكرانيا للمرة الأولى الصواريخ الأميركية "أتاكمس" لضرب منطقة بريانسك الروسية. وفي حينرفض بايدن السماح باستعمال الصواريخ بعيدة المدى داخل روسيا لأعوام، فإن البيت الأبيض أعطى الضوء الأخضر بعد نشر آلاف الجنود الكوريين الشماليين في منطقة كورسك الروسية، حيث حشدت موسكو أكثر من 50 ألف جندي سعياً إلى طرد القوات الأوكرانية التي استولت على 250 ميلاً مربعاً من المنطقة في هجوم خاطف خلال أغسطس (آب) الماضي.
حرب عالمية ثالثة
الإجراءات العاجلة التي مضت إدارة بايدن في اتخاذها بعد أربعة أعوام في البيت الأبيض بينما تبقى لها أسابيع معدودة، أثارت انتقادات دائرة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، إذ يبدو أن الديمقراطيين يرغبون في تعقيد الواقع على الأرض أمام ترمب الذي تعهد بإنهاء الحرب وعقد اتفاق سلام مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وغرّد دونالد ترمب جونيور نجل الرئيس المنتخب الذي يحمل الاسم نفسه، قائلاً إن المجمع الصناعي العسكري، كما يمثله الرئيس الحالي جو بايدن، "يريد التأكد من بدء الحرب العالمية الثالثة قبل أن تتاح لوالدي فرصة خلق السلام وإنقاذ الأرواح".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكتب القائم بأعمال مدير الاستخبارات الوطنية السابق خلال فترة ولاية ترمب الأولى ريتشارد غرينيل، "لم يتوقع أحد أن يصعد جو بايدن الحرب في أوكرانيا خلال الفترة الانتقالية. هذا كما لو كان يشن حرباً جديدة تماماً... لقد تغير كل شيء الآن، وكل الحسابات السابقة أصبحت باطلة ولاغية". وعلقت عضو الكونغرس الجمهورية مارغوري تايلور غرين والسيناتور من ولاية يوتا مايك لي، قائلين إن بايدن "مهد للتو الطريق للحرب العالمية الثالثة. دعونا جميعاً نصلي ألا يحدث هذا".
ودافع المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر عن القرار خلال مؤتمر صحافي، موضحاً أن "الشعب الأميركي انتخب جو بايدن لولاية مدتها أربعة أعوام، وليس لمدة ثلاث سنوات و10 أشهر، وسنستخدم كل يوم من ولايتنا لتحقيق مصالح السياسة الخارجية التي نعتقد بأنها في مصلحة الشعب الأميركي".
تعقيد طريق السلام مع روسيا
قرار بايدن من شأنه أن يعقد المساعي الدبلوماسية التي يستهدف ترمب اتباعها في السلام مع روسيا، لكن وفق شبكة "سي أن أن" الأميركية، فإن كثيراً من الزعماء الغربيين الذين اجتمعوا في ريو دي جانيرو لحضور قمة "مجموعة الـ20" الأسبوع الجاري، ينظرون إلى قرار بايدن باعتباره وسيلة لوضع أوكرانيا في موقف يسمح لها بالتقدم قبل تغيير القيادة الأميركية، نظراً إلى أن ترمب أبدى تشككه في استمرار الدعم الأميركي.
ويقول مراقبون إن تحرك بايدن يهدف بصورة أساسية إلى بعث "رسالة" لكوريا الشمالية التي أرسلت 10 آلاف جندي لمساعدة روسيا وإحباط حملة الكرملين لإجبار أوكرانيا على الخروج من كورسك، قبل أن يبدأ ترمب رئاسته ويحاول الوفاء بتعهده إنهاء الحرب "في اليوم الأول"، إذ إن خسارة كورسك تعني خسارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لنفوذه في أي مفاوضات.
لكن مرشح ترمب لمنصب مستشار الأمن القومي مايك والتز انتقد قرار بايدن، قائلاً إنه لا يوقف مشاركة كوريا الشمالية أو إيران في الصراع، وأضاف أن "الرئيس ترمب يتحدث عن استراتيجية كبرى هنا. كيف نجمع الطرفين على الطاولة لإنهاء هذه الحرب؟ من يجلس إلى تلك الطاولة؟"، مردفاً أن فريق ترمب سيفكر في هذه القضايا الاستراتيجية الأوسع".
معضلة وورقة مساومة
ويعتقد آخرون بأن القرار من شأنه أن يفرض معضلة على الإدارة المقبلة حول ما إذا كانت ستلغي التفويض فوراً بعد تنصيب ترمب أو ستحتفظ به كورقة مساومة محتملة في المفاوضات التي قال الرئيس المنتخب إنه يريد عقدها من أجل إنهاء القتال. ويشرح مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن مارك كانسيان أن إدارة ترمب في يومها الأول يمكنها الإعلان عن تعليق هذا التفويض في انتظار مراجعة سياسة أوكرانيا، "لكن هذا من شأنه أن يؤدي إلى كثير من الانتقادات ويحيي كل هذه القصص حول بعض الصفقات مع بوتين".
لكن ما يزيد التعقيدات بالنسبة إلى ترمب، هو احتمال أن يدفع قرار بايدن الحلفاء الأوروبيين الذين يفرضون قيوداً مماثلة على استخدام صواريخهم بعيدة المدى في أوكرانيا إلى اتباع النهج نفسه. ومن المتوقع أن تزود المملكة المتحدة أوكرانيا بصواريخ "ستورم شادو" لاستخدامها على أهداف داخل روسيا، وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال قمة "مجموعة الـ20" إن المملكة المتحدة بحاجة إلى "مضاعفة" دعمها لأوكرانيا.
ومن جانب أخر، أصرت ألمانيا على موقفها عدم تزويد أوكرانيا بصواريخ "توروس" بعيدة المدى، بينما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن باريس منفتحة على النظر في إعطاء الضوء الأخضر لاستخدام صواريخها لضرب الأراضي الروسية.
ووفق مديرة مركز دراسات روسيا وأوروبا وآسيا في بروكسل تيريزا فالون، فإن ردود الفعل بين المسؤولين العسكريين الأوروبيين كانت متباينة، إذ أبدى بعضهم قلقهم إزاء احتمال التصعيد، في حين عبّر آخرون عن "سعادتهم... لأن أوكرانيا أصبحت قادرة الآن على استخدام المعدات من دون قيود"، ومع ذلك تشير إلى أن الأمر "لن يغير قواعد اللعبة وأن هناك حاجة إلى مزيد من المعدات".
وقالت فالون وفق ما نقلت عنها صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، "لا أستطيع التنبؤ بما سيفعله ترمب. لكن... بمجرد وضع هذه الأشياء في مكانها، سيكون هناك زخم لمواصلة استخدامها. قد يكون من الصعب إعادتها إلى الصندوق. ولكن من ناحية أخرى، إذا لم تكُن هناك إعادة إمداد بالصواريخ، فإن استعمالها ضد أهداف في روسيا يكون انتهى".