أثار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شبح حرب نووية عندما بدأ غزوه لأوكرانيا في 24 فبراير (شباط)، فقد حذر من أن أي تدخل خارجي سيقود إلى عواقب "لم يشهد التاريخ لها مثيلاً"، في إشارة واضحة إلى إمكان استخدام أسلحة ذرية. ربما يكون احتمال اندلاع حرب نووية حقيقية مع روسيا قد أقنع بالفعل الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) بأن مشاركتها المباشرة في الصراع كانت خطيرة أكثر مما ينبغي بحيث لا يمكن القبول بها. غير أن الحرب لم تجر بحسب أهواء بوتين. ومعاناة الجيش الروسي المفاجئة في بدايات الحرب في ميدان القتال إضافة إلى المقاومة الأوكرانية العنيدة، قد أقنعا العديد من أعضاء حلف الناتو بإرسال معدات وإمدادات عسكرية لمساعدة المدافعين.
وأثار بوتين شبح حرب نووية مرة أخرى في أبريل (نيسان). فبعد انسحاب قواته من ضواحي مدينتي كييف وخاركيف، أعلن أن روسيا ستستخدم الأسلحة النووية "إذا كان ذلك ضرورياً" من أجل تحقيق أهدافها. وربما كان بوتين يحاول عن طريق خطاب من هذا النوع أن يمنع حلف الناتو من تعزيز الدعم الذي يقدمه إلى أوكرانيا ورفعه إلى مستويات من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق هزيمة كاملة للغزو الروسي. وإذا كان الأمر كذلك، فإن بوتين قد نجح، الأمر الذي أدى إلى جمود على خطوط الجبهة. وخلال فصل الصيف، هدأت الجلبة التي أحدثها تلويح بوتين باستعمال أسلحة نووية إذ سعى الجانبان إلى إحراز تقدم في ساحة المعركة. وفي أوائل الخريف، وبعد أن فشل بوتين في تغيير التوازن العسكري لصالحه، عاود الرئيس الروسي إطلاق تهديدات نووية معلناً أنه "من أجل الدفاع عن روسيا وشعبنا، سنلجأ بالتأكيد إلى جميع أنظمة الأسلحة المتوفرة لدينا. وهذا ليس خدعة".
يعتقد الكثير من القادة الغربيين أن استغاثة بوتين الكاذبة المتكررة بـ"السلاح النووي" تعني أنه يخادع. ويشيرون إلى أن كلامه القاسي يأتي في سياق سعيه إلى إثارة الشك في أذهان خصومه، غير أنه لن يفجر قنبلة [نووية] حقاً. وبعبارة أخرى، إنهم يصرون على أن بوتين أكثر عقلانية من أن يجازف بالتسبب بكارثة حرب نووية محتملة، بيد أن هذا هو افتراض لا يمكن للغرب أن يتحمل المجازفة بطرحه. وإذ تدفع بوتين رغبته بإعادة عظمة روسيا الجريحة إليها، ويمضي بقناعة لا تتزعزع بسلامة ادعاءاته المتعلقة بأوكرانيا، والمستلهمة من نجاحاته السابقة في شبه جزيرة القرم ودونباس في عام 2014، فيما يستميت بشكل متزايد في مواجهة الفشل العسكري الروسي والعداء الدولي، يمكن للرئيس بالفعل أن يرى أن ثمة فائدة لها ما يبررها في اللجوء إلى الأسلحة النووية. على رغم أن احتمالات تخطي بوتين العتبة النووية قد تكون ضئيلة، فإن الحكمة تملي على حلف الناتو عدم استبعاد مضي بوتين في مثل هذا المسار الخطير. وينبغي للقادة الغربيين أن يقرروا كيف يمكنهم منع تصعيد من هذا النوع من التحول إلى كارثة مطلقة.
في حدود المعقول
أخذ الرئيس الأميركي جو بايدن تصريحات الكرملين على محمل الجد، مؤكداً في أكتوبر (تشرين الأول) أنه يوجد الآن "تهديد مباشر" باندلاع حرب نووية وذلك للمرة الأولى منذ أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962. وبحسب ما يرى رئيس الولايات المتحدة، فإن بوتين "لا يمزح". ومع ذلك، يعتبر بايدن أيضاً أن بوتين "شخص عقلاني أخطأ في الحسابات بشكل كبير" وأنه سيتجنب استخدام أسلحة نووية. وقد أيد آخرون تقييم بايدن الاعتدالي لبوتين، بمن فيهم بن والاس، وزير الدفاع البريطاني، الذي أوضح في أكتوبر أن لجوء بوتين إلى أسلحة نووية "مستبعد إلى حد بعيد" وأن الرئيس الروسي أدرك أن ضبط النفس هو في مصلحته المثلى.
كانت فكرة أن صانعي القرار العقلانيين لن يغامروا بحرب نووية بمثابة اللازمة الشائعة منذ فجر العصر النووي. هكذا، قال الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور عند مناقشة إمكانية توجيه ضربة استباقية ضد الصين في عام 1954 للقادة العسكريين الكبار إنه في حرب نووية "لا يوجد انتصار إلا في مخيلاتنا". وردد هوبر فيدرين، الذي شغل منصب وزير خارجية فرنسا بين عامي 1997 و2002، هذا الرأي لدى مناقشة احتمال حصول إيران على أسلحة ذرية. وأوضح لصحيفة "نيويورك تايمز" في عام 2007 أن حيازة أسلحة نووية هو في الحقيقة ضمانة لعدم استعمال هذه الأسلحة، فقد رأى الوزير الأسبق أن "الدولة التي تملك القنبلة [النووية] لا تستخدمها وهي تدخل بشكل أوتوماتيكي في نظام الردع ولا تتحمل أخطاراً سخيفة". وكان فيدرين يشير في الواقع إلى أن المجنون وحده من شأنه أن يجازف بإشعال حرب نووية. لقد افترض أن البشر كائنات عقلانية، بمعنى أنهم يعملون على تحقيق أكبر قدر من الفوائد المحتملة لأعمالهم، وهم يوازنون كل الكلف والفوائد والمجازفات المرتبطة بقراراتهم.
غير أن البشر قد لا يكونون مخلوقات ماكرة ويقظة من هذا النوع. وهناك أدلة كثيرة، نجدها سواء في التاريخ أو في التطورات الحديثة للعلوم المعرفية، تشير إلى أن البشر لا يتصرفون على الدوام بشكل عقلاني. وتكشف البحوث، على سبيل المثال، عن أنه في حال كانت كل العوامل الأخرى متشابهة، يكون استعداد الناس بشكل عام للمجازفة بهدف اكتساب شيء ما ليس لديهم أقل من استعدادهم للمخاطرة بغرض الحفاظ على شيء هو في حوزتهم سلفاً وذي قيمة مساوية للشيء الآخر الذي لا يملكونه. وتعرف هذه الظاهرة في علم الاقتصاد السلوكي بـ"نظرية الاحتمالات". ويبدو أن وجود هذا الميل يعتبر نوعاً من الأخبار الجيدة بالنسبة إلى أولئك الذين يسعون إلى ردع السلوك العدواني للآخرين، لأن الناس ينفرون نسبياً من المغامرة عندما يتعلق الأمر بالسعي إلى الوصول إلى شيء لا يملكونه.
لكن هناك مشكلة. قد يعتقد طرفا النزاع أنهما يتنافسان على شيء من حقهما، هذا هو الحال مع أوكرانيا. ينظر إليها بوتين على أنها مقاطعة روسية ضالة يجب استعادتها. ويرى الأوكرانيون وداعموهم في الناتو أنها دولة مستقلة يجب الدفاع عنها من عدوان الكرملين، بالتالي فإن كلا الجانبين على استعداد للانخراط في سلوك عالي الخطورة نسبياً لامتلاك ما يعتقدون أنه سلوكهم.
ويمكن للقادة أيضاً أن يبالغوا في تقدير موقفهم على نحو خطير وذلك بسبب ما يسمى "الانحياز للتفاؤل". ووجدت بحوث العلوم المعرفية أن القادة السياسيين يتمتعون بثقة مفرطة في قدرتهم على التحكم بالأحداث، مما يجعلهم أكثر استعداداً لتحمل الأخطار. وهذه الثقة بالذات الناجمة عن خطأ في التقدير تجعلهم مستعدين عادة أكثر لمضاعفة الجهد عند مواجهة الفشل، فيقومون بمجازفات كبيرة بدلاً من أن يحاولوا تقليل خسائرهم.
لا يتصرف البشر على الدوام بشكل عقلاني
الحكام المستبدون عرضة دائماً بشكل خاص إلى التأثر بـ"الانحياز للتفاؤل". فهم تغلبوا على الصعاب حتى وصلوا إلى مواقعهم الرفيعة، شأنهم شأن السياسيين الآخرين، لكن خلافاً للقادة السياسيين في أنظمة ديمقراطية، فإن الديكتاتور المحتمل الذي يخفق في الاستيلاء على السلطة لا ينتهي به الأمر في حزب المعارضة بل غالباً ما يتعرض إلى السجن أو حتى إلى الموت، بالتالي فإن الطغاة الذين ينجحون في انتزاع السلطة هم أشخاص يتمتعون بقدرة عالية إلى مستوى غير عادي على تحمل المجازفة. ويظهر أن هذا هو الحال مع بوتين. فبدلاً من البحث عن مخرج من الحرب، عمد الرئيس الروسي إلى تصعيد الصراع، وشرع بإجراء تعبئة جزئية للقوة البشرية الروسية كما ضم أربع مقاطعات أوكرانية في الوقت الذي عمد فيه إلى توسيع هجماته لتشمل ضربات صاروخية على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا. وتتوافق هذه الأفعال مع ما يمكن التوصل إليه في ضوء "نظرية الاحتمالات" وهو أن بوتين سيجازف مجازفات أكبر من أجل تأمين ما يعتقد أنه حقه المشروع [أي ما يظن أنه يملكه].
ويتخذ القادة بعض القرارات التي تبدو لاعقلانية عند النظر إليها من منظور التعاملات التجارية الصارمة، ولكن لاعقلانيتها هذه تبدو أكثر ضآلة عند مراعاة مفاهيم الشرف والعدالة. وفي حالة بوتين، يبدو أنه مقتنع بأن حربه هي عبارة عن مهمة الغاية منها استعادة شرف روسيا القومي، وتخليص البلاد من الإذلال الذي تعرضت له في أعقاب الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي. وأشار بوتين، في خطابه السنوي عن حال الأمة أمام البرلمان في عام 2005، إلى انهيار الاتحاد السوفياتي على أنه "أعظم كارثة جيوسياسية في القرن" ورأى أن من غير المقبول أن "عشرات الملايين من مواطنينا وأبناء بلادنا وجدوا أنفسهم خارج حدود الأراضي الروسية". وبالنسبة إلى بوتين فإن شرف روسيا يتطلب استعادة هؤلاء الروس "المفقودين" والأرض التي يحتلونها، حتى ولو كان عليه أن يقوم بمغامرة محفوفة بالأخطار من أجل تحقيق ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والتاريخ حافل بالأمثلة التي حملت فيها مسائل الشرف والعدالة القادة على القيام بأفعال لم تكن في ظاهرها عقلانية. على سبيل المثال، كان الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف مستعداً، خلال أزمة الصواريخ الكوبية، للمخاطرة بحرب نووية حول الصواريخ الأميركية المزودة رؤوساً نووية في تركيا، علماً بأن هذه الصواريخ شكلت جزءاً تافهاً من ترسانة واشنطن النووية الإجمالية. وتبدو قرارات خروتشوف تلك غير عقلانية، إلى أن يأخذ المرء في الاعتبار اعتقاد الزعيم السوفياتي أنه ليس من العدل أن يخزن الأميركيون صواريخ نووية على حدود روسيا بينما يطالبون بسحب الصواريخ السوفياتية من كوبا.
قد يصل بوتين إلى نقطة يعتقد فيها أنه ليس لديه ما يخسره. وربما تشهد الأشهر المقبلة تطور الحرب بشكل لا مفر منه في غير صالحه. قد تتدبر أوروبا أمورها بشكل ما خلال شتاء بارد من دون الخضوع إلى ضغوط بوتين. ويمكن أن تؤدي الضائقة الاقتصادية المتفاقمة إلى اضطرابات داخلية. وقد يشهد الربيع هجمات أوكرانية متجددة تقلل تدريجاً من سيطرة روسيا على شرق أوكرانيا وربما تحرر شبه جزيرة القرم. ولا يستبعد أن تتم بعد ذلك عمليات فرار واسعة النطاق في أوساط المجندين الروس. وفي تلك المرحلة، يبدو أن إعادة حدود أوكرانيا إلى ما كانت عليه في عام 1991 (الحدود التي كانت قائمة قبل تدخل بوتين في عام 2014 وضمه شبه جزيرة القرم) سوف تبدو أمراً مرجحاً بشكل متزايد. وبصفته مهندس الحرب، سيجد بوتين من الصعب أن يتفادى نصيبه الشخصي من اللوم. فالحرب التي كان من المفترض أن تنتهي بانتصار سريع لروسيا، تكون قد أدت إلى نتائج عكسية بشكل مفجع. وفي مثل هذه الظروف، قد يكون بوتين على استعداد للإقدام على مجازفات غير عادية، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية، التي ستكون رهاناً كبيراً يشبه رمية نرد عالمي، في محاولة لتجنب هزيمة مذلة. وكما قال ونستون تشرشل في خطاب له في عام 1955، "لا تنطبق حالة الردع على المجانين أو الطغاة أمثال هتلر عندما وجد نفسه في مخبئه الأخير".
الردود على الجنون
نظراً إلى وجود هذه الاعتبارات، لا يستطيع الغرب أن يتجاهل احتمال لجوء بوتين إلى الأسلحة النووية من أجل إجبار أوكرانيا وحلف الناتو على السعي إلى لتوصل إلى سلام بشروط مواتية له. هناك سيناريوهات لا تعد ولا تحصى بالنسبة إلى كيفية اختياره اللجوء للسلاح النووي، فقد يطلق بوتين تحذيراً لخصمه، كأن ينفذ ضربة نووية واحدة لإظهار استعداد روسيا للتصعيد واستعمال أسلحة نووية على نطاق واسع إذا لم تتم الاستجابة لمطالبه. ويمكن لضربة من هذا النوع أن تتخذ أشكالاً مختلفة، بما في ذلك انفجار جوي (الانفجار، في حالة كهذه، لقنبلة نووية في الهواء) الذي سيحدث ضرراً يكاد لا يذكر هذا إذا أدى إلى أي ضرر على الإطلاق، أو ربما تأتي على شكل هجوم ضد سفن أوكرانية في عرض البحر الأسود.
وقد يستهدف الكرملين أحد المفاعلات النووية الأوكرانية بضربة تقليدية، الأمر الذي سيتسبب في "تشيرنوبل" بيئي حديث مع انتشار مواد إشعاعية في الغلاف الجوي والمناطق المحيطة. وعليه بمقدور موسكو خلق تداعيات استخدام أسلحة نووية حتى من دون اللجوء إليها فعلياً. ومع ذلك، فإن رسالة موسكو المتصلبة ستكون هي نفسها: على أعداء روسيا أن يتراجعوا ويعملوا على إيجاد مخرج من الحرب قبل أن تتفاقم الأمور وتزداد سوءاً.
ولن ينجح بوتين إلا إذا اقنعت أي من هذه المناورات الحكومات الغربية المذعورة بالضغط على أوكرانيا للقبول باتفاقية ميونيخ حديثة (في إشارة إلى اتفاقية ميونيخ عام 1938 والتي حاولت فيها القوى الغربية استرضاء ألمانيا النازية من خلال منحها مساحة واسعة من أراضي تشيكوسلوفاكيا)، وتقديم تنازلات إقليمية قبل تصعيد الكرملين. وربما ينتهي الأمر ببوتين بالسطو على الأجزاء التي ضمها في شرق وجنوب أوكرانيا. ومن شأن انقلاب الكرملين هذا أن يوجه ضربة مدمرة إلى أسس الردع النووي والمحرمات ضد استخدام الأسلحة النووية. وسيكون بوتين قد أظهر أن الهجمات النووية يمكن أن تحقق أهدافاً سياسية، بالتالي خفض السقف المسموح به لاستعمالها في المستقبل. ويستطيع المرء أن يتخيل سير الرئيس الصيني شي جينبينغ على خطى بوتين ووضعه تصوراً للقيام باستعراض نووي من أجل إكراه تايوان والمدافعين المحتملين عنها على تلبية رغبات بكين.
ولكن إذا فشلت هذه الخطوات التمهيدية - ضربة نووية تحذيرية أو تدمير محطة نووية - في ترويع أوكرانيا والغرب وإجبارهما على الإذعان، يمكن لبوتين عندها أن يتخذ خطوة أخرى، وهي استعمال الأسلحة النووية في ساحة المعركة. لقد احتفظت روسيا بآلاف الأسلحة النووية التكتيكية، التي عادة ما يكون لها تأثير أو قوة تدميرية أقل بكثير من تلك التي تتمتع بها أسلحتها النووية الاستراتيجية الموضوعة على أنظمة إطلاق بعيدة المدى والقادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال، لديك سلاح نووي يبلغ وزنه خمسة كيلو طن ولديه نحو 40 في المئة من القوة التدميرية للقنبلة التي تم إلقاؤها على هيروشيما. ويمتد شعاع دائرة القتل الفعلية لهذا السلاح إلى نحو ميل تقريباً (1600 متر)، ويكون امتداده أقل حتى بالنسبة إلى القوات التي التجأت إلى مكان ما، مثل دباباتها، بالتالي لا بد من استخدام العشرات من هذه الأسلحة من أجل إحداث خرق كبير في الدفاعات الأوكرانية. وبالطبع، سيتعين على القوات الروسية التقدم عبر هذا الخرق الملوث بالإشعاعات، مما يفترض امتلاكهم قدراً من الشجاعة والكفاءة القتالية اللذين لم يثبتوا بعد في هذه الحرب أنهم يتمتعون بهما.
ومع هذا، حتى ولو نجحت ضربات من هذا النوع في إلحاق خسائر فادحة بالأفراد وبتدمير المعدات الأوكرانية، فمن غير الواضح إذا ما كان التوازن العسكري سيتحول بشكل حاسم لصالح بوتين. ستستجيب الولايات المتحدة من خلال المشاركة في العمليات فقط فوق الأراضي الأوكرانية. وكما أظهر الجيش الأميركي مراراً وتكراراً، فإن القوة الجوية التقليدية يمكنها أن تضع حداً لتقدم القوى البرية على الأرض. كان هذا هو ما حصل في خلال هجوم عيد الفصح الذي قامت به فيتنام الشمالية في عام 1972، وفي العراق والكويت في عام 1991، وفي أجواء أفغانستان في عام 2001.
أخيراً، قد يختار بوتين استخدام أسلحة نووية بالطريقة التي تثير القدر الأكبر من الخوف، أي كأداة للإرهاب، كما هو الحال لدى قصف مدينة بهذه الأسلحة. تتجاوز القوة التدميرية لبعض الأسلحة النووية التكتيكية الروسية 100 كيلو طن، أي تعادل تقريباً نحو عشرة أضعاف القوة التدميرية لقنبلة هيروشيما. وإذا تم استخدام مثل هذا السلاح ضد كييف، فقد يزيد عدد الضحايا التي سيوقعها على 100 ألف ضحية. على رغم أن بوتين قد يأمل في أن يؤدي ذلك إلى إحداث صدمة تخيف أعداءه وتدفعهم إلى السعي إلى تحقيق السلام، فإنه قد يجازف أيضاً في إشعال هرمجدون (نهاية العالم). وفي مساعيه استعادة عظمة روسيا، سيغامر بوتين بتدمير بلاده.
التفكير باللامعقول
إن فترة الهيمنة الأميركية في أعقاب الحرب الباردة قد هدأت من روع العالم ليدخل حالة من الرضا عن الذات بما يتعلق بالأسلحة النووية. إلا أن عودة سياسات القوى العظمى والقوى العظمى ذات النزعة الانتقامية مثل روسيا، قد قضت على هذه الأوهام، وسيكون الغرب على قدر من الحماقة لكي يستبعد نهائياً احتمال موافقة بوتين على القيام بضربات نووية. يوحي التاريخ والفهم المتزايد لكيفية عمل العقل البشري بأنه لا ينبغي للقادة افتراض أن الردع سيكون قوياً وأن المحرمات ضد الأسلحة الذرية ستمنع استخدامها، هذا هو الحال بشكل خاص عند التعامل مع زعيم مثل بوتين الذي يبدو مقتنعاً بعدالة قضيته، ويناضل من أجل الشرف المفترض لبلاده، والذي أصبح يائساً.
لكن، من المهم بالقدر نفسه الفهم بأنه لدى الغرب، حتى في أعقاب هجوم نووي روسي محدود، خيارات معقولة لمواصلة دعم دفاع أوكرانيا عن النفس والبرهنة على أن استعمال روسيا الأسلحة النووية سيؤدي إلى الفشل، وليس إلى النجاح. وفي ظل هذه الظروف، قد يكون من الممكن إعادة المارد النووي إلى فانوسه.
ينبغي على القادة الغربيين أن يحاولوا جعل بوتين يدرك، وهو يفكر في اللجوء إلى ترسانته النووية، أنه لا يمكن أن يكون هناك رابحون في صراع من هذا النوع. يجب أن يفهم أن أي استخدام للأسلحة النووية من شأنه أن يضع روسيا والغرب على طريق الهاوية، فيمضيان في مسار لا يرغب فيه أي منهما حقاً.
أندرو إف. كريبينيفيتش جونيور، هو زميل بارز في معهد هدسون وزميل بارز مساعد في مركز لأمن أميركي جديد Center for a New American Security.
عن فورين أفيرز، 22 نوفمبر 2022