بعد توقيع اتفاق السلام بين الحكومة الإثيوبية و"جبهة تحرير شعب تيغراي" نشطت عملية تقديم المساعدات الإنسانية إلى الإقليم الواقع في شمال إثيوبيا، وبعد مرور أقل من شهر على توقيع اتفاق السلام بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيغراي" في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تتدفق المساعدات الإغاثية لمحاولة معالجة الظروف الإنسانية القاسية التي يعيشها سكان الإقليم، فهل يطال النشاط الإغاثي الحاجات الحقيقية؟ وما هي أبعاد اتفاق السلام على الأوضاع في الإقليم؟
أعلنت اللجنة الوطنية الإثيوبية لإدارة الكوارث والمخاطر، الأحد 27 نوفمبر، أن الجولة الأولى من المساعدات الإنسانية وصلت إلى أكثر من 450 ألف شخص في مدن إقليم تيغراي، من شيرارو إلى عدوا.
وفي أعقاب التوصل إلى اتفاق السلام بين الطرفين الإثيوبيين المتحاربين، في بريتوريا بجنوب أفريقيا، عملت الحكومة الإثيوبية على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى الإقليم الشمالي، وتم نقل المساعدات عبر أربعة ممرات بما في ذلك النقل الجوي، طبقاً لوكالة الأنباء الإثيوبية.
وقال رئيس المكتب منسق المساعدة في اللجنة الوطنية لإدارة مخاطر الكوارث، زريهون زودي، "إن دعم الحكومة للأشخاص الذين يعانون من ظروف صعبة في إقليم تيغراي تم تعزيزه".
حجم الكارثة
وكانت الحكومة الإثيوبية و"جبهة تحرير شعب تيغراي" قد توصلتا ضمن اتفاق السلام، إلى تفاهم على توفير الأجواء لمساعدة ما لا يقل عن ستة ملايين شخص هم في أمس الحاجة إلى المساعدات الإنسانية كافة بعد ظروف الحرب والحصار الذي انعكس سلباً على السكان في الإقليم.
وكشفت منظمات إغاثة عالمية في وقت سابق عن حجم الكارثة التي يعيشها مواطنو الإقليم نتيجة انعدام الغذاء والضروريات الحياتية إلى جانب الأدوية والخدمات التي يحتاجها الأهالي، وحثت كل من الأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول أوروبية الحكومة الإثيوبية وجبهة التيغراي على الوصول إلى سلام يؤمن الاستقرار ويعيد الحياة الطبيعية إلى السكان المتضررين.
وكان مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإثيوبي، رئيس وفد الحكومة للسلام، السفير رضوان حسين أكد في 11 نوفمبر، أن "المساعدات تتدفق إلى إقليم تيغراي بشكل لم يسبق له مثيل بعد اتفاقية السلام".
وأشار رضوان "إلى أن 35 شاحنة محملة بالمواد الغذائية وثلاث شاحنات محملة بالأدوية وصلت إلى منطقة شيري، شمال غربي تيغراي"، التي ظلت تخضع لسيطرة القوات الفيدرالية منذ منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مؤكداً أنه "لا يوجد أي عائق على الإطلاق أمام وصول المساعدات الإنسانية حتى الآن".
وقدم الاتحاد الأوروبي مساهمة قدرها 31.5 مليون يورو، لإعادة تشغيل الخدمات الصحية المتوقفة في المناطق المتضررة، لينعكس التمويل على حياة أكثر من مليوني شخص من المتأثرين بالنزاع في أقاليم عفر وأمهرة وأوروميا وتيغراي وجنوب إثيوبيا، بخاصة الأطفال والنساء.
ووفقاً لمصادر إعلامية إثيوبية، قدم الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي 33 مليون يورو لدعم المدارس التي تضررت من الصراع في شمال البلاد.
كما جرى توقيع اتفاقية مع برنامج الأغذية العالمي و"اليونيسيف" لإعادة بناء وتأهيل المنشآت المتضررة من الصراع في شمال إثيوبيا، بتمويل 26.8 مليون يورو لإعادة بناء وتأهيل 60 مدرسة، ليستفيد منها 80 ألف طفل، فيما سيوفر برنامج الأغذية العالمي وجبات مدرسية مغذية لـ 50 ألف طفل.
ووفقاً لسفير الاتحاد الأوروبي في إثيوبيا، رولاند كوبيا فإن "ما يقرب من مليوني طفل محرومون من التعليم في المناطق المتضررة من الصراع في شمال إثيوبيا"، مؤكداً على "ضرورة الاستفادة من اتفاقية السلام لإعادة الأطفال إلى المدارس".
وتضررت أكثر من 8500 مدرسة ونحو 1500 مؤسسة أخرى بسبب تعرضها للتخريب في المناطق التي تأثرت بالصراع.
وكانت وزيرة الدولة الإثيوبية لمكتب الاتصال الحكومي سلاماويت كاسا لفتت إلى "تشكيل لجنة إدارة مخاطر الكوارث في إثيوبيا أربع فرق لتنسيق وتسريع التسليم الفوري للمساعدات الإنسانية"، وذكرت كاسا في بيان أنه "عقب اتفاق بريتوريا للسلام يجري تنفيذ مختلف أعمال الدعم الإنساني وإعادة البناء في مناطق مختلفة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لجنة الوقاية من الكوارث
على صعيد متصل، كانت "اللجنة الوطنية للوقاية من الكوارث والتأهب" لها عقدت اجتماعاً طارئاً الأربعاء 17 نوفمبر الحالي، برئاسة نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية الإثيوبي، دمقي مكنن، لبحث مسألة توصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين في الجزء الشمالي من البلاد.
وذكرت اللجنة بناءً على دراسات أجرتها مسبقاً أن "الكوارث الطبيعة كالجفاف والفيضانات وغيرها، والصراعات الدائرة في مناطق مختلفة من البلاد، أدت إلى حدوث ارتفاع مطرد في عدد المواطنين الذين هم في أمس الحاجة للمساعدات الإنسانية".
وأشار الاجتماع الطارئ إلى أن "عدد المواطنين النازحين من منازلهم بسبب الكوارث الطبيعية والصراعات أوجبت الحاجة إلى إيلائهم الاهتمام المناسب، وتضامن المجتمع لمساعدتهم".
وأكدت اللجنة أن "أعمال الإغاثة الإنسانية من قبل الحكومة الإثيوبية، للنازحين في أقاليم شمال إثيوبيا تجري على قدم وساق".
وشدد رئيس اللجنة دمقي مكنن، "على أهمية تحديد المستفيدين المعرضين للخطر بشكل دائم ودعمهم"، مشيراً إلى أنه "بجانب المواطنين الذين تعرضوا لمشكلات بسبب الحرب في الجزء الشمالي من إثيوبيا، فإن المواطنين الذين تعرضت مناطقهم لكوارث طبيعية، في السنوات الماضية يحتاجون أيضاً للاهتمام"، مشيراً إلى "طلاب المدارس الذين أجبروا على ترك مقاعد الدراسة بسبب الصراع كونهم في أمس الحاجة إلى الدعم النفسي، إلى جانب المتضررين الذين عانوا من أضرار اجتماعية واقتصادية لأسباب مختلفة".
ودعا مكنن "جميع القطاعات في الدولة، ومنظمات الإغاثة الإنسانية وشركاء التنمية إلى بذل قصارى جهدهم لمساعدة الضعفاء والتنسيق لجمع الموارد، والوصول إلى المواطنين المحتاجين"، مشيراً إلى "أن الحكومة ترزح تحت ضغط كبير، نظراً إلى تفاقم أعداد المتضررين".
مساعدات إنسانية غير مقيدة
من جهة أخرى، قال منسق المساعدة في اللجنة الوطنية لإدارة مخاطر الكوارث، زريهون زودي أنه "يجري تقديم مساعدات إنسانية غير مقيدة في جميع المناطق في إقليم تيغراي"، مشيراً إلى أنه "تم توزيع أكثر من 90 ألف قنطار من القمح والأغذية في الجولة الأولى، واستفاد منها أكثر من 450 ألف شخص".
وأشار إلى أنه "تم توفير المواد الغذائية والمعدات الطبية اللازمة للأطفال وكبار السن"، مضيفاً أن "أكثر من 60 شاحنة محملة بالإمدادات الإنسانية وصلت إلى وجهاتها ويتم توزيعها على المجتمعات".
وأضاف "أن المفوضية بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي ستواصل تقديم المساعدة للنازحين على نطاق واسع"، مشيراً إلى أنه "تم التوصل إلى اتفاق مع المنظمات الإنسانية العاملة في إقليم تيغراي حول طرق إجراء عملياتها بشكل قانوني، وبناءً على ذلك، بدأت الوكالات الإنسانية نشاطها لتوفير الغذاء والدواء والإمدادات الطبية وكذلك مياه الشرب النظيفة".
وعلى صعيد متابعة أوضاع السلام والبعد الإنساني في إقليم تيغراي، كان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكد مجدداً دعم الولايات المتحدة لاتفاق السلام، وقال في تغريدة في 23 نوفمبر الحالي، إنه أجرى محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبيي أحمد، أكد خلالها على وقوف الولايات المتحدة مع إثيوبيا ودعم عملية السلام، وآلية المراقبة والتحقق التابعة للاتحاد الأفريقي لتنفيذ الاتفاق، مضيفاً أنه شدد على الحاجة لتنفيذ اتفاق السلام ووصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وإعادة الخدمات الأساسية في إقليم تيغراي".
لا تكفي
في المقابل، علق الصحافي الإثيوبي أنور إبراهيم على مسألة تدفق المساعدات الإنسانية وما ترسمه بعض البيانات مقارنةً مع واقع الظروف الإنسانية القاسية التي يعيشها إنسان إقليم تيغراي، فقال إن بيانات صادرة عن بعض المنظمات غير دقيقة، إذ إن "الواقع على الأرض يؤكد أن ما يدخل إلى الإقليم غير كاف وبسيط جداً بالنسبة إلى المتضررين من الأهالي في الإقليم، بخاصة وأن فترة الإغلاق التي استمرت لعامين أدت إلى أضرار كبيرة وجسيمة".
وأفاد الصحافي الإثيوبي "حتى الآن، ما يصل من مواد إغاثية وإنسانية قليل جداً بحسب الواقع الإنساني"، وأشار إلى تصريح لممثل برنامج الغذاء العالمي في إثيوبيا، كلود جيبيدار، الذي قال إن "عمليات تسليم المساعدة داخل تيغراي لا تتوافق مع الاحتياجات، حيث يحتاج برنامج الغذاء العالمي وشركاؤه بشكل عاجل إلى الوصول إلى جميع أنحاء المنطقة لتقديم المساعدة الغذائية إلى نحو 2.3 مليون شخص هناك".
ورأى إبراهيم أنه "ينبغي توسيع النشاط، فضلاً عن تسريع الدعم والإغاثة لتستجيب للحاجة الملحة لكل المتضررين عبر تحركات عالمية وأممية مكثفة، تسهم بشكل أفعل في سد فجوة احتياجات السكان". وفي ما يتعلق بأبعاد السلام على جملة الأوضاع الإنسانية، أضاف "أعتقد أن أهم عنصر في اتفاقية السلام هو تسهيل وصول المساعدات إلى كل المناطق المتضررة وتكثيفها، وإن لم يتحقق هذا الهدف قد نواجه تحديات وعراقيل عدة ونقداً دولياً"، مشيراً إلى أن "إخراج الأزمة الإنسانية إلى بر الأمان هو الأهم حالياً".