يفرض السياق الإقليمي والدولي على الدبلوماسية التونسية تحديات جديدة، خصوصاً منذ 25 يوليو (تموز) 2021، ودخول تونس في مسار مغاير عمّا كانت فيه قبل ذلك.
ومن بين الملفات ذات العلاقة بالبعد الجغرافي والأبعاد الاستراتيجية الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، هو الملف الليبي بالنظر إلى تعقيدات الوضع الداخلي في الدولة المجاورة، وما يفرزه من ضرورة الانتباه إلى أشكال التعاطي الدبلوماسي مع هذا الوضع الخصوصي.
وعلى رغم أهمية الملف الليبي وحساسيّته، يلاحظ متابعون غيابه عن الأجندة الدبلوماسية في تونس. فما هو واقع التعاطي التونسي مع الوضع في ليبيا، وهل لتونس دور في حل الأزمة الليبية؟
تونس غائبة دبلوماسياً في ليبيا
لفت وزير الشؤون الخارجية الأسبق، خميس الجهيناوي، في حلقة نقاش عنوانها "الحرب الروسية على أوكرانيا، وتداعياتها السياسية والاقتصادية الدولية والإقليمية في تونس"، إلى أن "تونس غائبة دبلوماسياً في ليبيا ولا تلعب أي دور في حل الأزمة الليبية، وتقف في موقع المتفرج".
أضاف الجهيناوي أن "الملف الليبي يعيش أزمة كبيرة، ومسار السلام متوقف، وتونس غائبة عن الساحة الليبية، ولا مبادرات من شأنها تعزيز دورها في هذا الملف".
إقرار وزير الخارجية الأسبق بغياب تونس عن الملف الليبي يتقاطع مع رأي الدبلوماسي السابق عبدالله العبيدي الذي يؤكد لـ"اندبندنت عربية" أن "تونس لا يمكن أن تضطلع بدور وحدها بعدما فقدت شبكة من العلاقات الدولية التي كانت تسمح لها منذ الاستقلال بلعب دور، وباتت تونس في وضع اقتصادي صعب وتخضع أحياناً لبعض المساومات، ومواقفها بالنسبة إلى الملف الليبي تتغير بحسب السياقات".
ويرى العبيدي أن "تعقيدات الوضع الداخلي الليبي أربكت الدبلوماسية التونسية التي تكون تارة مع حكومة عبد الحميد الدبيبة وطوراً مع حكومة فتحي باشاغا". ويقول في هذا السياق "لم تعد لنا بوصلة واضحة، بينما تونس منشغلة بالملفات الاقتصادية والمالية والاجتماعية على حساب السياسة الخارجية".
يضيف الدبلوماسي السابق أن "القيادة التونسية لم تحسن تنظيم الجبهة الداخلية المنقسمة إزاء الملف الليبي باعتبار أن المواقف السياسية التونسية متناقضة إزاء الأزمة الليبية، وهناك أحزاب تعلن ولاءها لتركيا وأخرى مصطفة وراء الموقف الأميركي أو الأوروبي".
ويصف العبيدي زيارة الدبيبة إلى تونس بـ"العادية"، لافتاً إلى أن "الموقف الرسمي التونسي تجاه الوضع في ليبيا غير واضح". ويدعو إلى "توحيد الموقف الداخلي وبلورة خط دبلوماسي يضمن مصالح تونس ويخدم الوضع في ليبيا".
ويشير العبيدي إلى "شغور أكثر من ثلاثين موقعاً دبلوماسياً تونسياً في عدد من الدول العربية والأوروبية"، ما يسهم في "غياب ثمار السياسة الخارجية لتونس".
حياد تونس مطلوب لحل الأزمة
"تتداخل في علاقات تونس وليبيا الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، لذلك فإن تونس مدعوة إلى التفاعل الإيجابي مع هذا الملف، من خلال احتضان حوار وطني ليبي لأن حل الأزمة في ليبيا لن يكون إلا ليبياً"، وفق أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة التونسية منتصر الشريف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشدد الشريف على "ضرورة أن تقف تونس على المسافة نفسها من طرفي الحكم في ليبيا من أجل أن تضطلع بدور فعال في الأزمة الراهنة".
ويضيف أن "تونس في الوقت الراهن شبه غائبة عن الملف الليبي لانشغالها بوضعها الداخلي"، لافتاً إلى أنه "قبل 25 يوليو (تموز) 2021 كان موقف تونس واضحاً رافضاً لحكومة الشرق وخليفة حفتر، لأسباب أيديولوجية زمن حكم حركة النهضة المساندة لمن يمثل الإسلام السياسي في الحكم في ليبيا".
ويقول إن "الدبيبة يسعى لكسب تأييد تونس واستثمار الزيارات المتتالية لدعم موقف حكومته في طرابلس"، محذراً من "وقوع تونس في الخطأ نفسه، من خلال تقربها من الدبيبة على حساب باشاغا، وهو ما ينزع عنها أي إمكانية لتقديم مبادرة لحل الأزمة في ليبيا، لأنها ستبدو منحازة إلى طرف على حساب الآخر".
ويعتقد أن "مفتاح الأزمة الليبية يكمن في إجراء انتخابات تفرز سلطة شرعية، إضافة إلى توحيد الجيش الليبي ووضع حد لانتشار السلاح في البلاد".
ويخلص الشريف إلى أن "الدبلوماسية التونسية في أسوأ حالاتها، إذ فرّطت تونس في فترة عضويتها في مجلس الأمن الدولي باقتراح مبادرات سياسية لمعالجة عدد من القضايا الدولية أو الإقليمية".
استعداد تونس لاحتضان حوارات ليبية
تجدر الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية قيس سعيد أكد في مناسبات عدة أن حل الأزمة الليبية "لن يكون إلا من داخل ليبيا وحدها".
وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية التونسية أن وزير الخارجية عثمان الجرندي أبدى استعداد تونس لتقديم التسهيلات لاحتضان حوارات بين الليبيين، داعياً إلى ضرورة "مساعدة الأشقاء في ليبيا" على البناء على القواسم المشتركة التي تجمعهم للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة تعيد لليبيا استقرارها وتحول دون تفاقم الأوضاع في المنطقة".
وكان رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبدالله باتيلي أشاد بموقف تونس "البنّاء والمتزن" إزاء التطورات في ليبيا، معرباً عن امتنانه لتونس لما تقدمه من مساندة متواصلة لجهود الأمم المتحدة في ليبيا.
يُذكر أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، الدبيبة، وصل إلى تونس في 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، على رأس وفد بدعوة من رئيس الجمهورية، وتستمر الزيارة يومين، فهل تكون بداية مرحلة جديدة للدبلوماسية التونسية في التعاطي مع الملف الليبي؟