نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توقعاتها للسنوات القليلة المقبلة في البلدان الـ38 الأعضاء في قائمة الاقتصادات الأبرز. وإذا كان المرء يرغب في مراهنة، من الأفضل له أن يتجنب المملكة المتحدة. ذلك أن نادي البلدان الغنية يعتقد أن هذا البلد سينافس روسيا على المرتبة الأخيرة.
هذا صحيح، روسيا، المنشغلة بغزو أوكرانيا والخاضعة إلى عقوبات دولية غير مسبوقة نتيجة لذلك. ذلك أن اقتصادها مستدام من خلال بيع الهيدروكربونات في مقابل تخفيض لكل مشتر لهذه المواد تستطيع العثور عليه. ومن المؤسف أن سوق الوقود الأحفوري لا تزال حيوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعني الحرب الروسية أن العالم يتأقلم مع "صدمة ضخمة على صعيد أسعار الطاقة".
وهذا هو الوقود الاقتصادي الملوِّث الذي يغذي التضخم المرتفع الذي يشهده العالم المتقدم. وتُرفَع معدلات الفائدة في محاولة للسيطرة عليه، ما يكبح الاقتصادات التي تجاوزت للتو جائحة "كوفيد-19". لكن بريطانيا تشهد تراجعاً صعباً.
وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حدوث انكماش بنسبة 0.4 في المئة العام المقبل، يعد أسوأ من توقعات ألمانيا (0.3 في المئة) وإن كان ليس سيئاً بقدر ما توقعه مكتب مسؤولية الميزانية (تراجع بنسبة 1.4 في المئة).
ومن المتوقع في الوقت نفسه أن تشهد روسيا انكماشاً بنسبة 5.6 في المئة. أظن أنكم قد تجادلون بأن بريطانيا في وضع سيء، تليها روسيا.
بناء على ذلك، إليكم المشكلة الحقيقية. من المتوقع أن تعاود ألمانيا الانتعاش العام التالي (2024)، إذا كان بوسعكم أن تعتبروا نمواً ضعيفاً بنسبة 1.5 في المئة معاودة انتعاش.
لكن نسبة 1.5 في المئة تبدو كإحدى سيارات "بي أم دبليو" الفاخرة التي تصنعها تلك البلاد مقارنة بالسيارة القديمة التي لا تفصلها عن فرنسا سوى بضعة أميال من البحر. وفق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تتجه المملكة المتحدة إلى أن تحقق نمواً بنسبة 0.2 في المئة عام 2024، وهو النمو نفسه، يا للهول، الذي ستحققه روسيا. وهكذا عام 2024، تنتقل المملكة المتحدة من ثاني أدنى رتبة إلى الرتبة الأدنى المشتركة.
الآن أعلم أن هذه مجرد توقعات وينطوي توقع ما يحدث لروسيا في شكل خاص على قدر كبير من التخمين. قد يكون أداؤها أسوأ بكثير. وقد يكون أداؤها أفضل. يعتمد هذا كله على ما يفكر فيه فلاديمير بوتين. من يدري أو يجرؤ على الحلم بما يفكر فيه بوتين؟
أما مسار المملكة المتحدة فأسهل توقعه بكثير لأن جيريمي هانت عرض هذا المسار بوضوح ولأن وزير المالية غير مرشح للرحيل. وكذلك ريشي سوناك. لقد تأكد المحافظون، المنقسمون والمشاكسون، أن تغيير زعيمهم للمرة الثالثة في البرلمان لن ينجح في تحقيق نتائج طيبة لهم بغض النظر عن كراهية بعضهم لرئيس الوزراء (بعضهم يكره رئيس الوزراء حقاً).
وتلاحظ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن المملكة المتحدة لا تعتمد على صادرات الطاقة الروسية، لكنها "تستورد الغاز والطاقة الكهربائية من القارة خلال الأشهر الأكثر برودة". وتضيف: "قد يهدد شتاء بارد في شكل خاص بتعطل الإمدادات، وهذا من شأنه أن يعرض الاقتصاد إلى موجة متدفقة من انقطاعات التيار الكهربائي". نعم، سيشاهد الناس توقعات الطقس والتوقعات البعيدة الأجل، ولا سيما في الإدارة العامة هذا العام.
ونعرف بقية الموضوع. يضغط ارتفاع معدلات الفائدة وتصحيح أوضاع المالية العامة على النمو. ولا تزال المملكة المتحدة تشهد كثيراً من تداعيات القرار الذي اتخذته ليز تراس وكواسي كوارتنغ بقيادة السيارة مباشرة إلى جدار حجري من ضمن حملة أيديولوجية.
لا شك في أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لا تعبر عن هذه الحقيقة بهذه المصطلحات. كذلك تذكر "بريكست" في شكل غير مباشر فقط. تقول "من شأن إحراز مزيد من التقدم في الاتفاقات التجارية أيضاً أن يدعم النمو".
وغني عن القول إن هذه الاتفاقات لم تكن لتشكل ضرورة لو ظلت المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، إذ كانت تشكل جزءاً من أكبر سوق موحدة للبضائع والخدمات على مستوى العالم.
والحقيقة الصعبة هي أن العديد من المشكلات التي تعاني منها المملكة المتحدة، والتي حددتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية صراحة أو ضمناً، كانت نتيجة للقرارات (السيئة) التي اتخذتها الحكومة. وهي عواقب أخطاء كان يمكن تجنبها.
كان "بريكست"، والقرار باعتماد أصعب نسخة ممكنة منه، الخطأ الأكبر على الإطلاق.
لقد أصبح الاقتصاد الروسي في حالة من الجمود العميق نتيجة لحربه والعقوبات المفروضة عليه. وشرعت بريطانيا في عهد ديفيد كاميرون في حرب غير أهلية بلغت ذروتها بفرض بريطانيا عقوبات على نفسها.
الواقع أن نتائج هذه العقوبات ترد في مختلف أنحاء رسالة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حتى ولو لم توضحها المنظمة.
© The Independent