خلال إقامتها الفنية في لاس فيغاس يوم الأحد الماضي، التقطت أديل صورة سيلفي مع إحدى المعجبات. لم يكن في الموضوع أي شيء يوحي بالغرابة على الإطلاق. إلى أن رأت أديل شكل وجهها بعد تعديله بسبب إعدادات كاميرا هاتف المعجبة. لم تعد أديل نفسها التي نعرفها. فأديل هذه، التي كانت تحدق في وجه المغنية من الهاتف، كانت بشرتها تميل إلى اللون البرتقالي وفكها مصقولاً. أما شفتاها فكبيرتان بشكل مضحك وعيناها زرقاوان تلمعان. تفاجأت أديل وقالت، "يا إلهي، ماذا فعلت بوجهي؟ لا نبدو على هذه الشاكلة [ليس شكلي الحقيقي] يا عزيزتي!" فقد أخضعت صورها للفلتر رغماً عنها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عند إطلاق منصة "إنستغرام"، سمي فلترا تعديل الصور في التطبيق "ميامي" و"سيبيا"- كانا يغيران ألوان الصور التي توضع عبر نظامهما، من دون أن يعدلا شكل الأشخاص أنفسهم. لكن الآن تغيرت وظيفة الفلتر بسبب التكنولوجيا المتأصلة فيه التي يمكنها أن تغير ملامح الوجوه بنقرة واحدة. أحد الفلاتر المنتشرة كثيراً، والمسمى "عيون ملونة"، يزيل كل الشوائب من بشرة الأشخاص ويزيد حجم شفاههم، ويورد خدودهم. يمكن أن تغير لون عينيك ليصبح بلون الأزرق المائل إلى الخضرة أو البنفسجي البراق. معظم الفلاتر المرغوبة جداً ترفع الخدين، كما لو أن الشخص حقن وجهه بإبرة حشو تحت الجلد. والأكثر من ذلك بعد، يمكن أن يجعل "فلتر النحافة" في تيك توك جسدكم يبدو أنحف. أما فلتر "الوجه المثالي" على إنستغرام (نعم، حقاً) فيعدل معالم الوجه لكي تصبح متناسقة بشكل غير طبيعي.
مثلما حدث مع أديل، صور وجهي مع فلتر رغماً عني. الصيف الماضي، طلبت مني صديقة أن نلتقط صورة معاً خلال حفلة منزلية. وافقتها. لكن في الصورة، يبدو خداي كما لو أن جنياً بيدين صغيرتين جداً قد قرصهما ثم رفعهما. أما أنفي، فقد أصبح رفيعاً ولامعاً. كانت الصورة مربكة جداً. شعرت كأن وجهي تحول إلى مزيج مثير لكيم كارداشيان وبيلا حديد.
في أغلب الأحيان، من غير المريح أن يجبر المرء على تغيير وجهه باستخدام الفلتر حتى عندما تكون أسباب تحوير الصور معروفة. برأي فيليبا ديدريكس، المعالجة النفسية في مركز أبحاث المظهر ( Centre of Appearance Research ) التابع لجامعة غرب إنجلترا "عبر التاريخ، درجنا على مقارنة أنفسنا بصور مثالية. خلال القرن الماضي، بدأنا بمقارنة أنفسنا بالصور التي يعرضها الإعلام- المشاهير وعارضو الأزياء ونجوم الأفلام. لكن الفارق الآن هو أننا نقارن أنفسنا أيضاً بنسخ مشوهة رقمياً عن أنفسنا".
لقيت صانعة المحتوى الرقمي المتعلق بالطعام والشراب سابينا (@girlvsglobe) استحساناً على تيك توك في أغسطس (آب) بعد أن تعمدت استعمال فلتر على أحد فيديوهاتها عدل بشرتها كلياً. واعترفت لمتابعيها "أضيق ذرعاً بالفلاتر الشبيهة بهذا. إنه يبدو رائعاً لكن شاهدوا ما يحدث عندما أزيل (تأثير) التجميل". وتظهر في الفيديو وهي تنقر الشاشة وتغلق الفلتر فتكشف بشرتها الحقيقية. وتقول "لا يبدو مظهري سيئاً. لكن عقلي اعتاد كثيراً على رؤية وجهي يتغير ليصبح هذه النسخة البلاستيكية الخالية من الشوائب عن نفسي".
وجدت دراسة أجرتها جامعة سيتي في لندن أن 90 في المئة من النساء اللاتي شاركن في استطلاع رأي استخدمن الفلتر بسبب شعورهن بالضغط لكي يظهرن بمظهر معين على وسائل التواصل الاجتماعي. كما وجد الباحثون أن أكثر استخدامات الفلاتر شيوعاً هو تفتيح لون البشرة وإزالة الشوائب منها، وتبييض الأسنان وإزالة أي لحم إضافي رقمياً. وهي منتشرة إلى درجة تجعلها تؤثر على الأجيال الأصغر عمراً كذلك. وفقاً لاستطلاع الرأي السنوي غيرل غايدينغ (Girl Guiding)، تقول 77 في المئة من الفتيات بين 11 و16 عاماً إنهن لا يشعرن بأنهن يتحلين بقدر كاف من الجمال.
وفقاً لآخر الدراسات التي أجرتها ديدريكس مع مشروع دوف سيلف إستيم (تحسين الثقة بالذات)، تستخدم 80 في المئة من الفتيات قبل بلوغهن الثالثة عشرة، فلتراً. وتضيف أن مساوئ هذا الموضوع كثيرة، وأهمها الرسائل التي يحملها الفلتر في موضوع الجمال. وتقول "هي تتوافق مع معايير الجمال في يومنا هذا، التي تتركز بطبيعتها حول المظهر الأوروبي، لكن من المستحيل بالنسبة إلى معظم الناس تحقيقها من دون تدخل جراحي. تتوفر بعض الفلاتر التجريبية التي تعبر عن نزعة فنية وإبداعية. لكن المشكلة هي حين تكون الفلاتر مصممة بشكل يحافظ على استمرارية معايير الجمال الضيقة ويجاريها، فيما ترتبط هذه المعايير بالمظهر الذي يستند إلى الأفكار النمطية والمعايير الجنسانية".
بالإضافة إلى تعديلها هيكلية معالم وجه الشخص، صممت العديد من الفلاتر كذلك بحيث تفتح لون بشرة الأشخاص في الصورة. وقد تضيف بعض الفلاتر سمرة على وجه الشخص وجسده، لكنها عادة تكون أشبه بصبغة برتقالية أضيفت إليها طبقة بيضاء. وتقول ديدريكس "تساهم هذه الفلاتر باستمرارية أفكار متحيزة على نطاق أوسع قائمة على المظهر (وتستمد أصولها من) العنصرية والتمييز على أساس لون البشرة، كما الأفكار المسبقة التي تغذي التنميط الجنساني".
يحذر الخبراء من استخدام تطبيقات تعدل الصور مثل فايس آب كما فلاتر الصور ولا سيما لمن لديهم قلة ثقة بشكل جسدهم. وتقول ديدريكس "عندما ينظر الناس بشكل سيئ إلى أجسادهم، هم معرضون أكثر للإصابة باضطرابات تناول الطعام والاحتمالات أكبر بكثير أن يفكروا في خيارات إجراء عمليات تجميلية جراحية يصاحبها خطر طبي ومالي. منا أن الاحتمال كبير بأن يعانوا من قلة ثقة بأنفسهم وقلق مرضي واكتئاب".
هذا يعني كذلك أن وضع فلتر على صورة أحد آخر ليس تصرفاً غير مؤذ تماماً، خلافاً لما قد تعتقدونه. ربما لا ترتبط الفلاتر مباشرة بالقلق أو اضطراب التشوه الجسدي، ولكنها تشكل جزءاً من ثقافة جمال أوسع نطاقاً تساهم في تأجيج أزمة ثقة بالنفس. لكننا نعلم هذا أساساً. عندما قالت أديل لمعجبتها إن السيدتين في الصورة أمامهما لا تشبهانهما في الحقيقة، أومأت السيدة برأسها معترفة بذلك، وسمع صوتها وهي تقول "أعلم ذلك". لكن هذا ما تفعله الفلاتر: تجعلك مدركاً جداً لتفاصيل وجهك ومنتبهاً جداً لما يجب أن تغيره فيه على ما يبدو. لماذا قد ترغب بفرض هذا الأمر على شخص آخر أيضاً؟
© The Independent