هاجم الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يتمتع بتأثير قوي، السبت الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، المسار السياسي للرئيس التونسي قيس سعيد، بما في ذلك الانتخابات المقررة هذا الشهر قائلاً إنه لن يقبل تهديد الديمقراطية، في أوضح تحد ومعارضة لخطواته حتى الآن.
ويقول الاتحاد، إنه يضم أكثر من مليون عضو وأثبت قدرته على شل الاقتصاد بالإضرابات، وكان قد أيد في البداية قرارات الرئيس قيس سعيد، وأعرب في أحيان أخرى عن معارضة فاترة له بعد أن سيطر على معظم السلطات العام الماضي.
مهما كان الثمن
وقال نور الدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل في كلمة ألقاها أمام حشود كبيرة من العمال في قصر المؤتمرات بالعاصمة "لم نعد نقبل المسار الحالي بسبب التفرد والغموض والمفاجآت غير السارة التي يخفيها لمصير البلاد والديمقراطية".
وأضاف في أقوى تصريحاته معارضة للرئيس حتى الآن "لن نتردد في الدفاع عن الحقوق والحريات مهما كان الثمن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأغلق سعيد البرلمان المنتخب العام الماضي وتحرك للحكم بمراسيم قبل كتابة دستور جديد تم إقراره هذا الصيف في استفتاء بمشاركة ضعيفة، ما يمهد الطريق لإجراء انتخابات لمجلس تشريعي جديد بصلاحيات ضعيفة في 17 ديسمبر الحالي.
وتقاطع معظم الأحزاب السياسية الاقتراع قائلة، إنه لن تكون للبرلمان الجديد سلطة، مضيفة أن إجراءات غير شرعية أصدرها الرئيس تشمل وضع هيئة الانتخابات تحت سلطته وإضعاف الجهاز القضائي.
وينفي سعيد الاتهامات ويقول، إنه يسعى لإصلاح البلاد وتطهيرها بعد عقد من الخراب والفوضى واستشراء الفساد.
لا لون لا طعم
وقال الطبوبي، إن انتخابات ديسمبر "لن يكون لها لون ولا طعم"، معتبراً أنها "نتيجة لدستور يفتقر إلى الإجماع الوطني والتشاركية".
وشجب منتقدو الرئيس منذ الصيف الماضي تحركاته التي قال، إنها ضرورية لإنقاذ تونس، ووصفوها بأنها انقلاب، وقاموا باحتجاجات متكررة في الشوارع.
لكن على الرغم من أن الاتحاد العام التونسي للشغل أعرب عن قلقه من بعض الخطوات، فإنه لم يعارض أجندته بشكل علني وواضح باستثناء إضراب في الصيف ضد الإجراءات الاقتصادية للحكومة.
واقترحت الحكومة هذا العام، مع تدهور الاقتصاد، خفض الدعم وإعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة في محاولة لإنقاذ الاقتصاد وسعياً للحصول على حزمة إنقاذ مالي من صندوق النقد الدولي اللازمة لتجنب إفلاس المالية العامة، وأغضبت هذه الخطوات اتحاد الشغل.
وقال الطبوبي "نحذر الحكومة من أي إجراء يستهدف السلع الأساسية ويدفع إلى تجويع الشعب، ونعتبر أن الاتفاقيات السرية التي أبرمتها الحكومة مع صندوق النقد الدولي غير ملزمة للعمال، وسيتصدون لها".
نحو استعادة الموقع
ويعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل أكثر المنظمات تأثيراً في السياسات العمومية بالمجالين الاقتصادي والاجتماعي في البلاد عبر تاريخها السياسي منذ الاستقلال إلى اليوم.
ويستمد الاتحاد شرعيته من رصيده في التفاعل مع مختلف المتغيرات السياسية التي عاشتها البلاد، من خلال إحداث التوازن بين مطالب الطبقة الشغيلة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتوخاها الحكومات التي تعاقبت على حكم تونس.
بعد 2011 اضطلع اتحاد الشغل بدور ريادي في رسم ملامح المشهد السياسي، وبات إحدى ركائز الاستقرار ولعب دور الوسيط عندما تعرضت البلاد للاهتزاز، وتقدم بمبادرة للحوار الوطني سنة 2013، نال على إثرها بمعية بقية المنظمات الوطنية (اتحاد الصناعة والتجارة وعمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان) جائزة "نوبل" للسلام عام 2014.
وعند انسداد قنوات التواصل بين مؤسسات الحكم في تونس (البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية)، ما بين 2019 و2021، أي قبل لحظة 25 يوليو (تموز) 2021، تقدم بمبادرة للحوار من أجل إنقاذ البلاد من الأزمة السياسية ومن الانقسام والصراع على الحكم، إلا أنها لم تلق الآذان الصاغية من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد.
ويتميز الاتحاد العام التونسي للشغل بتركيبة هيكلية شديدة التنظيم والتماسك، ويملك قاعدة عمالية متينة تزيد على 800 ألف منخرط، وأكثر من 10 آلاف نقابة في الإدارات والمرافق العمومية، وبعض مؤسسات القطاع الخاص، وهو قادر على التأثير في المشهد السياسي، من خلال التعبئة الشعبية وامتداده الجغرافي بأعماق الجمهورية التونسية.
وإزاء تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية واهتراء المقدرة الشرائية للتونسيين، علاوة على حال الانقسام السياسي الذي تعيشه البلاد، لوح الاتحاد بالنزول إلى الشارع، دفاعاً على حقوق المواطنين، وخصوصاً الأجراء منهم.
الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي وصف المرحلة التي تمر بها تونس بـ"الحرجة للغاية" بسبب "ارتفاع الأسعار وعدم قدرة المواطن على تحملها".
وشدد الطبوبي، في افتتاح مؤتمر الجامعة العامة لعملة التربية، على أن المنظمة "مستعدة لكل المحطات المقبلة"، وأن "النقابيين مستعدون للخروج إلى الشارع حال تواصل المس بالمقدرة الشرائية، وفي ظل غياب العدالة الجبائية وبقاء الأجراء أكثر الفئات استهدافاً واستغلالاً في الجباية والظلم المسلط عليهم، بالتزامن مع "عدم قدرة الدولة على التصدي للتهرب الجبائي".
كما أكد الطبوبي أن "الاتحاد لن يسمح بالمساس بالحريات وبحقوق الإنسان، وأنه لا مجال للعودة لتكميم الأفواه أو محاكمة الأفراد على مواقفهم أو آرائهم".
وتجمع المواقف السياسية من تلويح أمين عام الاتحاد بالنزول إلى الشارع على قدرة المنظمة الشغيلة على التعبئة الجماهيرية، لكنها تعتبر أن الاتحاد الذي خسر مكانه خلال المرحلة السياسية التي تلت لحظة 25 يوليو (تموز) 2021، يستجمع قواه من أجل استعادة المبادرة، ليلعب دوره الطبيعي في التوازن السياسي بالبلاد.