تفاجأ عديد من المغاربة أخيراً بخبر لجوء قوات الدرك المغربي إلى استعمال طائرة من دون طيار "درون" لمداهمة مخزن سري يضم أطناناً من سنابل القنب الهندي في ضواحي مدينة العرائش شمال البلاد.
وبات المغرب يعول في الآونة الأخيرة كثيراً على "الدرونات" لأهداف وغايات عسكرية وأمنية وزراعية أيضاً، وإن كان التركيز الأكبر ينصب على إبرام صفقات لاقتناء "طائرات من دون طيار" ذات مهام ووظائف عسكرية دقيقة.
"درونات" تطارد المجرمين
وكان اعتقاد كثيرين أن المغرب يستخدم "الدرونات" فقط في مهام عسكرية أو حتى مدنية، لكن الواقع يشير إلى أن السلطات المغربية تلجأ أحياناً إلى هذا النوع من الطائرات المتطورة لملاحقة المجرمين أو مداهمة مخازن المخدرات. ونجحت طائرة من دون طيار، تابعة لجهاز الدرك الملكي (قوات أمنية في القرى المغربية)، قبل أيام خلت، في ضبط وكشف مخزن سري يضم زهاء 18 طناً من "القنب الهندي" في نواحي مدينة العرائش.
وصارت السلطات الأمنية المغربية تتجه إلى الاستفادة من خدمات "الدرونات" خصوصاً في المناطق الجبلية التي يأوي إليها مروجو المخدرات، لا سيما مخدر "الشيرا" الذي يستخلص من "القنب الهندي"، ومن ثم تصديره إلى مناطق مختلفة.
وتتيح "الدرونات" لأجهزة الأمن ومصالح الدرك المغربي مراقبة تجار المخدرات، والمستودعات التي يضعون فيها سنابل القنب الهندي، وذلك في سياق اعتزام المغرب تقنين هذه النبتة وتحويل زراعتها لاستعمالات طبية وعلاجية بالأساس.
وقبل "حادثة العرائش" الأخيرة أسهمت إحدى "الدرونات" بمدينة الشماعية في توقيف تاجر مخدرات، كما تم اعتقال تاجر آخر في مدينة الفنيدق (شمال البلاد) متورط في تهريب شحنات من المخدرات والمؤثرات العقلية بفضل "درون" متخصصة في مثل هذه العمليات.
صفقات وازنة
وفي الجانب العسكري، يواصل المغرب اقتناء "درونات" تحلق خصوصاً في منطقة الصحراء حيث تواجه وتراقب تسلل مقاتلي جبهة البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة.
وفي آخر الحوادث، معلومات متطابقة تناولتها مواقع إخبارية في شأن قصف الجيش المغربي، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بواسطة "درون" حربية سيارتين عسكريتين في حوزة جبهة البوليساريو حاولتا اختراق المنطقة العازلة باتجاه الجدار الأمني الدفاعي الذي أقامه المغرب في الصحراء.
ويميل المغرب لعقد صفقات "الدرونات" مع كل من تركيا وإسرائيل على وجه الخصوص، إذ إن الجيش المغربي حصل أخيراً على أسطول من 12 طائرة حربية من دون طيار، من طراز "بيرقدار TB-2"، المعروفة بمهاراتها وقدراتها القتالية والاستخباراتية.
وفي السياق ذاته، توجهت الرباط صوب إسرائيل للحصول على "درونات" حربية، مستثمرة أجواء العلاقات الدبلوماسية الجيدة التي تربط بين الطرفين بعد توقيع "اتفاق أبراهام" برعاية الولايات المتحدة، إذ حصل قبل أسابيع على أكثر من 150 "دروناً". ويسعى المغرب إلى تشييد مصنعين لطائرات "الدرون" بإشراف إسرائيلي، وفق ما أوردته منابر إعلامية إسرائيلية، سيتيحان للمملكة إنتاج طائرات مقاتلة من دون طيار مكلفة مهام الاستطلاع والهجوم، بكلفة مالية أقل، وذلك تنفيذاً لبنود اتفاقية عسكرية ثنائية تجمع بين الرباط وتل أبيب.
"درونات" حربية
ويقول في هذا الصدد الخبير في الشأن الاستراتيجي والعسكري محمد عصام لعروسي إن استعمال المغرب "الدرونات" في مختلف الاستعمالات العسكرية والاستخباراتية والأمنية والمدنية وحتى في القطاعات الإنتاجية والفلاحية، يندرج أساساً في مواكبة التطور التكنولوجي الذي شهدته الحروب والاستعمالات غير الكلاسيكية لهذه الأسلحة غير التقليدية. وأوضح لعروسي أن "الدرونات" أثبتت فعاليتها في ضرب الأهداف القريبة المتوسطة والبعيدة، وفي مجال الاستخبار ومسح بعض المناطق ومراقبة الحدود، مضيفاً أن استعمالاتها مكثفة ومتنوعة مما يفسر توجه المغرب نحو توقيع صفقات وازنة. ولفت إلى أن "المغرب يعي جيداً أهمية التزود بطائرات حربية غير تقليدية لمواجهة أخطار غير تقليدية، ومواجهة تهديدات آتية من جماعات غير نظامية مثل جبهة البوليساريو المدعومة من طرف الجارة الجزائر بحثاً من المملكة عن تحقيق توازن عسكري واستراتيجي في المنطقة". وتابع لعروسي أن "استخدام المغرب طائرات مسيرة فرضته الظرفية السياسية والسياقات الجيوسياسية، وطبيعة الصراعات التي تشهد مواجهات غير مباشرة وهجمات تستطيع الدرونات مواكبتها"، مضيفاً أن المغرب اختار تعزيز قدراته بهذه "الدرونات" الحربية وأيضاً "الدرونات" لاستعمالات مدنية وفلاحية من قبيل مراقبة المحاصيل الزراعية.
"درونات" زراعية
وقدم المغرب، للمرة الأولى طائرة من دون طيار محلية الصنع في فبراير (شباط) من سنة 2019، تضطلع بمهام زراعية بالأساس من قبيل مراقبة المحاصيل الفلاحية ومعالجتها بالأدوية عبر الجو وأخذ صور دقيقة للأراضي المزروعة والتوقع المبكر للأمراض التي قد تصيب المزروعات والنباتات. وقال مهندسون مغاربة صنعوا هذه "الدرون" المستخدمة لأغراض زراعية، في تصريحات للصحافة المحلية "إنها تمتلك نظاماً استشعارياً متطوراً، ويمكن برمجتها تقنياً لالتقاط صور جوية دقيقة تحدد الأراضي المسقية والمساحات غير المسقية أو التي تحتاج إلى مزيد من الري".
وقال الباحث في الملاحة الجوية عمر أزكون إن استخدام "الدرونات" في المجال الزراعي أمر جديد في المغرب، تمليه الحاجة التكنولوجية إلى تطوير الزراعة في البلاد، بخاصة في سياق مخطط "المغرب الأخضر" الذي يروم تطوير الفلاحة عبر التقنيات المتطورة. وأضاف أن معالجة المحاصيل الفلاحية بواسطة "الدرونات" هو أمل الزراعة المغربية في الوقت الراهن وفي المستقبل، من أجل تجاوز المعوقات والأساليب التقليدية في التسميد مثلاً، كما أنها مربحة من حيث النجاعة والفاعلية وربح الوقت واحترام البيئة أيضاً. ووفق المتحدث ذاته، فإن استعمال "الدرونات" لمراقبة ومعالجة المساحات المزروعة في المغرب لا يزال مهنة غير معروفة بكثرة، كما أن الاشتغال في هذا المجال تعوقه ضرورة الحصول على تراخيص وإجراءات إدارية وجمركية معقدة تتطلب من الدولة التدخل لتيسير العمل بـ"الدرونات" في هذا القطاع.