عندما كنت في سن السادسة عشرة تقريباً، كنت قد بدأت للتو محاولة الانخراط في الحياة الاجتماعية واستجماع الشجاعة اللازمة لأطلب من فتاة ما الخروج برفقتي في موعد (لست لأنني جشعاً، فزملائي في المدرسة كلهم فتيان، ما لم يساعد في الواقع في توفير الفرص الملائمة). كانت مهمتي صعبة كما هي عليه حتى اليوم، لا بل ازدادت صعوبةً لأنه لم يكن لدينا هاتف في المنزل.
لا، "لم نكن نمتلك أحدث جهاز (أيفون)، ولا أحد الهواتف المحمولة الجديدة من طراز (نوكيا)"، بل لم يكن لدينا هاتف في المنزل على الإطلاق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كنا محرومين من أي وسيلة اتصال هاتفية. وكان من الصعب علينا معرفة ما كنا سنفعل في حال تحتم علينا الاتصال بخط الطوارئ 999. كنا نلجأ إلى الجيران، إذا اشتبهنا في أن لديهم إمكانات تسمح لهم بامتلاك هاتف. وإلا بخلاف ذلك (إذا أردنا الالتقاء بالأصدقاء في إحدى الحانات أو بفتيات في دار السينما) كان يتعين من أجل إجراء مكالمة هاتفية جمع عملات معدنية كافية (من فئة بنسين أو 10 بنسات) والسير بحثاً عن أقرب كشك للهاتف، أملاً في ألا يكون الجهاز معطلاً أو محطماً بسبب بعض السلوكيات الشائنة لرزمة من الفتيان. وفي حال فلحت أخيراً في الاتصال بالفتاة التي تعجبك، تفاجأ بأحدهم يقول لك: "لقد خرجت للتو مع أصدقائها". ولا، لم تقل لي والدة سوزان إلى أين ذهبت ابنتها.
ثم يأتي موعد العودة إلى المنزل والجلوس أمام جهاز التلفزيون لمشاهدة برامج مثل ATV Today وCoronation Street ، وPorridge، ونشرة أخبارNine O’clock News ، وPlay for Today، وBilko التي لم تكن في الواقع سيئة للغاية.
في الفترة الأولى المفعمة بالإثارة لحيازتنا الهاتف، لم أكف أبداً عن استخدامه: كنت أتحدث مع الأصدقاء والعائلة في الخارج، وأتصل بدليل الاستفسارات، أو بأي شخص حقاً
الإحباط الناجم عن افتقاري للحياة الاجتماعية كان يزعجني حتى أكثر من حب الشباب، ودفعني في نهاية المطاف إلى إقناع والدتي بالحصول على خط هاتفي خاص بنا. ولأن الخصوصية تشكل أمراً حيوياً، فمن البديهي ألا نقبل بالحصول على ما كان يسمى "الخط المشترك" Party Line - يحدث ذلك عندما تتشارك الهاتف مع الجيران - وهذا يعني أنه سيتعين عليك الانتظار حتى ينتهوا من الثرثرة كي تتمكن من إجراء مكالمة. (كان الأمر أيضاً أقل إثارة للاهتمام مما قد تعتقد أنه يجب عليك الاستماع للأحاديث التي تصل إلى "كو أوب شو فاكتوري" Co-Op shoe factory (معرض فني تعاوني معاصر يقع في "مبنى أندرسون للفنون" في وسط لندن). من جهتي، لم تكن هناك أي جوانب حساسة في حياتي العاطفية كي يقوم الجيران بالتنصت عليها.
في عام 1979، وبعد فترة وجيزة من وصول السيدة مارغريت ثاتشر إلى رئاسة الوزراء - لكن قبل قيامها بإصلاح الاقتصاد - كان لا يزال يتعين عليك الانتظار شهرين حتى تأتي شركة حكومية، هيPost Office Telecommunications (أي بتأخير لمدة 8 أسابيع تقريباً) لتركيب خط هاتفي.
أما هاتف "تريمفون" Trimphone خفيف الوزن على شكل إسفين، فكانت كلفته 25 بنساً إضافياً في الشهر، بحيث يتم استئجاره (لم يكن في وسعك آنذاك شراء أو امتلاك هاتف "خاص بك" على الإطلاق)، لذا فقد كان علينا التعامل مع ذلك النموذج الأسود الذكي التقليدي المألوف للجميع: "ليستر 702903". وكنت فخوراً للغاية به.
أقر بأنه في الفترة الأولى المفعمة بالإثارة لحيازتنا الهاتف، لم أكف أبداً عن استخدامه: كنت أتحدث مع الأصدقاء والعائلة في الخارج، وأتصل بدليل الاستفسارات، أو بأي شخص حقاً. حتى إنني كنت أقوم بتجربة عدد قليل من الأرقام العشوائية في محاولة لإجراء محادثة ما مع أي كان، كمقارنة الطقس في ليستر مع أي شخص كان يجيب على الاتصال بالقول - إنه بارد في بيترهيد، وماطر في تودموردن - وما إلى ذلك.
إلا أن محادثةً عبر الهاتف مع شخص فجع أخيراً بوفاة أحد المقربين إليه، وضعت حداً لتجربتي الصغيرة المرحة في الاتصال بغرباء في مختلف أنحاء الجزر البريطانية.
كنت مولعاً بهذه التسلية الجديدة في حياتنا إلى درجة أنني قمت حتى بالتسجيل في خدمة Dial-a-Disc، التي تمكنك من تحديد، عبر اتصال هاتفي (وليس الكبس على الأزرار)، أحد التسجيلات الموسيقية الأكثر رواجاً وشهرةً في ذلك اليوم. أما الذي يمكنني تذكره من خلال الاستماع بلا توقف للموسيقى، فكان إعادة إصدار ألبوم "غرين أونيونز" Green Onions لفرقة "بوكر تي أند ذا أم جيز" Booker T. & the M.G.s الذي (من خلال المعجزة الحديثة التي حققها البحث في شبكة الإنترنت) يمكنني تأريخه بشهر يناير (كانون الثاني) 1980.
كنت من الحماسة بمكان إلى درجة أنني شعرت بأنني ألكسندر غراهام بيل الذي أجرى أول مكالمة هاتفية على الإطلاق في عام 1876.
لا أستمع لموسيقى البوب على الهاتف كثيراً في الوقت الراهن، باستثناء "يوتيوب" (أضيفها بشكل عرضي وبديهي إلى قائمتي بسهولة وعفوية فائقة). واليوم، يقبع الهاتف الأرضي في إحدى زوايا المنزل، لا يستخدمه أو يبالي به أحد، وكأنه مجرد ملحق احتياطي لشبكة الاتصال عريضة النطاق، لكن الهاتف الذكي لا يزال وسيلتي الأساسية للاتصال. وخلال فترة إغلاق "كوفيد"، كان أقل مضيعة للوقت من تطبيق "زوم"، ووسيلة تتيح التواصل على نحو فوري، والفهم بشكل أكثر سهولة خلال المحادثات الطويلة، من الرسائل النصية أو رسائل البريد الإلكتروني.
عندما تستخدم الهاتف، يمكن أن تضفي بعضاً من السخرية إلى كلامك من دون الحاجة إلى زيادة علامات ترقيم إضافية أو الخشية من التعرض لسوء الفهم، فيما تستطيع التجول في المنزل وتحضير الشاي أثناء تداولك الحديث مع أحد الأصدقاء وتحديد موعد للقاء - أحياناً في الحانة نفسها التي كنا نرتادها في عام 1979.
على عكس "تويتر"، لا تتلقى عبر الهاتف تهديدات بالقتل (حسناً ليس كثيراً). ولا يزال الوسيلة التي أتمسك بها للبقاء من خلالها على اتصال بالآخرين، تماماً كما كان عندما اكتشفته لأول مرة، حتى إنني في الواقع لم أعد أدري كيف يمكنني أن أتدبر أمري من دون هاتف.
© The Independent