أمسى الإعلامي المصري مفيد فوزي اليوم "حديث المدينة"، وهو عنوان برنامجه الأشهر على التلفزيون المصري قبل سنوات، إذ استحوذ خبر وفاته على دوائر الاهتمام ومحاولات التقصي وكثير من مساحات الذكرى، فهو الرجل الذي حقق انتشاراً واسعاً في وقت كانت الشهرة صعبة المنال، وكان الجميع يعرفونه حتى الصغار المتسائلين "من هذا الرجل الذي يعطينا جانباً من وجهه فقط، أو ظهره بالكامل، ولا يكترث لمواجهة الكاميرا مثل الآخرين"؟
مفيد فوزي الذي غادر الحياة عن 90 عاماً بعد مناوشة مرضية أخيرة استغرقت أربعة أسابيع تقريباً إثر معاناته من ضيق القنوات المرارية، كان قبل ذلك بوقت قصير ضيف أحد البرامج، وكالعادة تحدث بصراحته المعهودة عن وجهة نظره في الناس والوقائع، مثلما لم يكترث قديماً لمنتقدي تجاربه البرامجية وطريقته في إدارة الحوار عندما كان يداهم ضيفه بالقول "تسمحلي أسألك؟" ثم يطلق سؤاله الذي عادة ما يكون لاذعاً وغير متوقع.
الصحافي التلفزيوني
ولد مفيد فوزي في الـ 19 من يونيو (حزيران) 1933 بمحافظة بني سويف جنوب مصر، ودرس بكلية الآداب في جامعة القاهرة، وبدأ مسيرته الصحافية في المؤسسة العريقة "روز اليوسف"، إذ عرف بكتاباته في مجلتها "صباح الخير"، كما اتجه نحو العمل بالإذاعة وشارك في صنع عدد كبير من برامجها، سواء مع زوجته المذيعة آمال العمدة أو الإعلامية سناء منصور أو سامية صادق، ثم أصبح مذيع راديو وكذلك كانت له إسهامات كثيرة في البرامج الفنية بإذاعات عربية عدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما نقطة التحول في مسيرته فهي أنه أخذ الصحافة وتلفزها، إذ كان من أوائل الإعلاميين العرب الذين نقلوا فن التحقيق الصحافي إلى الشاشة وعرضه مصحوباً بمؤثرات تناسب الجمهور، وخلال مشواره حاور على الورق وعلى الشاشة كبار نجوم الفن والإعلام والأدب والسياسة، وهي اللقاءات التي تحتفظ ذاكرة "يوتيوب" بكثير منها، خصوصاً أن تسجيل حلقاته كان يستهوي الهواة والمحترفين والمتندرين أيضاً.
وبالطبع كان مفيد فوزي محظوظاً، إذ جاءته فرصة الظهور التلفزيوني مطلع ثمانينيات القرن الماضي حين كان عدد القنوات قليلاً، والطريق ممهد لإثبات الجدارة ومن ثم ترسيخ اسمه في أجندة البرامج وأفضل المواعيد، وقد انطلق بالفعل من خلال تجارب عدة بينها حلقات توثيقية عن رحلات كبار نجوم الفن ومنهم أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وسعاد حسني، إذ كان يرتبط بعلاقة صداقة وطيدة مع الأخيرين، وهو من أوائل الذين تحدثوا عن علاقتهما العاطفية، كما كشف تفاصيل عن حال العندليب الصحية عرضته لكثير من الهجوم والغضب والاتهامات حول إذاعته سراً استأمنه عليه صديق راحل، وأيضاً قدم حواراً مطولاً مع الفنان محمد عبدالوهاب يعد من أكثر لقاءات موسيقار الأجيال التي أسهب فيها بالحديث والحكي.
محاور وليس مذيعاً
لكن المحطة الأكثر استثنائية كانت في نهاية التسعينيات مع "حديث المدينة"، حينما خرج من الأستديو ومن محاورة النجوم في غرف مغلقة ونزل بالكاميرا إلى الشارع لاستعراض مشكلات الجماهير، وعلى رغم أن الفكرة آنذاك كانت محاكاة لبرنامج إنجليزي بالاسم نفسه"Talk of the town" ، لكن مفيد فوزي نجح في أن يجعله ذا هوية مصرية خالصة، وتدريجاً ارتبط به المشاهدون باعتباره نغمة مختلفة وسط برامج المنوعات والسياسة والأخبار، ومن هنا ارتبط به أكثر لقب "المحاور" الذي كان يفضله عوضاً من "المذيع"، وبات "حديث المدينة" لصيقاً بمفيد فوزي، فعلى رغم تجاربه المتعددة بعده في مجال التقديم التلفزيوني، فإنه ظل مديناً لهذه الحلقات بالشهرة الجارفة التي حققها، أما بالنسبة إلى جيلي الثمانينيات والتسعينيات فهو فقط هذا المذيع الذي يعطي لضيوف برنامجه الفرصة للظهور أكثر منه، وكثيرون منهم لم يكونوا يعملون شيئاً عن تاريخه في المحاورات الطويلة مع مشاهير الساحة.
حياة افتراضية جديدة
اشتبك الإعلامي الراحل الذي وضع مؤلفات عدة آخرها صدر قبل أشهر بعنوان "كواليس حكايات لها معنى وربما مغزى"، كثيراً مع قضايا الوسط الفني، فهو يعترف أن عمرو دياب لا يطربه، وأن أم كلثوم كانت وراء مكيدة طرده من الإذاعة، وأن عادل إمام "لم يعره اهتماماً في أزماته".
الهجوم الأشد قسوة كان يأتيه حينما يدافع عن رموز نظام مبارك، وبينهم صفوت الشريف الذي كان وزيراً للإعلام لفترة طويلة في ذلك العهد ومنح فوزي فرصة تقديم "حديث المدينة"، لكنه ظل حتى وقت قريب دائم المتابعة، وكان الجمهور يعيد اكتشاف مساحة أخرى لديه من خلال أرشيف ثري للغاية أفرج عنه المخرج جميل المغازي، وتضمن لقاءات نادرة أجراها الإعلامي الراحل مع عمالقة الفن والأدب، وهنا تعرف جيل جديد على مفيد فوزي المحاور الفني الذي لم يسلم من الانتقاد أيضاً بأثر رجعي، من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين هاجموا لهجته وطريقته في مقاطعة الضيوف.
لكن لا أحد ينكر أهمية تلك الفيديوهات التي رسمت ملامح وخريطة فترة في غاية الأهمية، إذ كان من بين ضيوفه فؤاد المهندس وسناء جميل ونجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وعبدالمنعم مدبولي وعمرو دياب في بدايته، كما كان لدى الراحل تجارب كثيرة في محاورة أهل السياسة وبينهم الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، ومن رؤساء الوزراء كمال الجنزوري وعاطف عبيد وأحمد نظيف وعدد كبير آخر من الوزراء المصريين على مدى أكثر من حقبة تاريخية، فقد كان حضوره التلفزيوني يشبه إلى حد ما حضور الراحل سمير صبري كمذيع، لكنه كان أكثر تنوعاً في المواضيع التي يطرحها.