ليس من السهل "إدارة التنافس" بين أميركا والصين. لكن هذا ما تفاهم عليه الرئيسان الأميركي والصيني جو بايدن وشي جينبينغ خلال لقاء دام ثلاث ساعات في جزيرة بالي الإندونيسية عشية "قمة العشرين". وهما سبق أن التقيا غير مرة لساعات طويلة منذ عام 2011 حين كان بايدن نائب الرئيس باراك أوباما وشي الرجل الثاني في هرم القيادة يستعد لتولي المركز الأول. شي قال "إن العالم كبير بما يكفي لازدهار بلدينا"، حيث المصالح المشتركة كثيرة. و"الصين لا تسعى إلى تحدي الولايات المتحدة أو إلى تغيير النظام الدولي القائم". وبايدن تحدث عن "إدارة التنافس بمسؤولية للحؤول دون أن يصبح صراعاً ولا حاجة إلى حرب باردة جديدة". والرئيسان عملا على توضيح أو ترسيم "الخطوط الحمر" مع التحذير من تجاوزها، لا سيما في تايوان غير أن لعبة "التنافس والتعاون والصراع" بين القوتين الكبيرتين مسألة معقدة جداً في عالم معقد لكي تدار بسلاسة.
"المنافس الوحيد"
ذلك أن الصين، بحسب استراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن، هي "المنافس الوحيد الذي لديه الرغبة والقدرة على الجمع بين قوته الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتشكيل تحدٍ مستدام للنظام الدولي وتهديد المصالح القومية الحيوية الأميركية في الوطن والخارج". ومن الأولويات لدى بايدن، قيادة "القوى الديمقراطية في العالم لمواجهة القوى الاستبدادية". والصين بقيادة شي ستكون عام 2049 "قوة عظمى كونية". قوة تحتاج إلى "التعاون" مع أميركا في قضايا عالمية مثل الاحتباس الحراري والبيئة والتكنولوجيا، وتمارس "التنافس" في الاقتصاد والتجارة والبناء العسكري، وتستعد لـ"الصدام" في قضية تايوان وقضايا الصراع الجيوسياسي في المحيطين الهادئ والهندي. فلا هي اليوم كما كانت أيام قائدها التاريخي ماو تسي تونغ، ولا هي نسخة بلا تغيير مما كانت عليه أيام قائد الانفتاح والنهضة دينغ شياو بينغ وخليفتيه جيانغ زمين وهو جينتاو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شي، كما يقول رئيس الوزراء الأسترالي سابقاً كيفن رود في مقالة نشرتها "فورين أفيرز"، استعاد الرهان على أهمية الأيديولوجيا في البناء الداخلي والعمل الخارجي. فهو "دفع السياسة إلى اليسار اللينيني والاقتصاد إلى اليسار الماركسي والسياسة الخارجية إلى اليمين القومي". عام 2013 قال شي في اجتماع لقادة الحزب الشيوعي الصيني، "إن الانحلال الأيديولوجي قاد إلى سقوط الاتحاد السوفياتي" خلافاً للسائد حول تأثير التقصير الاقتصادي. لكن شي لم يعد إلى الماركسية- اللينينية كما في أيام ماو، بل طور نوعاً من "الماركسية الوطنية"، ولا بقي ضمن تفكير دينغ الذي قال لقادة الحزب، "دعونا نستغني عن النظرية". وهو، بكلام آخر، ورث صين ماو وصين دينغ، ثم طور الأوضاع نحو صين غنية وقوية يمسك بها الحزب الشيوعي ويمسك هو بالحزب، ومن الأهداف بناء "نظام دولي أكثر عدالة ومساواة مرتبط بقوة الصين بدل قوة أميركا".
"قوة المستقبل"
وهنا يبدأ الصراع مع أميركا التي أعلن بايدن أنها "عادت لقيادة العالم" الذي بنت نظامه الليبرالي بعد الحرب العالمية الثانية. وإذا كانت أميركا منقسمة وتشك في نفسها وقيادتها عندما تواجه مصاعب وعقبات، فإن الصين موحدة وواثقة من أنها قوة المستقبل. كيف؟ بإعادة الاعتبار إلى "المادية التاريخية" و"المادية الجدلية"، بحيث يقود صراع المتناقضات إلى حل ويؤدي الصراع الطبقي إلى تطور وتقدم. وبناء على "الحتمية التاريخية"، فإن شي الذي ورث شعار "الشرق في صعود والغرب في أفول"، يرى أن سقوط أميركا والنظام الرأسمالي حتمي وقوى التغيير تدفع الصين إلى الأمام، حيث "نهاية التاريخ الحقيقية". وهذا حلم يهدده أول تباطؤ اقتصادي في الصين. وهو حدث منذ كورونا ويبدو مرشحاً للاستمرار خلال السنوات المقبلة.
القرن الـ20 كان نهاية عصر الأيديولوجيا. وليس من المعقول أن يصبح القرن الـ21 عصر الأيديولوجيا.