Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أعادت العائلة المالكة في بريطانيا تكوين نفسها؟

غريزة البقاء التي يبدو أنها سائدة بين أفرادها بدت أكثر جلاء أثناء مظاهر مجدهم الراسخ خلال الأيام الأخيرة

أفراد العائلة المالكة البريطانية    (غيتي)

هذه صورة تم التقاطها قبل بضعة أعوام للأمير تشارلز آنذاك، وزوجته كاميلا، ونجله الأمير هاري وزوجته ميغان، ونجله الأكبر ويليام وزوجته كابت، والأحفاد. كانت كاميلا تشير إلى الكاميرا، فيما بدت الأميرة الصغيرة شارلوت ضاحكة. أما الأمير جورج فكان يجلس على ركبة جده. كل شيء كان جميلاً للغاية، ومنسجماً مع التقاليد العريقة المعهودة في التقاط مثل هذه الصور العائلية الحميمة.

لكن الصورة تلفت الانتباه بطريقة مختلفة، لأنه بالنسبة إلى المراقب العادي أو اليافع سناً، يبدو إلى حد كبير أن كاميلا هي التي تظهر بدور الأم في المشهد. وبالنسبة إلى الذين يمكنهم التذكر، كان "ينبغي" لديانا أن تكون في تلك الصورة، لكن طبعاً لا يمكنها ذلك.

ليس بالضرورة أن هناك نية متعمدة للحلول مكانها، ولا شك في أن كاميلا تستمتع بوجودهم جميعاً، لكن هذه الصورة أثبتت جانباً يجيده أفراد العائلة الحاكمة - وهو القدرة على إعادة صياغة أنفسهم، أو ربما إعادة تموضعهم على نحو تبدو فيه العائلة مثالية بحق.

وإذا قمنا بإمعان النظر مرة أخرى في الصورة، لرأينا أن الخطوة التالية البديهية التي سبق وأن اتفقت عليها عائلة "ساسيكس" [الأمير هاري والأميرة ميغان] والقصر بشكل جماعي قد تم اتخاذها بالفعل، ألا وهي تركيز الاهتمام ومهمات أداء الواجبات العامة على أسرة الملك وأمير ويلز، وبذل كل من الأميرة آن والأمير إدوارد وصوفي كونتيسة "ويسيكس"، مزيداً من الجهد للتعويض عن خسارة هاري وميغان، والأمير أندرو عقب فضيحته المخزية. بالتالي، فمن المرجح أن يكون "السبعة الكبار" والأطفال الثلاثة، هم الذين سيتحملون المهمات الوظيفية للعائلة المالكة على مدى فترة الحكم - بغض النظر عن حالات الطلاق الثلاث فقط بينهم.

لن أقول إن ديانا قد تم شطبها من التاريخ من جانب زوجة الأب أو زوجة الجد الشريرة، لأن ذلك يعد تفكيراً شنيعاً. لكن كان عليهم أن يستفيدوا إلى أقصى حد من ظروفهم العائلية الجديدة التي تعكس في أية حال الحياة العائلية المتنوعة والمعقدة بشكل متزايد للأشخاص الذين يزعمون أنهم يحكمونهم. فبريطانيا هي أرض "الشركاء" غير المتزوجين، والأخوة والأخوات غير الأشقاء، وأزواج الأمهات، والأعمام الهولنديين [مصطلح يطلق على الأشخاص الذي يتفننون بإلقاء النصائح القاسية].

كان على أفراد العائلة المالكة البريطانية أن يتخلوا عن محاولة التظاهر بأن أسرتهم تشكل مثالاً "للعائلة الرئيسة" في المجتمع عندما بدأوا سلسلة من الطلاقات واحداً تلو الآخر، وباتت خصوصياتهم الدقيقة تتداولها الصحف بكل حرية. كان عليهم التكيف مع تغير الظروف. فقد انحسرت ذكرى ديانا بشكل طبيعي مع تلاشيها في التاريخ - وقلة من الناس من الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة ستكون لديهم ذكريات عاطفية عنها، فيما سيكون هناك عدد أقل من الأشخاص الذين سيتذكرون زفافها الأسطوري وزواجها من أمير ويلز في عام 1981، المحكوم عليه  بالفشل.

هذه الصورة المتناغمة لجهة المزج بين الجلالة والأسرة، انقطعت بشكل فظ عندما خلف الملك جورج الخامس نجله الأكبر عديم النفع إدوارد الثامن في عام 1936، والذي كان قد أمضى أعواماً طويلة في مطاردة النساء المتزوجات

وفي هذا الإطار تذكرنا الحلقات الأخيرة من مسلسل "التاج" The Crown - على الرغم من أنها تنبض بمزيج من الأحداث التاريخية - بأنه منذ وقت ليس ببعيد، كان تشارلز شخصية مكروهة ومثيرة للشفقة بسبب الطريقة التي انفصل بها عن ديانا. وكذلك انطبق الأمر على كاميلا،  ولا سيما بعد وفاتها. فقد كان ينظر إلى الملكة الزوجة على أنها شخصية شريرة إلى حد ما. مع ذلك، وبفضل اتباع إدارة دقيقة للعلاقات العامة والنجاح في العملية الحساسة لإقناع الملكة الراحلة، أعطي الإذن لتشارلز وكاميلا في نهاية المطاف بالزواج، وأعيد تأهيلهما، وأصبحا الآن ملكاً وملكة في صلب عائلة لديها أكثر من نصيبها من الفضائح الخسيسة. وقد تطلب هذا التعافي وقتاً وجهداً كبيرين.

 

 

لكن بعد وفاة ديانا في حادثة السيارة الشهير عام 1997، ربما بدأت الأمور تأخذ منحى مختلفاً تماماً. كان تشارلز وديانا في هذا الصدد سجينين في قفص من القيود المخلخلة لحقبة الثمانينيات، المتمثلة في أن أفراد الطبقة المالكة لا يرتكبون الزنا، ولا ينفصلون، ويعيشون حياة خالية من اللوم تزخر بالفضيلة والقيم العائلية البريطانية. كان ذلك دائماً مجرد هراء، إذا تذكرنا الحياة الصاخبة والفاسدة للأمير الوصي (الملك جورج أمير ويلز والابن الأكبر لجورج الثالث، منح تسمية "الأمير الوصي" عندما أصبح والده غير مستقر عقلياً إلى درجة لا تسمح له بالحكم( وإدوارد السابع. إلا أن فترة طويلة مرت، قرابة منتصف القرن الماضي، عندما تم تقبل مثل هذه الأوهام والسماح لها بالاندماج التام في التيار الاجتماعي المحافظ المتطرف، الذي كان ينطوي على القمع في واقع الأمر، في تلك الحقبة من الزمن.

لم يعرف الناس على سبيل المثال، أن ملكهم البدين إدوارد، الذي بلغ عرض خصره 70 بوصة (1.78 متر)، كان لديه "كرسي جنسي" معزز بشكل خاص، كي يستمتع بشكل أفضل بزياراته لبيوت الدعارة في باريس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما هي الحال مع عدد من الأمور، كان الملك جورج الخامس هو الرائد في هذا النموذج الجديد للملكية. فعلى إثر خلافة والده المنشق إدوارد السابع، وعلى مدى ما يزيد على ربع قرن، قام بإبراز الصورة الراسخة في الواقع لرجل العائلة القوي، الذي خدم سابقاً في البحرية الملكية، باهتمامات انصب معظمها على المجال الفكري، الذي تجلت أقصى سعادته عند الاعتناء بمجموعته الواسعة من الطوابع البريدية. أما غرابته الوحيدة فكانت في كي طية سرواله عند الجهة الجانبية بدلاً من الأمامية منه.

حتى لو كانت لديه رذائل (ليس هناك في الواقع كثيراً من الإشاعات) فإن الصحافة لم تكن لتتحدث عنها. لقد كان رجلاً مملاً لكنه كان عبقرياً في العلاقات العامة. لقد قام بابتكار "بيت ويندسور"  House of Windsor في عام 1917، لتمويه الاسم الألماني للعائلة ساكس - كوبيرغ - غوثا، خلال الحرب العالمية الأولى. وأعطى انطباعاً عن الزوج المخلص للملكة ماري، والأب والجد المحب (على رغم أنه في الواقع أرعب أبناءه وتسبب لجورج السادس بتأتأته الشهيرة).

حول جورج الخامس الزيجات الملكية من احتفالات خاصة إلى حفلات عامة، مع التلويح من الشرفة في قصر باكينغهام، ومرور العربات التي تجرها خيول وما إلى ذلك. كما قام بأول بث إذاعي لأحد ملوك العائلة، خلال أعياد الميلاد عام 1932، وتوجه بكلمته للإمبراطورية بأكملها، محتضناً تلك التكنولوجيا الجديدة في حينه. واحتفل باليوبيل الفضي عام 1935 الذي رسخ تقليداً وطنياً لمثل هذه الذكرى السنوية التي أحيتها المكة فيكتوريا. ومنح القصر الملكي الواجهة الكبيرة الجديدة التي نراها اليوم، التي تتصدرها شرفتها العملية.

 

 

هذه الصورة المتناغمة لجهة المزج بين الجلالة والأسرة، انقطعت بشكل فظ عندما خلفه نجله الأكبر عديم النفع إدوارد الثامن في عام 1936، الذي أمضى أعواماً طويلة في مطاردة النساء المتزوجات، الأمر الذي أثار حفيظة والديه. وقد فضل العيش مع امرأة أميركية مطلقة، على التزامه الاحتفالات والطقوس الكريهة. وشكل تنازل إدوارد عن العرش منزلقاً خطراً، لأن هذا المثل الأعلى للحياة الأسرية كان موضع تحد من الملك نفسه، الذي لم يكن يهتم كثيراً بما إذا كان عاشقاته عازبات أو متزوجات أو مطلقات، أو أي شيء آخر، ولم يكن يأبه أيضاً لرأي رئيس وزرائه.

لكن جورج السادس وزوجته الملكة إليزابيث الأم، والأميرات الصغيرات، إليزابيث ومارغريت روز، أعادوا إحياء فكرة الأسرة المثالية عنواناً للأمة، المترافقة مع اقتناء مجموعة من المهور وخيول السباق والكلاب، التي لم يجاهروا تحديداً بالقول إنه "هكذا يجب أن تعيشوا" لأن الفكرة تم قبولها. وقد تواصل العرش وعامة الناس من خلال رؤية للحياة الأسرية للملك، الذي أعطى انطباعاً بأنه لا يحب أكثر من أن يكون رجلاً ريفياً في مقاطعة نورفولك.

كذلك فعلت الملكة إليزابيث الثانية والأمير فيليب على مدى زواجهما الذي دام أكثر من 70 عاماً. ففي خطاب الاحتفال باليوبيل الفضي لزواجها في العام 1972، قالت الملكة: "إذا سئلت عن رأيي في الحياة الأسرية بعد 25 عاماً من الزواج، فيمكنني أن أجيب بالبساطة والاقتناع نفسه إنني أؤيدها".

وبغض النظر عن التقلبات في علاقة الملكة مع الدوق، فمن المؤسف أن هذه السعادة في العائلة لم تشاركها أختها مارغريت، أو ثلاثة من أبنائها الأربعة، إذ إن جميعهم تطلقوا قبل فترة طويلة من بلوغ زواجهم اليوبيل الفضي. وكان هذا هو التحدي والاختيار. بحيث كان بإمكانهم إما محاولة الحفاظ على التظاهر بأنهم متفوقون بطريقة ما، بسبب سلوكهم الخاص الذي لا تشوبه شائبة، والقيادة بالقدوة والمثال، أو بطريقة ما تقبّل حقيقة أنهم كانوا ضعفاء كما رعاياهم.

وما يبدو أيضاً أنهم ما زالوا مصممين على القيام به، هو وضع المؤسسة في المقام الأول - أقله طالما لا تطال حياتهم الخاصة. إنه الخط الفاصل الذي سمح لجورج الخامس بترك ابن عمه القيصر نيكولاس الثاني ملك روسيا لمصيره على يد البولشيفيين في ثورتهم عليه. وسمح ذلك لجورج السادس بتهميش أخيه - حتى ذلك الحين - الذي نال مقداراً كبيراً من الإعجاب، إدوارد الثامن، ودفعه هو وواليس إلى المنفى. وترجم ذلك أيضاً في تجريد الملكة لإبنها أندرو من معظم ألقابه العسكرية، ومن دوره في الخدمة العامة، وحتى من استخدام لقب "صاحب السمو الملكي"  HRH.

 

 

وقد سمح هذا النهج لعائلة ويندسور بترك ذكرى ديانا تذبل وتدخل طي النسيان، وفي النهاية، بقطع العلاقات مع هاري وميغان. وقد يكتمل هذا القطع المأساوي أكثر عندما يصدر كتاب هاري "سبير"  Spare في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل. كما أنه في الآونة الأخيرة، تبرأ القصر من الليدي سوزان هاسي البالغة من العمر 83 سنة التي عملت لديه لفترة طويلة، بسبب سلوكها العنصري، فيما أصدر الأمير وليام بياناً عاماً شديد الصرامة دان فيه فعلياً عرابته ووالدته الروحية المسنة.

وبغض النظر عن التصرف البشع مع أوليفر كرومويل في القرن الـ17، فقد حكمت العائلة المالكة إنجلترا ثم المملكة المتحدة لاحقاً لمدة ألف عام، ويبدو أن أفرادها تتملكهم غريزة البقاء. فقد شوهدوا بكامل مجدهم الذي لا يتزعزع خلال الأيام الأخيرة. ولو حاولوا الاحتفاظ بالليدي سوزان، لكان الضغط لإسقاطها قد ازداد ببساطة، وأصبحت الصفوف أكثر انقساماً، ولكانت الأضرار الجانبية (ضع في اعتبارك وسم "العائلة الملكية العنصرية" #racistroyalfamily) قد ازدادت خطورة.

وبعد الاتهامات التي ساقتها ميغان ماركل لأحد أفراد العائلة الذي قالت إنه سأل عن لون بشرة طفلها، فإن العرق أصبح قضية سامة. ولا يوجد سبب للشك في أن ويليام يشعر بهول ذلك، وكان جوابه العفوي لأحد المراسلين بعد مقابلة أوبرا وينفري، بأن الأسرة "ليست عنصرية إلى حد كبير"، صادقاً، لكن الحادثة والإيذاء الذي تم التسبب به (من جانب الليدي سوزان هاسي) لنغوزي فولاني (رئيسة جمعية خيرية بريطانية تدافع عن ضحايا العنف المنزلي) ساهما في تآكل مقدار معين من الثقة بطبيعة المؤسسة. يبقى البلاط عبارة عن هيئة غير متنوعة من الناس بشكل ملحوظ، وهو ما لا يمكن أن يساعد، حتى لو بدا بعض أعضاء "الشركة"  The Firm (بحسب اللقب الذي أطلقته ميغان ماركل على العائلة الملكية) متنبهين للتحيز والتمييز العنصري إلى حد ما في الظاهر.

وهناك مزيد من العمل الذي يتعين القيام به هناك، تماماً كما هي الحال مع الحفاظ على صورة العائلة الحديثة. لحسن الحظ، بالنسبة إلى تشارلز وكاميلا، أن علاقتهما صمدت وعاشا فترة طويلة بما يكفي للسماح لما كانت في السابق فضيحة الزنا "تامبون غيت"Tampongate بأن تتطور إلى قصة حب، ولتقبلهما في أمة تبدلت فيها المعايير الاجتماعية والأخلاقية تبدلاً جذرياً. بحيث لم يعد يتم نبذ المطلقات، أو إذلال الأمهات العازبات، أو ازدراء الأزواج "لأنهم يعيشون في الخطيئة".

يمكن القول أخيراً إن الحياة الأسرية في بريطانيا لم تكن أبداً منتظمة وتقليدية كما كانت عليه الآن، إلا أنه في الوقت الراهن، لا يحاول الناس حتى التظاهر، ولم يعد يتعين عليهم تحمل علاقات غير سعيدة بحق الله أو باسم الواجب. ويعد الترميم الأخير للعائلة المالكة أيضاً أمراً أكثر تعقيداً، مع توترات على نسق المسلسلات والعلاقات التي تواجه صعوباتها، والإشاعات الغريبة التي تدور حول وسائل التواصل الاجتماعي. مرة أخرى، تعكس العائلة المالكة، أو العائلات، حياة الناس غير المرتبة والفوضوية وغير المحلولة كما هي.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء