أعلنت الحكومة السعودية عن زيارة رسمية للرئيس الصيني شي جينبينغ إلى الرياض، يحضر فيها ثلاث قمم سعودية وخليجية وعربية، لمناقشة "سبل تعزيز العلاقات المشتركة في المجالات كافة، وبحث آفاق التعاون الاقتصادي والتنموي" مع بكين.
وقالت وكالة الأنباء السعودية إن الملك سلمان وجه الدعوة إلى الزعيم الصيني لحضور القمم الثلاث ابتداءً من الأربعاء السابع من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في زيارة تستمر حتى 9 ديسمبر، وذلك تعزيزاً من الرياض للعلاقات التي وصفتها بالتاريخية، والشراكة الاستراتيجية التي تجمع السعودية بجمهورية الصين الشعبية.
ولفت البيان السعودي حول الزيارة التي ظلت محل ترقب منذ بداية الشهر إلى أن الزيارة ستبدأ بقمة سعودية - صينية، وبعدها خليجية ثم أخرى عربية، تدور جميعها حول "التعاون والتنمية"، بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية، لتعزيز العلاقات المشتركة مع الصين في المجالات كافة.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا تشون ينغ في بيان اليوم الأربعاء إن الرئيس شي جينبينغ سيحضر القمة الأولى للصين والدول العربية وقمة مجلس التعاون الصيني الخليجي في العاصمة السعودية الرياض.
وتأتي الزيارة الأولى من نوعها للرئيس الصيني منذ 2016 بينما تشهد العلاقات السعودية - الأميركية توتراً، إثر قرار المملكة خفض إنتاج النفط من خلال تحالف "أوبك+". واعتبر البيت الأبيض خطوة التجمع النفطي الذي تقوده السعودية اصطفافاً إلى جانب روسيا في حرب أوكرانيا، وهو أمر رفضته الرياض، التي قالت إن المجموعة تتخذ قراراتها بالإجماع طبقاً لمعطيات السوق.
جسر بين الشرق والغرب
وكان الرئيس الصيني، الذي ثبته الحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في منصبه لفترة ثالثة أميناً عاماً له، حافظ على علاقات وثيقة بين بلاده والسعودية، التي تريد ترسيخ موقعها كجسر بين الشرق والغرب، وفق رؤيتها الطموحة 2030، التي جعلت من توظيف موقع البلاد الاستراتيجي أحد محاورها الرئيسة.
والشهر الماضي قال القنصل الصيني العام في دبي لي شيوي هانغ في تصريحات نشرت على موقع القنصلية إن الزيارة "حدث كبير لتحسين (...) العلاقات الصينية العربية وعلامة بارزة في تاريخ العلاقات الصينية العربية".
وتأتي زيارة الرئيس الصيني في أعقاب زيارة مماثلة قام بها الرئيس الأميركي جو بايدن إلى جدة السعودية يوليو (تموز) 2022، حضر فيها عدداً من القمم بقيادة الرياض، التي أظهرت قدرتها على مسك العصا من المنتصف في إدارة علاقاتها الاستراتيجية بين الشرق والغرب، على رغم الاستقطاب الذي تشهده المنطقة، وسط حديث عن عودة أجواء حرب باردة جديدة بين الغرب وروسيا، بعد غزو الأخيرة أوكرانيا، واصطفاف الغرب ضد موسكو ومبررات رئيسها بوتين في إطلاق عملياته العسكرية المستمرة منذ فبراير (شباط) من هذا العام.
أميركا "لن تتخلى"
وكان الرئيس بايدن الذي أثارت سياسات بلاده استياء حلفائه التاريخيين في الخليج، تعهد آنذاك بأن الولايات المتحدة ستظل شريكة نشطة ومتعاونة في الشرق الأوسط، وأنها "لن تتخلى" عن الشرق الأوسط، حيث تلعب منذ عقود دوراً سياسياً وعسكرياً محورياً، ولن تسمح بوجود فراغ تملأه قوى أخرى، مثل الصين وروسيا وإيران.
لكن السلوك الأميركي لم يتغير كثيراً بعد القمة، إذ شنت واشنطن هجوماً نادراً من نوعه على الرياض، إثر تقرير منظمة "أوبك+" خفض إنتاجها النفطي في اجتماعها الدوري قبل نحو شهر، مما أجج نقمة البيت الأبيض، الذي تبين لاحقاً أنه كان يخشى من تأثير الخطوة في الانتخابات النصفية الأميركية، وهو ما لمح إليه رد الرياض غير المتوقع على البيان الأميركي، إلا أن الأجواء السياسية عادت للهدوء مجدداً بين البلدين، اللذين أكدا معاً أهمية علاقاتهما التاريخية على الصعيد الثنائي والإقليمي والدولي.
ومع تهديد واشنطن بمراجعة علاقاتها مع الرياض إلا أنها لم تعلن عن أي إجراء نحو ذلك بعد، بل بعثت برسائل تهدئة عدة، أكدت إقرارها بأهمية صون العلاقة من المواقف المضرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الجميع جلس مع الصين
وعكس ما تروج له الصحافة الأجنبية، فإن زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية لا ترى فيها الرياض مناكفة لحلفائها الغربيين، وإنما توسيع دائرة تحالفاتها الاقتصادية والسياسية، على النحو الذي دفع الأميركيين أيضاً إلى الجلوس مع الصينيين في آخر قمة جمعت بين بايدن وشي في بالي الإندونيسية أخيراً.
وفي هذا الصدد قال مسؤول سعودي لوكالة الأنباء الصينية إن الرؤية الاقتصادية لبلاده تعمل على إخراج المملكة من المحلية إلى العالمية، وتتناغم مع الرؤية الصينية "الحزام والطريق" في هذا الميدان.
وأكد الملحق الثقافي السعودي في بكين صالح الصقري أنه يرى "تناغماً بين البلدين في السياسات التي تعتمد على التنمية والسلم العالميين، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، فضلاً عن مساهماتهما في خروج العالم من الأزمة الاقتصادية الراهنة".
ووفقاً للصقري، فإن أحد أسباب توطيد العلاقات بين البلدين القرار الذي اتخذه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته للصين 2019، والمتعلق بتدريس اللغة الصينية في البلاد.
ويقول الخبير في العلاقات الخليجية الصينية بالمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية ناصر التميمي إن رحلة الرئيس الصيني إلى الرياض "لا تتعلق فقط بالولايات المتحدة أو إرسال إشارات إليها، بل بالسعودية نفسها".
ويضيف "البلد (السعودية) يتغير. إنهم يحاولون تغيير هيكل اقتصادهم وهيكل سياستهم الخارجية. الموضوع الرئيس بالنسبة إليهم هو التنويع".
من جهته، يرى الباحث في مركز "صندوق مارشال" الألماني أندرو سمول أن "بكين تدرك جيداً عمق العلاقات السعودية - الأميركية على رغم التوترات الحالية، لكن إذا أرادت الرياض التحوط فهذه فترة ستحرص بكين فيها على الاستفادة من ذلك".
وبعيداً من الطاقة، ترى السعودية الصين شريكاً مهماً في محاولته تطوير صناعات أخرى بما يتماشى مع أجندة رؤية 2030.
واعتبر محللون أن الصفقات قد تشمل عمل الشركات الصينية في مدينة "نيوم" المستقبلية الضخمة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، بما في ذلك التعرف إلى الوجوه وتقنيات المراقبة الأخرى.
على رغم أهمية بكين يصعب تعويض واشنطن
ويرى جوناثان فولتون من معهد "المجلس الأطلسي" أن الاجتماعات بين الرئيس الصيني وقادة مجلس التعاون الخليجي يمكن أن توفر أيضاً فرصة لإحياء اتفاقية التجارة الحرة التي طال انتظارها.
ويوضح "الصين تبيع أساساً كل شيء للسعودية، فيما السعودية تبيع النفط ومنتجات النفط إلى الصين، لذلك أعتقد أنهم يرغبون في إيجاد طرق مختلفة لدخول السوق الصينية وعدم الاعتماد على منتج واحد".
ومع ذلك فإن توثيق العلاقات مع الصين لا يعني أن السعودية تريد خفض مستوى شراكتها مع الولايات المتحدة.
فحتى في ذروة التصريحات الصاخبة شدد المسؤولون السعوديون على أهمية علاقاتهم مع واشنطن.
ويقول المحللون إنه في الوقت الذي تتعاون فيه الصين والسعودية في مبيعات الأسلحة وإنتاجها، لا تستطيع بكين توفير الضمانات الأمنية التي دعمت الشراكة الأميركية - السعودية منذ بدايتها في نهاية الحرب العالمية الثانية.
وقد عاشت المملكة لسنوات في ظل التهديد المستمر بهجمات الطائرات المسيرة من الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، حيث تقود تحالفاً عسكرياً لدعم الحكومة.
وقالت الولايات المتحدة الشهر الماضي إنها كشفت وردعت تهديدات وشيكة من جانب إيران، مؤكدة تقارير سابقة عن أن الجمهورية الإسلامية كانت تخطط لشن هجوم على السعودية.