بدبلوماسيتها الرصينة المستفيدة من تراجع حضور السياسة الأميركية في الشرق الأوسط وفشلها في حل قضايا المنطقة المشتعلة بالأزمات والاضطرابات، استطاعت بكين أن تعزز حضورها الذي لم يكن وليداً لقرارات مفاجئة، بل كان نتاج تخطيط أفضى إلى مضاعفة تبادلات الصين مع دول المنطقة العربية.
الصين اليوم باتت الشريك الاقتصادي الأول والأهم لدول المنطقة، سواء من خلال حجم صادراتها الضخم إلى هذه الدول أو من جهة استحواذها على الواردات النفطية من تلك الدول، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 330 مليار دولار عام 2021.
رؤية الرئيس الصيني
ومن العاصمة الرياض كتب الرئيس الصيني شي جينبينغ رؤيته لزيارة منطقة الشرق الأوسط التي لم يزرها منذ عام 2016 وعدتها الخارجية الصينية أكبر نشاط دبلوماسي بين بكين والعالم العربي منذ تأسيس الجمهورية الشعبية.
وذكر الرئيس الصيني في مقالته التي جاءت بعنوان "توارث الصداقة الممتدة لآلاف السنين والعمل سوياً على خلق مستقبل جميل" ونشرتها صحيفة "الرياض" أن "الزيارة للمنطقة العربية ستفتح عصراً جديداً للعلاقات بين الصين والعالم العربي".
وتوسع دور الصين بشكل كبير في المنطقة العربية مع إعلان شي جينبينغ عام 2013 عن مبادرة الحزام والطريق التي تعد حجر الزاوية للاستراتيجية الصينية الحديثة.
وكتب شي "العلاقات الصينية العربية تتقدم إلى الأمام في ظل تغيرات الأوضاع الدولية، وأقامت الصين مع الدول العربية مجموعة من علاقات الشراكة الاستراتيجية المرتكزة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة مع 12 دولة عربية ووقعت على وثائق التعاون في شأن بناء ’الحزام والطريق‘ مع 20 دولة عربية وأعربت 17 دولة عن دعمها لمبادرة التنمية العالمية وانضمت 15 دولة إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وشاركت 14 دولة في مبادرة التعاون بين الصين وجامعة الدول العربية في مجال أمن البيانات".
وأدت تلك السلسلة من المشاريع إلى تعزيز الوجود الاقتصادي الصيني، بل جعلته جزءاً رئيساً في اقتصادات الشرق الأوسط، لذلك تعمل بكين على إنجاح مبادرتها التي ستعود بالنفع عليها وعلى دول طريق الحرير.
سياسة الصين الخارجية
أما عن سياستها الخارجية، فتنتهج الصين سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وتدعو إلى حل النزاعات بالطرق السلمية وترفض التدخل الأجنبي في شؤون دول المنطقة، ومن أجل تأمين الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتحقيق التنمية التي تعود بالنفع على الجانبين، اقترحت الصين في وقت سابق عدداً من المبادرات التي تتعلق بتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وكذلك لحل القضية السورية.
وتقف الدول العربية إلى جانب الصين في القضايا المتعلقة بمصالحها الجوهرية، بحيث أشار شي في مقالته إلى "دعم الدول العربية لوحدة الصين الحيوية، وفي المقابل تدعم بلاده الحفاظ على استقرار المنطقة وسيادة الدول واستقلالها وسلامة أراضيها، وستواصل مع دول المنطقة رفع راية عدم التدخل في الشؤون الداخلية عالياً والدفاع عن الإنصاف والعدالة الدوليين".
واستشهد الرئيس الصيني شي جينبينغ بقصة البحار العربي أبو عبيد الذي وصل إلى مدينة قوانغتشو قبل أكثر من 1200 عام ليثبت عمق العلاقة الخليجية الصينية، "انطلقت سفينته من صحار العمانية وتمت إعادة تمثيل رحلته البحرية في العصور القديمة من قبل سفينة ’الصحار‘ التي صنعت على طراز السفن القديمة وإحياء مشاهد التواصل الودي التاريخي بين الجانبين الذي يمتد إلى اليوم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر الرئيس الصيني مجلس التعاون الخليجي من المنظمات الإقليمية الأكثر حيوية في العالم وأشار في مقالته إلى الأهمية الجغرافية لدول المجلس التي تربط آسيا وأفريقيا وأوروبا.
وعن الدولة المستضيفة للقمة لفت إلى أن بلاده تعمل لانتهاز فرصة الزيارة من أجل تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما والاستقلال ورفض التدخل الخارجي. وأضاف "سنعمل معاً على زيادة المواءمة بين مبادرة ’الحزام والطريق‘ و’رؤية 2030‘ ودفع التعاون العملي في جميع المجالات وتعزيز التنسيق في الأمم المتحدة ومجموعة العشرين ومنظمة شنغهاي للتعاون وغيرها من الآليات المتعددة الأطراف".
ويرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن الصين شريك مهم في "رؤية 2030" لذلك يسعى إلى إشراك الشركات الصينية في مشاريع عملاقة طموحة تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيداً من الوقود الأحفوري، وتشمل هذه المشاريع مدينة نيوم المستقبلية التي تبلغ قيمة الاستثمارات فيها 500 مليار دولار وستعتمد بشكل كبير على تقنية التعرف على الوجه والمراقبة.
واشنطن لن تتخلى عن الشرق الأوسط
ولطالما كان التقارب بين الصين والدول العربية يثير حفيظة الولايات المتحدة الذي أكد رئيسها لقادة الخليج والدول العربية أثناء انعقاد قمة جدة للأمن والتنمية في يوليو (تموز) أن واشنطن لن تتخلى عن الشرق الأوسط ولن تسمح بوجود فراغ تملؤه روسيا أو الصين أو إيران. وعلق الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي للصحافيين، الأربعاء، "نحن مدركون للنفوذ الذي تحاول الصين توسيعه حول العالم والشرق الأوسط هو بالتأكيد من بين هذه المناطق، بحيث يرغبون في تعميق مستوى نفوذهم"، مضيفاً "نعتقد بأن أموراً عدة يسعون إليها وطريقة سعيهم لا تتلاءم مع الحفاظ على النظام الدولي الذي تحكمه قواعد".
وقال كيربي "لا نطلب من الدول الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، لكن كما قال الرئيس جو بايدن مرات عدة، نعتقد بأن الولايات المتحدة بالتأكيد في وضع يتيح لها القيادة في إطار هذه المنافسة الاستراتيجية".