يزداد التقارب الجزائري - الصيني تعزيزاً مع التوقيع على الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق" والخطة الثلاثية للتعاون في المجالات المهمة 2022-2024، ويظهر أنه كلما ارتفع "الضغط" الغربي على الجزائر اتجهت الأخيرة نحو الشرق، ولعل اللجوء إلى مبادرة "الحزام والطريق" رسالة رد على ما صدر عن نواب من الاتحاد الأوروبي والكونغرس الأميركي أخيراً.
إعلان مفاجئ للتوقيع على خطتين
وكشفت وزارة الخارجية الجزائرية بشكل مفاجئ عن التوقيع على خطتين لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الجزائر والصين، وقالت في بيان إن وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة، ورئيس اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين خو ليفانغ قاما، عن بعد، بالتوقيع على "الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق" و"الخطة الثلاثية للتعاون في المجالات المهمة 2022-2024"، وأضافت أن التوقيع جاء في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة القائمة بين الجزائر و جمهورية الصين الشعبية، وتعميقاً للعلاقات التاريخية والنوعية القائمة بين البلدين الصديقين في شتى الميادين.
وذكرت الجزائر في البيان، أن الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق" تعد لبنة أخرى من أجل تعميق وتثمين أكبر للتعاون في إطار المبادرة التي انضمت إليها الجزائر سنة 2018، أما "الخطة الثلاثية للتعاون في المجالات المهمة 2022-2024"، فهي آلية عملية أخرى من الآليات الثنائية للدفع قدماً بالتعاون في المجالات الاقتصادية الرئيسة التي تحظى بالأولوية في السياسة التنموية للطرفين، وأضافت أن التوقيع يأتي بعد إبرام الطرفين في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الخطة الخماسية الثانية للشراكة الاستراتيجية الشاملة 2022-2026، وكذلك عشية انعقاد الدورة الأولى للقمة العربية - الصينية، ما يؤكد الرغبة المشتركة للبلدين في أن يسهم التعاون الجزائري - الصيني في خدمة وتعزيز التعاون بين العالم العربي والصين في سبيل تحقيق ما يصبو إليه الطرفان في بناء مستقبل واعد وخلاق.
استراتيجية إنمائية اقترحتها الصين
وتعليقاً على الخطوة، قال رئيس جمعية المستشارين الجبائيين بوبكر سلامي إن الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق" التي انضمت إليها الجزائر سنة 2018 هي استراتيجية إنمائية اقترحتها الصين بهدف الربط الدولي عبر إنشاء شبكة تجارية تتألف من جزأين رئيسين، هما حزام طريق الحرير الاقتصادي البري وطريق الحرير البحري للمحيطات، مبرزاً أن ذلك يندرج في إطار مخطط الجزائر لربط علاقات استراتيجية مع دول كبرى لها مكانة مرموقة في الاقتصاد العالمي ووزن في الجيوستراتيجية، بخاصة و"نحن على أبواب دخول الجزائر إلى تجمع بريكس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف سلامي أن الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق" تم توقيعها بالموازاة مع خطة التعاون في المجالات المهمة 2022-2024، مشيراً في الوقت نفسه إلى إبرام مجمع "سوناطراك" البترولي الحكومي اتفاقاً مع شركة "سينوبك" الصينية بهدف التنقيب والإنتاج المشترك للنفط، تقدر قيمته بـ 490 مليون دولار، وكذلك التوقيع على عقد لاستثمار سبعة مليارات دولار في مشروع للفوسفات يستهدف إنتاج 5.4 مليون طن من المخصبات الزراعية سنوياً.
تنمية أفريقيا لا تكتمل إلا بمشاركة دول قوية
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية أسامة بوشماخ، إن الصين قامت خلال السنوات الأخيرة باستثمارات ضخمة في أفريقيا عبر مبادرة الحرير والطريق، وعملت على بناء طريق سريع بطول 30 ألف كيلومتر، وطاقة موانئ تبلغ 85 مليون طن سنوياً، وخلق ما يقرب من 900 ألف وظيفة، موضحاً أن النظرة الصينية في تنمية القارة السمراء لا تكتمل إلا بمشاركة دول قوية في القارة بإمكانها تحقيق التنمية وفق مشروع تنمية أفريقيا 2063، وتابع أن الجزائر التي هي مرتكز مهم في إدراك الصينيين، يمكنها توظيف طريق الحزام والحرير كأحد بدائل الاندماج في الاقتصاد العالمي الجديد، الذي بدأت معالمه في التشكل بعد الحرب في أوكرانيا، وكانت آثاره الداخلية على البلاد بتنويع شركائها الاقتصاديين وفق مبدأ "رابح – رابح".
وبحسب بوشماخ، فإن توسيع التكتلات الاقتصادية الكبرى، مثل "بريكس"، يحتاج إلى شبكات معاملاتية أكبر، سواء من خلال القيمة المالية أو توفير الهياكل القاعدية، ولهذا تحرص الجزائر على الاستثمار في هذا القطاع المهم وتحسينه، باقتناء سفن جديدة وتوفير طائرات وشق الطرقات والسكك الحديدية للتوغل أكثر نحو أفريقيا، مبرزاً أن السوق الأفريقية ضخمة جداً، فالقارة يرتقب أن تسجل تعداداً سكانياً يبلغ حوالى ملياري نسمة سنة 2050، ما يجعل الجزائر ومنظمة "بريكس" توليان اهتماماً كبيراً بهذه المنطقة في ظل نظام دولي جديد متعدد الأقطاب.
ضغط أميركي أوروبي
ويأتي توقيع الجزائر والصين على الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق" و"الخطة الثلاثية للتعاون في المجالات المهمة 2022-2024"، في خضم الضغط الأميركي - الأوروبي على الجزائر بسبب التقارب مع الشرق وأيضاً صفقات الأسلحة مع روسيا، إذ راسلت مجموعة من أعضاء الكونغرس الأميركي، ضمت 27 عضواً من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وزير خارجية بلادهم أنتوني بلينكن لمطالبته بفرض عقوبات على الحكومة الجزائرية بسبب صفقات التسلح مع روسيا، وعبروا عن مخاوفهم من تنامي العلاقات الوثيقة بين الجزائر وروسيا.
كما راسل 17 نائباً من البرلمان الأوروبي رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وطالبوها بمراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، واتهمت الرسالة الأوروبية الجزائر بنسج علاقات قوية مع موسكو، وقالوا إن الجزائر تعد من بين أربعة مشترين رئيسين للأسلحة الروسية، ما يجعلها تسهم في تمويل الحكومة الروسية في حربها ضد أوكرانيا.