كان الطفل علاء الذي لم يتجاوز عمره السنتين يلعب برفقة عدد آخر من رفاقه عندما دخلت عليهم مربية حضانة الأطفال تصرخ بأن هذا الوقت مخصص للنوم وليس للعب، لم يكن الصراخ الأمر الوحيد الذي لاحظته والدته، بل تعدى الأمر إلى أكبر من ذلك بحسب ما تفيد.
وضعت الأم هبة ابنها علاء في حضانة أطفال من أجل رعايته هناك، وحتى يلعب ويطور من مهارته ويكتسب علاقات اجتماعية مع الأطفال الذين يراهم من عمره، فهي مشغولة خلال النهار في عملها، وتعتقد أن مخالطة صغيرها للأشخاص شأنها أن تضفي على شخصيته كثيراً من الميزات وتعزز عديداً من القيم في نفسيته.
إهمال إلى جانب العنف
لم يكن في حسبان الأم أن وجود صغيرها في حضانة الأطفال تحول إلى شيء عكسي وليس كما كانت تتوقع، تقول هبة "في إحدى المرات قمت بالمناداة على علاء بصوت مرتفع، مباشرة هرب إلى غرفته وذهبت إليه لأحتضنه وجدته يمسك بي بقوة، تفاجأت من رد فعله وأيقنت أنه خائف".
حاولت الأم أن تتبع خوف ابنها من بعيد وبصمت حتى لاحظت أنها عندما تصطحبه إلى الحضانة تظهر عليه ملامح الخوف ويظل يبكي رافضاً المكوث فيها، موضحة أن هذا الأمر استمر معه لأكثر من شهر. وتضيف "أثناء تبديل ملابس طفلي لاحظت كدمة على منطقة الفخد لونها أزرق، واعتقدت أن سببها تعرضه للضرب من إحداهن داخل الحضانة، وعندما راجعت الإدارة هناك أخبروني أنه ربما يكون ذلك أثناء اللعب".
ويبدو أن الأمر ليس مقتصراً على العنف بأشكاله، بل يتعدى إلى التقصير والإهمال، تتابع الأم حديثها "قمت بزيارة حضانة الأطفال بشكل مفاجئ، وهناك وجدتهم يطعمون ابني ومعه طفلان من الصحن نفسه وبالملعقة ذاتها، وبسبب هذا الإهمال أصيب بالتهابات في معدته".
اتفاقية الأمم المتحدة للطفولة
ما تعرض له الطفل علاء يعد تجاوزاً صريحاً لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي تنص المادة 20 منها على أنه "يجب على الدول أن تحمي الطفل من الإساءة البدنية أو العقلية ومن الإهمال، بما في ذلك الإيذاء أو الاستغلال الجنسيين"، وانضمت فلسطين لهذه الاتفاقية عام 2014، والتزمت في تنفيذها ومواءمة القوانين واللوائح والتشريعات بناءً على ما جاء فيها.
كثيرة ملاحظات هبة على طبيعة معاملة المربيات، فهي وضعت طفلها في خمس حضانات للأطفال، وتعتقد أن هناك غياباً للرقابة من المؤسسات الحكومية ذات الاختصاص وهو ما دفع إلى رصدها وعديد من الأمهات لوجود تقصير في عمل الحضانات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تتبع حضانات الأطفال في غزة لأكثر من مؤسسة حكومية تشرف عليها كل واحدة بحسب اختصاصها، لكن أساساً تعد دائرة الطفل والأسرة في وزارة التنمية الإجتماعية هي الجهة المسؤولة والمخولة لمتابعة ملف تربية الأطفال في الحضانات ورياض الأطفال وحتى المدارس.
الجهات الحكومية: نتابع
يقر مدير عام إدارة الطفل والأسرة في وزارة التنمية الاجتماعية محمد العرير بوجود حالات من إساءة معاملة الطفل، ويقول "يحدث نادراً ونتلقى شكاوى من أولياء الأمور أو من جهات الاختصاص ذات العلاقة بوجود حادثة إساءة معاملة أو وقوع عنف على الأطفال، لكن نتعامل مع ذلك الحدث على الفور ولا ندعه يتكرر".
ووفقاً لبيانات وزارة التنمية الاجتماعية فإن طواقمها في غزة تلقت شكوى واحدة فقط فعلية وعديداً من الشكاوى الكيدية، حول تعرض أطفال لعنف أو سوء معاملة داخل الحضانات خلال العام الجاري، بينما يزيد العدد في الضفة الغربية التي وصلت إلى حد تلقي الطواقم نحو خمس شكاوى شهرياً.
حول الإجراءات التي تنفذها وزارة التنمية الاجتماعية، يوضح العرير أن مرشد حماية الطفولة يتوجه مباشرة إلى مكان وقوع الحادثة ويجري تحقيقاً حتى يتأكد من المصداقية وأنها غير كيدية، وفي حال ثبت تعرض الطفل لأي عنف تتخذ إجراءات بالتدريج من التنبيه والإنذار وصولاً إلى إغلاق الحضانة.
ويشير العرير إلى أن دائرة الطفل والأسرة تجري زيارات بشكل دوري للاطلاع على وضع حضانات الأطفال، وتقدم بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" دورات تدريبية للمربيات من أجل الارتقاء بمستوى التعامل مع الأطفال.
في غزة 25 حضانة مرخصة تشرف عليها وزارة التنمية الاجتماعية، لكن ليس هذا العدد الإجمالي لجميع الحضانات التي من غير المعروف عددها لأنها لا تملك ترخيصاً رسمياً لمزاولة العمل، يقول العرير إنهم يوجهون لهم إخطارات بضرورة تسوية ملفاتهم، وفي الوقت نفسه يتوقع أن تكون هذه الحضانات بؤرة للعنف لأنها لا تتبع برتوكول الرقابة الحكومية.
في المدارس ورياض الأطفال: الضرب ممنوع
في الواقع، يمتد العنف إلى جميع الأطفال في رياض الأطفال والمدارس كذلك، وأخيراً أثير هذا الملف محلياً بعدما نشرت صور لأساتذة يحملون عصياً خشبية داخل غرفة الفصل وأخرى لحالات ضرب مبرح، وكانت حادثة تعرض طفلة للطعن داخل أسوار مدرستها، هي الحالة التي دفعت الجهات الحكومية للتحرك من أجل إيقاف جميع أشكال العنف.
يقول مدير عام الإرشاد في وزارة التربية والتعليم خالد فضة، إنهم يتابعون أي تجاوزات في رياض الأطفال ومدارس غزة سواء من الطلبة أنفسهم تجاه زملائهم أو من قبل المعلمين تجاه أي طالب.
ويضيف "نمنع قطعياً العقاب البدني داخل المدارس، ونتخذ إجراءات لذلك، ونتبع الوسائل التربوية البديلة عن العنف، ونقوم بعقد دورات متخصصة للمعلمين من أجل أن نوجد لهم بدائل عن العقاب البدني".
ويؤكد فضة أن جميع مؤسسات الاختصاص بالطفل تعمل على تطبيق مبادئ حقوق وحماية الطفل بخاصة أن فلسطين باتت عضواً في هذه الاتفاقية، مشيراً إلى أنهم يتابعون جميع الأطفال الذين يتعرضون إلى خطر بإشراف أسري من خلال شبكة حماية الطفولة.