أنهت أسعار النفط تعاملات الأسبوع يوم الجمعة على انخفاض هو الأدنى في 2022، على رغم بدء تنفيذ حظر الاتحاد الأوروبي استيراد النفط الروسي وفرض مجموعة السبع سقف سعر لمبيعات موسكو من النفط. وكان المفترض في ظل تلك العقوبات غير المسبوقة على النفط الخام الروسي وقرار تحالف "أوبك+" خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً بدءاً من أول نوفمبر (تشرين الثاني) أن ترتفع الأسعار، لكن ما حدث أنها أخذت في النزول.
فخلال ساعات من بدء فرض حظر النفط من قبل الدول الأوروبية وتنفيذ سقف السعر على مبيعات روسيا، تكدست ناقلات النفط في مضيق البوسفور. مع ذلك، لم تعان السوق أي نقص في الإمدادات وأخذت الأسعار في الهبوط. وأغلق سعر العقود الآجلة للنفط بنهاية تعاملات الأسبوع على 76.15 دولار لخام "برنت" القياسي وسعر الخام الأميركي الخفيف (مزيج غرب تكساس) عند 71.46 دولار للبرميل.
أسباب الانخفاض
في تحليل مطول لصحيفة "فايننشال تايمز" نشرته السبت، أشارت إلى أن تلك العقوبات غير المسبوقة على النفط الروسي، بخاصة حظر استيراد الأوروبيين، استهدفت إجبار موسكو على خفض صادراتها التي لا تستطيع تحويلها إلى مشترين آخرين، تحديداً في آسيا. لكن الصادرات الروسية لم تنخفض كثيراً في الواقع، إذ تشير الأرقام من منافذ الشحن ومراكز تتبع الناقلات إلى أن صادرات روسيا لم تتراجع بعد سوى بنحو نصف مليون برميل يومياً، من 8 ملايين برميل يومياً إلى 7.6 مليون برميل يومياً تقريباً.
يقول رئيس شركة "أوبل إكس" التي تتابع حركة النفط العالمية فلوريان تيلر، "تظل إمدادات النفط الروسية عند مستوياتها العالية كما كانت طوال العام"، ويضيف أن "أي انخفاض في الإنتاج لن يظهر إلا بنهاية الربع الأول من العام المقبل 2023".
كما أن فرض سقف السعر عند 60 دولاراً للبرميل قد لا يعني خفض عائدات روسيا من مبيعاتها النفطية كثيراً بحسب الهدف الرئيس للعقوبات وهو حرمانها من مصادر الدخل التي تمول حربها في أوكرانيا. فبنهاية تعاملات الأسبوع كان خام الأورال، مزيج التصدير الرئيس من روسيا، يباع في العقود الآجلة عند سعر 53 دولاراً للبرميل، أي أقل من سقف السعر المفروض بالفعل.
وعلى رغم أن رد فعل موسكو الأولي كان تكرار ما أعلنته من قبل أنها لن تصدر نفطها إلى أي مشترٍ يطبق سقف السعر، لكن لا أدلة على حدوث ذلك حتى الآن. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، إن سقف السعر يقل عن السعر الحالي للنفط الروسي، وأضاف، "لن نعاني أي خسائر تحت أي ظرف"، مما يعني أن روسيا قد تتعمد عدم استقرار السوق بحسب إشارته إلى أنها ربما تخفض إنتاجها وصادراتها "إذا دعت الضرورة" لذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يذكر أن الاقتراح الأولي الذي طرحه الأوروبيون في مسألة سقف السعر كان فرض العقوبات على أي ناقل للنفط الروسي لا يلتزم السقف بالمطلق، إلا أن الأميركيين طلبوا تخفيف ذلك لتصبح العقوبة لمدة 90 يوماً فقط، وذلك على من يوفر الناقلات أو خدمات التأمين لشحنات نفط خام روسية لا تلتزم سقف السعر.
وهدف إدارة بايدن هو ضمان استمرار انسياب النفط الروسي إلى السوق كي لا يقل العرض فترتفع الأسعار. فإذا كانت دول الغرب تريد أن تعاقب روسيا، فليس من المفيد أن تعاقب نفسها بارتفاع الأسعار، بالتالي معدلات التضخم في وقت ربما تستفيد موسكو من ارتفاع الأسعار.
قرار "أوبك+"
حين قرر تحالف "أوبك+" في أكتوبر (تشرين الأول) خفض سقف ال‘نتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، ثارت ثائرة الإدارة الأميركية واتهمت منظمة "أوبك"، "بالاصطفاف مع روسيا" في حرب طاقة عالمية. كذلك اتهمت منظمة الطاقة الدولية "أوبك" بأنها تعرض الاقتصاد العالمي للخطر.
لكن على رغم الانتقادات والاتهامات "أثبتت الأسابيع الخمسة الماضية أن قرار أوبك+ كان في غاية الحكمة"، بحسب تعبير "فايننشال تايمز"، فما حدث أن الأسعار انخفضت ولم ترتفع "ما عزز ما قاله وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان إن التخفيضات أمر ضروري كإجراء مسبق في مواجهة ضعف الاقتصاد العالمي" وأكدت الصحيفة أن ذلك حافظ على توازن السوق واستقرارها.
ومع أن قرار "أوبك+" كان بخفض سقف الإنتاج بمليوني برميل يومياً، لكن الخفض العملي في العرض كان في حدود مليون برميل يومياً فقط كما يقول المحللون في سوق النفط. وهناك عدد من الدول الأعضاء في "أوبك" تنتج بالفعل بأقل من حصتها الإنتاجية مثل أنغولا ونيجيريا بسبب مشكلات إنتاجية فيها.
ولم تعد السوق الآن قلقة من نقص المعروض بقدر قلقها من انخفاض الطلب على الطاقة مع توقعات دخول الاقتصاد العالمي في ركود العام المقبل. ويقول الرئيس التنفيذي لبنك "غولدمان ساكس" الاستثماري ديفيد سولومون، "كلما تحدثت مع العملاء ألاحظ الحذر الشديد في توجهاتهم. كثير من رؤساء الشركات يراقبون البيانات والأرقام وينتظرون ما يمكن أن يحدث".
ومن الأدلة الواضحة في السوق على هذا التحول بسبب مخاوف تراجع الطلب أن السعر الفوري للنفط لم يعد أعلى من سعر البيع في العقود الآجلة كما هو المعتاد، ويعني ذلك أن السوق تقدر أن العرض سيزيد على الطلب العام المقبل مما يشكل ضغطاً على الأسعار نزولاً.
وبحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية، شهد الطلب الصيني على النفط هذا العام أول انكماش له منذ مطلع القرن الـ21. كما أن الطلب على الوقود في الولايات المتحدة لم يرتفع بمعدل النمو السنوي التقليدي. وذلك مؤشر قوي من أكبر اقتصادين في العالم إلى احتمالات انخفاض الطلب على النفط العام المقبل.