حين فاز المنتخب السعودي على الأرجنتين في كأس العالم الشهر الماضي، احتفل لاعبوه بالسجود على أرض الملعب. في الإسلام، يسجد المصلّون لشكر لله. بالنسبة إلى مشجعة كرة القدم، فتحية صالح، كانت المرة الأولى التي شعرت فيها بأن أحداً ما يمثّلها، هي الرياضية المسلمة، على الساحة العالمية.
وتقول صالح التي شاركت كذلك بتأسيس نادي سيسترهود لكرة القدم "نشاهد بعد طول انتظار أشخاصاً يشبهوننا ومجتمعات مثل مجتمعاتنا تحرز خطوات كبيرة في الرياضة يتابعها الجميع حول العالم وهذا أمر ملهم". تعتبر الفرقة الرياضية التي تتخذ من جنوب لندن مقراً لها أول نادٍ لكرة القدم تأسّس للمسلمات فحسب في المملكة المتحدة، على أمل أن يرتفع مستوى المشاركة والتنوع في الرياضة. وفقاً لاستطلاع آراء جديد أجرته جمعية مسلمة الرياضية وهيئة التعداد الإسلامية "مسلم سينسوس" (Muslim Census)، تقول ثلث المسلمات تقريباً في بريطانيا إنهنّ لا يشاركن في الألعاب الرياضية ولا يمارسن النشاطات الرياضية بانتظام، فيما قالت 33 في المئة غيرهن إنّ تجاربهنّ السابقة أثّرت سلباً في مشاركتهن في الرياضة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فُتحت النقاشات حول التمثيل في كرة القدم مع انطلاق مباريات كأس العالم في قطر الشهر الماضي. فيما هذه أول مرة تُعقد فيها بطولة رياضية كبرى في دولة ذات غالبية مسلمة، وبينما تستعرض الفرق الرياضية المتنوعة عرقياً ودينياً مثل منتخب المغرب والسنغال، مهاراتها أمام العالم، يبرز هذا الحدث كذلك الاندفاع من أجل تحسين التمثيل في عالم الرياضة. ومع تواصُل المباريات، التي تُعقد بعد الفوز الأخير لمنتخب كرة القدم البريطاني للنساء في كأس أوروبا هذا العام، تشعر رياضيات مسلمات كثيرات بأن فرصتهن حانت أخيراً لكي يراهنّ الآخرون ويصغون إليهن ويحترمونهن في ميدان الرياضة مثل كرة القدم والعدو ورياضات كثيرة غيرها.
وتقول صالح "عانى فريقنا فترة طويلة لكي تتعامل معه الفرق الأخرى والمدربون والرعاة بجدية. نشعر بأنها فترة مثيرة ستحدث تغييراً في أوساط الفرق الرياضية مثيلاتنا والنساء اللواتي يلعبن لمصلحة نادينا". أسست صالح نادي سيسترهود لكرة القدم عام 2018 بعد شعورها بالانزعاج والإقصاء من الفرق الرياضية التي شاركت فيها سابقاً. وتقول "كان أي فريق أرغب بالانضمام إليه يتألف إجمالاً من البيض ولم أشعر بأنه يمكن أن يضمّ نساء مثلي أو نساء يرغبن بارتداء سروال طويل أو أكمام طويلة". تعتبر كثير من المسلمات الملتزمات ارتداء الثياب المحتشمة جزءاً مهماً من ممارسة تعاليم الدين وهو أمر أُثبت خطأ أنه يشكّل عائقاً أمام ممارسة الرياضة.
بعد مرور أربع سنوات، كبر الفريق بسرعة. حالياً، تنتسب أكثر من مئة لاعبة منتظمة إلى نادي سيسترهود لكرة القدم، وتتفاوت قدراتهن بين مبتدئات ومحترفات. شارك الفريق في منافسات محلية وتعاون مع علامات تجارية بارزة مثل "أديداس" و"نايكي" و"بوما". لكن على رغم هذه النجاحات، لا يزال الفريق يواجه التمييز على أرض الملعب وخارجه.
تذكر صالح تعليقاً كتبه أحد الغرباء على منشور لنادي سيسترهود على منصة "إنستغرام". وعلقت كلماته بذهنها "كتب 'يجب أن ترتدي الثياب المسموحة في كرة القدم، وهي السروال القصير والقميص قصير الأكمام، وإن لم تردن ارتداءها، لا يجب أن تلعبن'". كما يعاني الفريق في العثور على أماكن منتظمة يمكنه اللعب فيها غير المتنزهات وحرم الجامعات. ومن الصعب عليه كذلك إيجاد مدرّبين. وهاتان المشكلتان دليل على ضرورة إيجاد تمويل أفضل للفرق الرياضية الشعبية مثل نادي سيسترهود.
من جهتها أيضاً، تدعو فاطمة موسى، منسقة نشاطات العدو في نادي عدّاءات أسرى (Asra)، إلى تحسين الدعم الملموس للفرق الرياضية النسائية المسلمة. انطلق نادي أسرى للعدو عام 2019، تؤججه آمال مماثلة بتشكيل مساحة آمنة للنساء المسلمات، تسمح لهن بممارسة الرياضة وتشكيل مجتمع صغير. منذ ذلك الوقت، استقبلت المجموعة أكثر من 200 شخص أسبوعياً لممارسة رياضة العدو، وهو رقم يبيّن الطلب على مساحات شبيهة بالتي يقدّمنها. وتفيد موسى: "قالت مشتركات كثيرات إنهن لطالما أردن أن يركضن وأصبح لديهن الآن مكاناً يسمح لهنّ بفعل ذلك. غالباً ما تصطحب المشاركات أخواتهن أو أمهاتهن أو صديقاتهن، وهذا دليل على مدى شعورهن بالراحة والأمان. عانت بعضهن من تجارب سلبية في السابق، كأن يشعرن بأنهن مختلفات جداً أو غريبات عن المجموعة بسبب ارتدائهن للحجاب".
وبينما يُحتفل بكأس العالم وبالانتباه الذي استقطبته مباريات كأس أوروبا للنساء باعتبارها مناسبات تاريخية للتمثيل، تحرص موسى على عدم المبالغة بأهميتها. وتقول "هذا موضوع يتعدّى قضية التمثيل إلى قضية التعامل مع العوائق الحقيقية التي يواجهها الناس. عملت الفرق مثل نادي أسرى على التعامل مع هذه العوائق لكننا أيضاً بحاجة إلى التمويل ونحتاج أن تنظر العلامات التجارية إلى المسلمات بطريقة أكثر شمولاً، ولا تقتصر نظرتها إليهن على الحجاب مثلاً. من المهم أن يرانا الآخرون لكننا بحاجة إلى دعم على الصعيد الشعبي".
يجب أن يبدأ هذا الدفع باتجاه تحسين الدعم بسنّ صغيرة، كما تقول سارة طالقاني، التي تمارس لعبة كرة القدم منذ فترة طويلة وتشجّع المباريات الرياضية. وتضيف "خلال نشأتي، لم أشعر بالدعم أبداً. على رغم كوني رياضية، لم أحظَ بتشجيع نظرائي ولا أساتذتي كي أمارس الرياضة لأنهم اعتبروا أنّ حجابي مصدر خطر صحي". كان الحجاب- غطاء الرأس الذي ترتديه مسلمات كثيرات ملتزمات- محظوراً من جانب الفيفا، بالإضافة إلى غيره من أغطية الرأس، حتى عام 2012. والسبب الذي قدمه الاتحاد هو الزعم بأنه يشكّل خطراً كبيراً للإصابة بالرأس أو العنق. بعد سنوات من الحملات، رُفع الحظر رسمياً في عام 2014.
وتقول طالقاني "كان يُطلب مني إما أن أخلع الحجاب أو أن أربطه بطريقة مختلفة لذلك توقفت عن الذهاب كلياً. فعلى رغم رغبتي الدائمة بممارسة الألعاب الرياضية، لم يكن ذلك مكاناً مريحاً بالنسبة إليّ". بعد اكتشافها نوادي مثل نادي سيسترهود لكرة القدم ونادي أسرى، تقول طالقاني إنها تشعر بثقة أكبر الآن في ممارسة الرياضة. "لست مضطرة للقلق بشأن إيجاد ملابس رياضية محتشمة بما فيه الكفاية أو بشأن القدرة على الصلاة. أشعر بالراحة ويمكنني الاستمتاع بالمشاركة في الأنشطة من دون أن أقلق بشأن حكم الآخرين عليّ".
وتقول ياشمين هارون الحائزة على ميدالية الإمبراطورية البريطانية، وهي رئيسة ومؤسسة جمعية مسلمة الرياضية- المنظمة الخيرية التي تأسست عام 2014، وتعمل على تسهيل ممارسة النساء المسلمات عدة ألعاب رياضية وتطوّعهن فيها وتدريبهن لها- إن النقاش الدائر حول تمثيل كل الأشخاص في الرياضة لا يزال أمامه طريق طويل. وتشرح "نريد أن تكون مشاركة النساء المسلمات في الرياضة جزءاً من الوضع الطبيعي وليس حدثاً استثنائياً. يحتاج هذا الموضوع إلى دعم مجتمعاتنا المحلية وحلفائنا إنما أيضاً الإعلام والجهات التي تُخبر قصصنا".
وتضيف هارون بأنّ كأس العالم ليس سوى البداية في مسار النقاشات المتعلقة بالتنوع والدمج في عالم الرياضة. وتقول "كان من الملهم أن نرى عدداً أكبر من النساء في المباريات في قطر، ولا سيما نساء من الدول الأفريقية- وربما يعود ذلك إلى مكان انعقاد كأس العالم وإلى منع الكحول فيه. لكن بغض النظر عن ذلك، أصبح عدد أكبر من النساء المسلمات يحببن الرياضة، والأهم أنهنّ يلعبن ويدرّبن. لا شك في أن هذا أمر جيد".
تعلّق صالح من نادي سيسترهود لكرة القدم آمالاً كبيرة على المستقبل. وتقول "إن رؤية الشوط الكبير الذي قطعته النساء اليوم مقارنة بعشرة أو عشرين عاماً مضت يعطينا الأمل بأن تتمكن المسلمات يوماً ما من اللعب على مستوى احترافي. ربما نرى سيدة مسلمة ومحجّبة تلعب في الدوري الممتاز للسيدات أو في كأس العالم، يوماً ماً".
© The Independent