في ذروة مناقشة الإسرائيليين لمدى أهمية البرقية الأخيرة التي أرسلها الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين من سوريا، والتي كشف عنها رئيس الموساد دافيد برنياع، اعتبر شقيقه إبراهام كوهين، في حديث مع "اندبندنت عربية"، أن هذه البرقية لا تأتي بجديد ولا تضيف معلومات للعائلة عن الساعات الأخيرة لإيلي كوهين قبل توقيفه من جانب أجهزة الأمن السورية.
وسأل إبراهام كوهين عن دوافع برنياع لنشر البرقية، وإذا ما كانت ستحسم الخلاف الذي يدور منذ سنوات بين عائلة كوهين وأجهزة الأمن الإسرائيلية في شأن سبب القبض على إيلي كوهين، إذ إن هناك روايتين، واحدة تقول إن الموساد ضغط على عميله لبث رسائله الاستخبارية إلى إسرائيل بشكل مكثف ما أسهم في كشفه والقبض عليه، وأخرى تتحدث عن عدم يقظة كوهين ومبالغته في الثقة بالنفس.
من جهته اعتبر برنياع لدى نشره البرقية أن "أجهزة الأمن السورية قبضت على كوهين في دمشق بعدما حددت المكان الذي بث منه البرقية الأخيرة إلى مقر الموساد، ووصف برنياع ذلك بأنه "حقيقة استخباراتية منذ الآن".
أهم الجواسيس وإعادة الجثة
ويعد إيلي كوهين أهم الجواسيس الإسرائيليين الذين خدموا تل أبيب من داخل الدول العربية، بعدما نجح في إقامة علاقات على أعلى المستويات السياسية والعسكرية في سوريا، وقد بدأ نشاطه التجسسي في عام 1962 وأُعدم شنقاً في ساحة مركزية في دمشق في مايو (أيار) 1965.
وعلى مدار سنوات طويلة بذلت عائلته وحكومات إسرائيلية وأجهزة الأمن جهوداً لاستعادة رفاته، لكن من دون جدوى، وخلال سنوات الحرب السورية تدخلت جهات دولية في محاولة لمعرفة مكان دفن الجثة، وفحصت عينات قيل إنها تعود له.
وخرجت العائلة قبل سنوات بحملة اتهمت فيها أجهزة الأمن بإهمال قضيته وعدم بذل الجهود الكافية لاستعادة رفاته من سوريا أو معرفة مكان وجودها على الأقل.
ويقول شقيق إيلي كوهين، إن التوقعات أو إمكان استعادة الجثة لم تعد ذات صلة في ظل التطورات والوضعية التي تعيشها سوريا، ويضيف "لا ندري أصلاً إذا ما كانت الجثة موجودة ولا نستبعد أن يكون السوريون قد تخلصوا منها بطرق مختلفة، بكل الأحوال باتت مسالة استعادة الجثة أمراً غير منطقي، صحيح أن هذا الطلب كان ملحاً لنا جميعاً وعملنا كثيراً من أجل استعادتها، ولكن هناك وسائل عدة نعوض من خلالها عن وجود جثة وضريح لزيارته".
تحقيقات معمقة تبعد المسؤولية عن الموساد
حديث برنياع خلال افتتاح متحف خاص في هرتسليا أقيم لذكرى إيلي كوهين، على رغم أنه أثار مجدداً النقاش في شأن مدى اهتمام الحكومات الإسرائيلية والجهات المسؤولة لاستعادة جثة كوهين، لكنه في الوقت نفسه لم يأت بما هو جديد سوى التفاخر بأن الجاسوس كوهين وصل إلى أعلى الشخصيات السورية وأقام العلاقات معها.
وأراد برنياع أن يوجه رسالة إلى عائلة كوهين، التي ظهرت متفككة خلال افتتاح المتحف، فلم يبرز بين الحضور سوى أسرته وقد حيدت شقيقه وآخرون من العائلة، بحسب ما قال شقيقه إبراهام الذي عبر عن استيائه من استبعاده مع آخرين من عائلة كوهين، "حتى إننا لم نعلم عن إقامة المتحف سوى من وسائل الإعلام على رغم الجهود والأعمال التي قمنا بها على مدار سنوات طويلة في سبيل إثارة قضية شقيقنا إيلي كوهين".
وانتقد إبراهام حديث برنياع بخصوص البرقية وكشفها اليوم بعد سنوات طويلة، ليتحدث عن أن الموساد أجرى تحقيقاً معمقاً في شأن السبب الذي أدى إلى كشف إيلي كوهين.
برنياع قال خلال حديثه "بعد إجراء تحقيق عميق، أخيراً تبين أنه لم يتم القبض على إيلي كوهين بسبب كمية الرسائل التي بثها، أو بسبب ضغوط مارسها عليه جهاز الموساد كي يبث بشكل مكثف أكثر، لقد قبض عليه بسبب عمليات بث التقطها العدو"، وأضاف "ببساطة تم التقاطها وتحديد مكانها ليلقى القبض عليه بعد أقل من ساعة".
البرقية الأخيرة
وكتب كوهين في البرقية التي نشرها برنياع "لقد عقد اجتماع في هيئة الأركان العامة عند الساعة الخامسة من مساء أمس مع (الرئيس السوري حينها) أمين الحافظ وضباط كبار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي رد على النقاش الذي أثير من جديد في شأن أسباب كشف إيلي كوهين، أصدر الموساد بياناً جاء فيه "الموساد عمل وسيستمر في العمل من أجل توفير معلومات استخباراتية وتفاصيل جديدة عن الفترة التي عمل فيها إيلي كوهين في سوريا، وسيستمر في العمل من أجل إحضار رفاته للدفن في إسرائيل".
وشارك في افتتاح المتحف الرئيس اسحق هرتسوغ الذي تحدث متفاخراً عن "إيلي كوهين أكبر جواسيس إسرائيل"، مضيفاً أنه "لعب دوراً كبيراً ومهماً في تزويدنا بعديد من المعلومات المهمة والمتنوعة".
أما زوجته نادية كوهين فتحدثت عن الجهود التي بذلتها لجمع ما يحتويه المتحف، مؤكدة أن جهودها لإعادة رفاته لن تتوقف.
عدم حذره
على رغم محاولات برنياع تحسين العلاقة بين عائلة كوهين والموساد، إلا أن جميع التصريحات والبيانات التي خرجت من الموساد، حتى تصريح برنياع، جاء فيها بشكل واضح أن ضبط كوهين في سوريا حصل بسبب عدم حذره، وهناك مقولة أخرى للموساد تفيد بأن اعتقاله جاء نتيجة وجود جاسوس أجنبي داخل الموساد.
من جهة ثانية كان الموساد قد تبنى الرواية السورية في شأن كشف الجاسوس كوهين في محاولة للتنصل من المسؤولية، وقد جاء في الرواية السورية أنه "تم رصد بث كوهين معلومات عدة إلى الموساد، بمساعدة تكنولوجيا سوفياتية حديثة في حينه".