أعلن مكتب الإحصاء الوطني البريطاني" أن معدلات التضخم تراجعت بشكل طفيف الشهر الماضي عن الشهر الذي سبقه بسبب انخفاض أسعار الوقود مع هبوط أسعار النفط والغاز وارتفاع سعر صرف الجنيه الاسترليني مقابل الدولار الأميركي، الذي تقاس به أسعار الطاقة، وكان سعر صرف الاسترليني ارتفع إلى أعلى مستوى له أمام الدولار في ستة أشهر ليصل إلى 1.24 دولار للجنيه، وذلك بعدما أشارت أرقام التضخم في الولايات المتحدة إلى تباطؤ في ارتفاعها.
وارتفع معدل التضخم في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) بنسبة 10.7 في المئة، مقابل ارتفاعه في شهر أكتوبر (تشرين الأول) بنسبة 11.1 في المئة، والسبب الرئيس هو انخفاض معدل الزيادة في أسعار الوقود التي ارتفعت الشهر الماضي بمعدل سنوي بنسبة 17.2 في المئة مقابل ارتفاعها في الشهر السابق بنسبة 22.2 في المئة بمعدل سنوي.
في المقابل ما زال ارتفاع أسعار الغذاء، بخاصة في قطاعات الضيافة من مطاعم ومقاه وغيرها، عند أعلى مستوياته منذ عام 1991، لكن أغلب المحللين يرون أن ذلك لن يؤثر كثيراً في وقف الارتفاع في تكاليف المعيشة، إذ سترتفع كلفة فواتير الطاقة للمنازل مع بداية الشهر المقبل، على الرغم من برنامج الدعم الحكومي الذي وضع سقفاً لارتفاع فواتير الطاقة.
وحسب بيانات وأرقام مكتب الإحصاء الوطني، تظل أسعار الطاقة والغذاء الدافع الرئيس لارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين، لذا يعد المكون الأساس لمعدلات التضخم، وما زالت أسعار الطاقة والغذاء مرتفعة عند نسبة 16.4 في المئة بمعدل سنوي.
كلفة المعيشة
لا يعني التباطؤ في ارتفاع معدلات التضخم أن الأسعار ستأخذ في الهبوط، ولكن على الأقل لن يكون ارتفاعها بالوتيرة التي كانت عليها من قبل، ولا تزال معدلات التضخم مرتفعة بما يساوي خمسة أضعاف المستهدف من قبل بنك إنجلترا "المركزي البريطاني" الذي يحدد مستوى تضخم عند نسبة اثنين في المئة، وحسب صحيفة "الفايننشال تايمز" فإن هذا التباطؤ لن يوقف الارتفاع في تكاليف المعيشة مع استمرار زيادة الأسعار وتراجع القيمة الحقيقية للأجور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير أرقام مكتب الإحصاء الوطني إلى أن بريطانيا تشهد أكبر انهيار في القيمة الحقيقية للأجور منذ بدأت السجلات عام 2001، فلم يزد نمو الأجور عن نسبة 4.2 في المئة في شهر أكتوبر، أي أقل من نصف الزيادة في معدلات التضخم، وتتباين الزيادة من 2.7 للعاملين في الحكومة والقطاع العام إلى أكثر من ستة في المئة للعاملين في القطاع الخاص.
كما أن معدلات البطالة ارتفعت بشكل طفيف إلى نسبة 3.7 في المئة، مقابل نسبة 3.6 في المئة في الشهر السابق، وتراجعت فرص العمل المتاحة بمقدار 65 ألف وظيفة في الربع الثالث من العام، لتصبح عند 1.9 مليون وظيفة متاحة في الاقتصاد البريطاني.
ويطالب العاملون في الحكومة والقطاع بزيادة أجورهم المجمدة منذ فترة، كي يتمكنوا من مواجهة الارتفاع الهائل في كلفة المعيشة، لكن الحكومة ترفض الزيادة بمعدلات تساوي أو تقترب من معدلات ارتفاع التضخم لأن ذلك سيثقل كاهل الميزانية التي تحاول حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك ضبط حساباتها، وهذا ما أدى إلى سلسلة من الإضرابات تكاد تشل الحياة العامة في البلاد.
وبعد صدور أرقام مكتب الإحصاء الوطني، كرر وزير الخزانة البريطاني جيريمي هنت الإصرار على موقفه من زيادة الأجور للعاملين في القطاع العام، وأضاف في بيان له، "أعلم أن الأمور صعبة على كثيرين حالياً، لكن من الضروري أن نتخذ القرارات الصعبة المطلوبة لكبح جماح التضخم، فهو عدونا الأول الذي يؤدي إلى إفقار الجميع، لأننا إذا اتخذنا القرار الخطأ الآن فسيستمر ارتفاع الأسعار لفترة أطول ما يزيد الألم والمعاناة على الملايين".
أسعار الفائدة
ويتوقع المحللون في السوق أن تؤدي الأرقام الأخيرة بشأن معدلات التضخم وتراجعها الطفيف عن أعلى مستوياتها في أكثر من 40 عاماً، إلى توجه بعض أعضاء لجنة السياسات النقدية في بنك إنجلترا نحو الاعتدال في تحديد سعر الفائدة بدلاً من التشديد.
ولا يعني ذلك أن البنوك المركزية ستغير من توجهها برفع أسعار الفائدة لوقف ارتفاع التضخم، لكنها لن تكون مضطرة إلى رفعها بنسبة كبيرة كما حدث في المرة السابقة، وكان الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" الأميركي وبنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي رفعت أسعار الفائدة بثلاثة أرباع النقطة المئوية (0.75 في المئة) في آخر اجتماع لها.
وتعلن البنوك المركزية الثلاثة آخر قرار بشأن سعر الفائدة هذا العام يوم الخميس، وتتوقع الأسواق أن يكون رفع سعر الفائدة بنحو نصف نقطة مئوية "0.5 في المئة"، ويذكر أن معدلات التضخم في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو أظهرت بعض التباطؤ في ارتفاعها في أحدث قراءة لمؤشر أسعار المستهلكين، وتراجع ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في شهر نوفمبر الماضي ليزيد بنسبة 7.1 في المئة، بعدما كان قد ارتفع بنسبة 9.1 في المئة في شهر يونيو (حزيران).