نحن نعيش في عصر البطل الخارق. لا مناص من الاعتراف بذلك. إن ثقافتنا الشعبية مهووسة بهذه الأشكال، فإذا ذهبت إلى السينما في أي أسبوع، يكون بوسعك بشكل موثوق أن ترى مشاهد عن صاحب عضلات مفتولة Übermenschen (الإنسان المتفوق) وهو ينقذ العالم. ويتعامل عدد من تلك الأفلام مع هذا الأمر بشكل صريح، بينما هناك أفلام أخرى، كتلك الخاصة بجيمس بوند و"فاست اند فيوريوس" (سريع وغاضب)، تدور حول بطل خارق في كل شيء باستثناء الاسم. وإذ أغرقت هوليوود السوق بقصص من هذا النوع، فقد اضطر الممثلون إلى الرضوخ أمام أهواء هذا النموذج الجديد. لكن ماذا يعني ذلك بالضبط؟ عضلات الإلية، وعضلات الصدر، وعضلات المعدة. إنها "تحولات الجسم". لم تعد الأجسام الطبيعية تفي بالمطلوب.
في ضوء ذلك، من السهل أن نفهم لماذا يشكك كثيرون في أن صناعة السينما تعاني مشكلة الـ"ستيرويد" [تعتبر عائلة عقاقير ستيرويد من أبرز المنشطات وأكثرها انتشاراً في الحاضر]. وقد رأينا على امتداد العقد الماضي مجموعة كبيرة لا تعد ولا تحصى من الرجال العاديين يغيرون أبعاد أجسامهم كي يصبحوا رجالاً جميلي الطلعة يتمتعون ببنية متينة بهدف تلبية متطلبات هذا الدور الرائج أو ذاك. في هذا الأسبوع، وجه جو روغان في مدونته الصوتية اتهاماً للمثل دواين جونسون [الملقب بـ] "ذا روك" (الصخرة) بشأن استعمال الستيرويد. وجدير بالذكر أن روغان رجل له تاريخ مريب حينما يتصل الأمر بالصرامة الصحافية. (وقد اعترف جونسون بتجريب استخدام عقاقير لتحسين الأداء في شبابه، إلا أنه أشار إلى أن ذلك بات شيئاً من الماضي). ووجه روغان اتهاماً مماثلاً إلى كريس هيمسورث الذي دفعته تأديته دور "ثور"، الإله في الأساطير الإسكندنافية القديمة، في أحد أفلام "عالم مارفل السينمائي" [سلسلة أفلام ومسلسلات خيالية تتناول أبطالاً خارقين، تنتجها شركة مارفل]، إلى زيادة وزنه حتى يغدو صاحب هيكل بشري ضخم حقيقي. (نفى مدربو هيمسورث [صحة] الإيحاء بأنه قد استعمل المنشطات لمساعدته في هذا التحول). وإذا كان المرء ليصدق بعض الخبراء، فقد صار استعمال المنشطات شائعاً بين الممثلين. مثلاً، انظر إلى مقالة "السر الصريح كي تبدو خارقاً" التي نشرتها مجلة "فوكس" في عام 2021.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبثقة، يمكننا الافتراض أن هوليوود تمارس "العصر" [استتنزاف طاقات وأجساد الممثلين]. وحينما يكون الوصول إلى المخدرات سهلاً، مع غياب المساءلة الكافية ووجود الدوافع المالية، على غرار الحال بكل تأكيد في صفقات أفلام معروضة للنقاش بملايين الدولارات، سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن المنشطات لن تكون مطروحة. (وعلى المنوال ذاته، نعلم جميعاً أنه سيكون من الغباء افتراض أن الكوكايين غير منتشر حتى الآن في حفلات هوليوود كلها، لمجرد أن صناعة السينما قد ازدادت كفاءة في التكتم على مذهب المتعة [المعتمد] فيها). في المقابل، أن التكهن بشأن مثل تلك الأشياء ليس مفيداً، على غرار ما فعل روغان الذي تناول كل حالة على حدة، انطلاقاً من مجرد الحدس أو المشاعر حيال مكاسب حققها ممثل بعينه. وإذا كان جونسون "معصوراً" هو أمر غير جوهري في نهاية المطاف. وليست المنشطات سوى واحداً من أعراض مشكلة أكبر تواجهها هوليوود، يجسدها النقص المزعج في تنوع الأجسام [التي نراها] على الشاشة.
في ذلك الصدد، لقد ظهر على الدوام ممثلون معروفون بأجسادهم التي تبدو كأنها منحوتة نحتاً كالممثل أرنولد شوارزينغر (الذي أقر باستعمال الستيرويد أيام ممارسته رياضة كمال الأجسام، حين كان من الممكن وصف مظهره بأنه كان منتفخاً بشكل مؤلم). لكن آرني شوارزينغر شكل دوماً استثناء للقاعدة. إذ إنه رجل بنيته الجسدية غير عادية إلى حد بعيد حتى أن الناس تقبلوه بشغف حين أدى دور آلة قتل روبوتية. اعطه دور رجل عادي في فيلم "جينغل أول ذا واي" (أصدر صوت رنين كل الطريق)، وسينتهي الأمر بالجمهور إلى الوقوع في حيرة من أمره. لكن في المناخ السائد حالياً، كل ممثل ذكر في "القائمة أ" هو [شبيه بـ] شوارزينغر في "جينغل أول ذا واي"، مع اللياقة البدنية الخشنة التي باتت تعتبر معيار تميز نجوم السينما.
إذا كان الممثلون يستعملون المنشطات بالفعل، فثمة عدد من المخاطر الصحية الموثقة توثيقاً جيداً [تواجه من يستخدمونها]، من زيادة احتمالات الإصابة بسكتة دماغية إلى مشكلات في القلب والأوعية الدموية المحتملة. غير أن الضرر الذي لحق بجمهور السينما قد يكون مقلقاً بالقدر نفسه. وغالباً ما يجري الحديث عن مشكلات هوليوود مع صورة الجسد من منظور أنثوي في المقام الأول، ولسبب وجيه. لكن الرغبة في اكتساب عضلات مفتولة قوية وتخصيص مساحات كبيرة من وقت الفراغ لرفع الأثقال وتناول بروتينات مسحوقة على شكل بودرة على مضض، تتزايد انتشاراً بين الرجال.
ثمة كلام كثير عن النقص المدقع في التنوع في الأجسام في الأفلام السينمائية السائدة. ونادراً ما يسمح للممثلين الذين يتسمون بالبدانة أن يصبحوا نجوماً، وكذلك فأنهم لا يفوزون بفرصة احتلال الصدارة في أفلام كبيرة رائجة. تصف الكلمات السابقة وضعاً أساسياً ومستمراً بشكل دائم. واستطراداً، يلاحظ أن مساحة تحديد ما يمكن اعتباره كجسد "مقبول" بالنسبة إلى نجم أفلام الأكشن، قد تقلصت بشكل متزايد خلال العقد الماضي. لم يتبق لنا سوى "قائمة آ" التي تغص برجال يبدو كل منهم مطابقاً للآخر من الرقبة فما دون، وبتنا أمام مافيا من الأشخاص المفتولي العضلات. ويعود جزء من السبب في رواج سردية كاملة مفادها بأن "هوليوود هي مجرد مجموعة من الرجال البيض البشرة ممن يحملون اسم كريس"، إلى كون جميع هؤلاء الممثلين، كريس هيسمووث، وإيفانز، وبرات، وباين، يلتزمون بشكل رتيب المعايير الموحدة نفسها في التفوق البدني.
في النهاية، حتى إذا خلت هوليوود تماماً من المنشطات، فلن يحدث ذلك فارقاً كبيراً. ثمة ثروة من المزايا الأخرى لتحسين الأداء باتت بالفعل تحت تصرف الممثلين، سواء من مدربيهم الشخصيين وخبراء التغذية المحترفين لديهم أو [بفضل] عضوية الصالات الفاخرة للتمرينات الرياضية. ويمكن لأي شخص بالتأكيد، مع وجود ما يكفي من الانضباط والوقت، أن يرفع من مستواه. لكن إذا كنت تتطلع إلى أن تصبح عملاقاً في ذروة نموه وله أوعية دموية بارزة، فمن شأن المال والموارد أن تحدث فارقاً كبيراً.
وعلى رغم ذلك كله، تعرض هوليوود فيض من الرجال الجذابين ممن يتمتعون بعضلات مفتولة، ويقدم ذلك درساً حياتياً خبيثاً للأطفال والمراهقين ممن لا يزالون يشكلون الجمهور الأساسي لأفلام الأبطال الخارقين الحديثة. وتشكل تلك المعطيات درساً مفاده بأن الفضيلة الأخلاقية تتقاطع مع الكمال الجسماني، بالتالي، تسود القوة البدنية. وإذا سألتني، فإن هذه طريقة فاسدة إلى حد بعيد في النظر إلى العالم.
© The Independent