لم يتردد خليل الشقاقي مسؤول أعرق مركز لاستطلاع الرأي في فلسطين بوصف نتائج الاستطلاع الأخيرة لمركزه بـ"الانقلاب المفاجئ" بسبب تأييد أكثر من 72 في المئة من الفلسطينيين العمل المسلح ضد إسرائيل، وترجيح أغلبيتهم سياسة "أكثر تطرفاً وعدوانية" تجاه حكومة بنيامين نتنياهو المقبلة.
فالاشتباكات المسلحة المتصاعدة وغير المسبوقة منذ انتهاء الانتفاضة الثانية في الضفة الغربية مع الجيش الإسرائيلي تعتبر السبب الرئيس وراء جعل الضفة الغربية المنطقة الأكثر تغييراً في المواقف بحسب "المركز الفلسطيني للدراسات والبحوث المسحية".
كما أن بدء تشكيل حكومة بزعامة نتنياهو "أسهم في زيادة نسبة الاعتقاد بأن حل الدولتين لم يعد عملياً، وأن العمل المسلح وليس المفاوضات هو الطريق الأكثر فاعلية لإنهاء السيطرة الإسرائيلية"، وبحسب استطلاع جديد للرأي أجراه المركز فإن 72 في المئة من الفلسطنيين يؤيدون تشكيل مجموعات مسلحة كـ"عرين الأسود" لكن 59 في المئة منهم يخشون من أن يؤدي ذلك إلى اشتباكات مسلحة بينهم وقوى الأمن الفلسطينية.
إلهام "عرين الأسود"
وتسعى السلطة الفلسطينية إلى إقناع مسلحي "عرين الأسود" بتسليم أنفسهم وإلقاء أسلحتهم، وهو ما فعله عدد منهم، في حين اعتقلت إسرائيل وقتلت عدداً آخر.
لكن عشرات من هؤلاء المسلحين عادوا من جديد إلى شوارع مدينة نابلس بعد الاعتقاد بالقضاء على المجموعة التي لا يزيد عمرها على سنة ونصف السنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعارض 79 في المئة من المستطلع آراؤهم تسليم عناصر المجموعات المسلحة أنفسهم وأسلحتهم إلى السلطة الفلسطينية لحمايتهم من الاغتيالات الإسرائيلية، فيما يرفض 87 في المئة اعتقال السلطة هؤلاء المسلحين "لمنعهم من القيام بأعمال مسلحة ضد إسرائيل".
مع رفض قيادة حركة "فتح" الحالية العمل المسلح وتفضيلها المقاومة الشعبية السلمية، ومنع حركتي "الجهاد الإسلامي" و"حماس" من العمل في الضفة الغربية، يتوقع 59 في المئة من الفلسطينيين أن تنتشر هذه المجموعات المسلحة بمناطق أخرى في الضفة الغربية.
وبعد فوز اليمين الإسرائيلي بزعامة بنيامين نتنياهو وعودته إلى الحكم، يتوقع 61 في المئة من الفلسطينيين أن تصبح سياسة الحكومة الإسرائيلية الجديدة "أكثر تطرفاً وعدوانية"، في حين يشير 30 في المئة إلى أن تلك السياسة ستكون كما هي اليوم.
لذلك فإن 58 في المئة يرجحون "تغيير حكومة نتنياهو المقبلة الوضع الراهن في المسجد الأقصى، والسماح لليهود بالصلاة فيه"، كما يتوقع 68 في المئة طرد تلك الحكومة عائلات فلسطينية من الشيخ جراح ومن الخان الأحمر في القدس.
الرئيس و"مشاعر القهر"
ومع أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يؤيد المقاومة السلمية ويعارض العمل المسلح، فإنه حذر الأسبوع الماضي من أنه "قد يبدل رأيه"، مشيراً إلى أن الشعب الفلسطيني "يفقد صبره نتيجة الممارسات الإسرائيلية". وأوضح في مقابلة تلفزيونية أن "المقاومة الفلسطينية بالسلاح" سببها أن "الشبان يشعرون بالقهر". وحول العلاقة مع نتنياهو، قال الرئيس عباس إنه "سيتعامل معه من دون أن يتنازل عن الثوابت الفلسطينية"، مضيفاً أن "نتنياهو يرفض إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967".
لكن الرئيس الفلسطيني عاد ليحذر من الانسحاب من الاتفاقات مع إسرائيل "في أية لحظة"، مضيفاً أن إسرائيل "تنقضها منذ سبع سنوات". وشدد عباس على أن منظمة التحرير الفلسطينية "لن تحل السلطة، فهي باقية، والدولة الفلسطينية موجودة. يمكن الاحتلال أن يعمل أي إجراءات من أجل حل السلطة، لكن السلطة باقية ولن تنتهي، أنا لم أطرح على الطاولة خيار حل السلطة".
ويظهر الاستطلاع أن 75 في المئة من الفلسطينيين يريدون استقالة الرئيس عباس من المنصب الذي شغله منذ 17 سنة، إذ تبلغ نسبة الرضا عن أدائه 23 في المئة.
ويشير الاستطلاع إلى تراجع تأييد الشعب الفلسطيني لحركة "فتح" عما كانت عليه قبل نحو عامين، إذ يعتقد 28 في المئة منهم أن "حماس" هي "الأكثر جدارة في تمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني" اليوم، فيما تنخفض إلى 25 في المئة نسبة من يرون في "فتح" القدرة على ذلك.
وإذا جرت انتخابات رئاسية جديدة في هذه الأيام وترشح فيها محمود عباس وإسماعيل هنية فقط، فإن نسبة المشاركة فيها لن تتجاوز 46 في المئة فقط، 36 في المئة منهم سيصوتون لعباس، و54 في المئة لهنية، بحسب الاستطلاع.
أما إذا كانت المنافسة بين مروان البرغوثي وهنية، فإن نسبة المشاركة سترتفع إلى 62 في المئة، 61 في المئة منهم سيصوتون للبرغوثي، و34 في المئة لإسماعيل هنية.
انقلاب في المواقف
واعتبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني أن نتائج استطلاع الرأي "تظهر فقدان الشعب الفلسطيني الثقة والأمل بإمكانية صنع السلام عبر المفاوضات بسبب عدم وجود شريك إسرائيلي". وقال مجدلاني إن الحكومة الإسرائيلية الجديدة بزعامة نتنياهو "تتكون من أحزاب يمينية متطرفة وعنصرية وفاشية". وطالب مجدلاني القيادة والفصائل الفلسطينية بقراءة تلك النتائج بعناية وإدراك خطورة التحولات الجارية في المجتمع الفلسطيني، ثم العمل على وضع سياسات ومواقف تنسجم مع ذلك.
ووصف خليل الشقاقي أستاذ العلوم السياسية ومدير "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" نتائج الاستطلاع الذي أجراه مركزه بـ"الانقلاب في مواقف الفلسطينيين". وعزا الشقاقي ذلك إلى اقتحامات الجيش الإسرائيلي للمدن والقرى الفلسطينية منذ شهر مارس (آذار) الماضي، وما يرافقها من اشتباكات مسلحة مع الفلسطينيين وسقوط قتلى فلسطينيين.
وأضاف الشقاقي أن "فوز اليمين الإسرائيلي المتطرف في الانتخابات الأخيرة وتشكيله حكومة متطرفة أسهم في تأييد الفلسطينيين للعمل المسلح، إلى جانب التضامن العالمي الواسع مع الشعب الفلسطيني خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر". وأوضح أن نسبة "تأييد الفلسطينيين للمفاوضات انخفض 10 نقاط بسبب تلك التطورات"، مشيراً إلى أن "الفلسطينيين يعتقدون أن العمل المسلح هو الأسلوب الأنجع لإنهاء هذا الوضع".
وعن مطالبة أغلبية الفلسطينيين الساحقة باستقالة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أشار الشقاقي إلى أن ذلك يعود إلى "عدم امتلاكه استراتيجية للخروج من الوضع الراهن في العلاقات مع إسرائيل، واستمراره بالتنسيق الأمني معها وكأن عملية السلام موجودة وتؤتي نتائج إيجابية". لكن الشقاقي أوضح أن ذلك الموقف من الرئيس عباس يعود بشكل أكبر إلى اعتقاد الفلسطينيين "بأن شرعيته انتهت في ظل نظام سلطوي استبدادي يمنع إجراء الانتخابات". وأضاف أن "جزءاً كبير من الفلسطينيين يرون أن الرئيس عباس لا يريد إجراء الانتخابات لخشيته من الخسارة فيها".