يحمل أبو سراج مع أولاده وأحفاده في مدينة أريحا شرق الضفة الغربية، أطناناً من سعف النخيل التي يجمعونها مرة واحدة في العام من تنظيف مزارع النخيل في مدينة أريحا التي تضم حوالى 300 ألف شجرة نخيل، لكن ليس لرميها إلى جوانب الطرقات أو حرقها كما جرت العادة منذ سنوات، بل يتجهون بما يحملونه من سعف إلى أحد المصانع الفلسطينية للصناعات الورقية، الذي قرّر منذ عام 2016 تأسيس مصنع فلسطيني، يستغلّ سعف النخيل الغني بمادة السيليلوز لإنتاج الورق، فالسيليلوز يعتبر مادة أولية أساسية في كل الصناعات الورقية، إذ يستوعب المصنع سنوياً 1600 طن من سعف النخيل الخام.
من سعف إلى ورق
وهذا المصنع الذي يتخذ من مدينة أريحا مقراً له، أحد المصانع القليلة جداً في العالم التي تراعي في إنتاجها الحفاظ على البيئة، إذ يتميز المصنع عن غيره بإنتاج الورق من المخلفات الزراعية وخصوصاً سعف النخيل، طارق سعادة صاحب هذا المصنع تحدث إلى "اندبندنت عربية" قائلاً "بدأت الفكرة عام 2012 عندما خرجنا بجولة ميدانية إلى مدينة أريحا لمعاينة منطقة كان مخططاً لها أن تكون مصنعاً عادياً للورق، ولاحظت أنها مليئة بسعف النخيل وأن المزارعين هناك يلجأون إلى حرق مخلفات النخيل لكثرتها، وبقاءها على الأرض في المزارع يضرّ بأشجار النخيل، إذ تصبح عرضة للآفات الزراعية والأمراض التي قد تؤذي المحصول، وتوجهت بفكرتي إلى دول أجنبية لمساعدتي في تصميم الآلات خصوصاً لأن تأسيس مصنع صديق للبيئة أمر صعب ويحتاج إلى خطة وإستراتيجية شاملة، فكانت جامعة "شنغهاي" الصينية وجهتي الصحيحة، إذ دَرب المتخصّصون هناك طاقماً من العمال المؤهلين، كما عملوا على تطوير معدات وآلات أساسية للمصنع الذي بلغت تكلفته قرابة ستة ملايين دولار وبمساحة 6000 متر مربع".
وتابع سعادة موضحاً أن "المصنع الذي يعتبر حديث المنشأ، ينتج قرابة ثمانية أطنان من الورق يومياً، تتنوع بين ورق المناديل والتواليت، وورق الدفاتر والتصوير إضافة إلى الورق المستخدم في تصنيع كرتون التعبئة، وجميعها مصنعة من مواد طبيعية من دون أي إضافات كيماوية والمادة الوحيدة المستخدمة فيه هي مادة الكلور التي نستخدمها للتعقيم."
19 مرحلة
وتصنيع الورق لدى المصنع البيئي يمر بـ 19 مرحلة ما بين تجميع الورق (من سعف النخيل ومخلفات الورق) وفرزه وطحنه وطبخه لساعات، إذ يقدر إنتاج المصنع سنوياً بحوالى 3000 طن، ويقول سعادة "نشتري الطن الواحد من سعف النخيل الخام بـ100 دولار وفي هذه الحالة نُعيل عشرات العائلات الفلسطينية في منطقة أريحا والأغوار، فالمصنع يستقبل 166 طناً شهرياً من سعف النخيل، وبذلك نوفر من تكاليف جمع سعف النخيل ونقله، فحسب الدراسات التي أجريت، فإننا مع منح المزارعين فرصة جمع سعف النخيل وجلبه إلى المصنع، ونختصر 60 ألف يوم عمل، إضافة إلى كل ما ذكر فإن المصنع يغطي 60 في المئة من حاجة الكهرباء بشكل ذاتي، إذ نقوم بحرق ما لدينا من مواد أو مخلفات عبر الآلات من دون أي إنتاج للكربون أو أي ملوثات للبيئة".
مشاركة مجتمعية
مخلّفات الورق التي يستغلها المصنع في صناعاته الورقية ويعيد تدويرها بعد فرزها إلى جانب سعف النخيل، يجمعها من مديريات التربية والتعليم المنتشرة في كل مدن الضفة الغربية، ومن البنوك والجامعات ومؤسسات مختلفة أخرى.
جامعة القدس (أبو ديس) في الضفة الغربية، إحدى تلك الجهات التي دعمت المصنع عبر مبادرة مجتمعية طالبية أطلق عليها اسم "ورقتك بتهمنا" عام 2018، والتي تهدف إلى توعية طلاب الجامعة خصوصاً بجمع المخلفات الورقية وأهمية إعادة تدويرها والاستفادة منها، مقابل عائد مادي يخصص لمساعدة الطلاب المحتاجين لاستكمال دراستهم من جهة، وخلق وعي وثقافة بأهمية الحفاظ على البيئة من جهة أخرى.
مهند قريع مشرف المبادرة في جامعة القدس ومدير مركز التحاليل الكيماوية والبيولوجية في الجامعة قال لـ "اندبندنت عربية" "المبادرة جاءت من طالبات في كلية الطب كنّ قد شاركن بمسابقة "هلث برايس" التي تقوم بالأساس على جلب فكرة بيئية وضرورة تطويرها لخدمة المجتمع، وجامعة القدس (أبو ديس) بحسب الدراسات تُخرج 36 طناً سنوياً من المخلفات الورقية، ولهذا قمنا بالتنسيق مع مصنع (بيبربال) لإعادة تدوير الورق في مدينة أريحا، الذي تبنى فكرة الطالبات في إعادة تدوير المخلفات الورقية، حيث يدفع مقابل كل طن من مخلفات الورق من 70 إلى 100 دولار، إذ يستوعب المصنع في قدرته الحالية نحو 2000 طن من مخلفات الورق سنوياً".
نظرة حكومية
قليلة هي مصانع الورق التي تراعي في صناعاتها الورقية الحفاظ على البيئة، سواء كانت أجنبية أم عربية، وبعض أنواع الأشجار تكون الضحية الأكبر لهذا النوع من الصناعات، وكيل مساعد القطاع الاقتصاديّ في وزارة الزراعة الفلسطينيّة طارق أبو لبن يقول "21 ألف دونم من أراضي محافظة أريحا والأغوار مزروعة بشجر النخيل، التي تقدر بـ 300 ألف شجرة تخرج منها مخلفات تقارب 2000 طن سنوياً، والتعامل من خلال مصانع إعادة التدوير له انعكاسات إيجابية على المزارعين من الناحية المادية وبعد بيئي جيد للاستخدام الأمثل لمخلفات سعف النخيل".
سياسات خاصة
بحسب الدراسات التي صدرت أخيراً من وزارة الحكم المحلي في الضفة الغربية، أن النفايات الورقية والكرتون في الضفة الغربية تشكل ما نسبته 14.6 في المئة من إجمالي النفايات الصلبة الناتجة يومياً ومقدارها حوالى 1800 طن، أي أن الضفة الغربية تنتج يومياً حوالى 3000 طن نفايات ورقية، وهناك ضرورة بحسب الوزارة لاعتماد سياسات خاصة لتشجيع القطاع الخاص كالبنوك والبلديات والمؤسسات في إعادة تدوير النفايات بشكل عام وفق ما أقرته الإستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات الصلبة.
وإعادة تدوير المخلفات الورقية من قبل بعض الأفراد بشكل شخصي، أو المجالس المشتركة أو من بعض مؤسسات المجتمع المدني قليلة جداً، إذ إن غالبية ما يجري جمعه من المخلفات الورقية يذهب إلى مكبّات النفايات.