على رغم أن إنشاء منظمة "أوبك" كناد للدول المنتجة للنفط يعود لمطلع ستينيات القرن الماضي، إلا أن دورها لم يكن مستقراً وثابتاً على مر العقود التي تلتها حتى دخل مرحلة من السبات خلال العقدين الماضيين.
وما أعاد بعث المنظمة ودورها كان أزمات السنوات الست الأخيرة، إذ بدأت تلعب دوراً قائداً في الأسواق العالمية منذ إعادة تشكيل أدوات عبر إطلاق تحالف "أوبك+" في عام 2016، والذي يضم أعضاء المنظمة مع دول أخرى خارجها ومن أهمها روسيا، وأسهم هذا التحالف في الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة خلال الأعوام الماضية.
وبرز هذا الدور أكثر وأكثر بعد اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية أواخر شهر فبراير (شباط) الماضي، بخاصة وأن أمن الطاقة وتوفير سلاسل الإمداد أصبح الهاجس لدول العالم مع التضخم الذي ضربها جراء الحرب.
"أوبك+" وريث "أوبك"
وهنا يعلق الكاتب الصحافي المتخصص في مجال النفط كامل الحرمي والذي يرى أن "أوبك" لا وجود لها من دون تحالف "أوبك+"، وقال "أعتقد أن دورها انتهى ومن دون تحالفها مع روسيا وبقية أعضاء ’أوبك+‘ لا وجود لها".
أما مدير البحوث الاقتصادية في المركز العالمي للدراسات التنموية في بريطانيا صادق الركابي فيملك رأياً أكثر وسطية بين المنظمة والتحالف الجديد، وقال "إن النفط هو عصب الاقتصاد العالمي، ومنظمة أوبك هي المنظم الأساس لسوق النفط، وقد أثبتت تماسكاً كبيراً وقدرة عالية على استقراء الأحداث وخدمة المنتجين والمستهلكين على حد سواء".
ويرى الركابي أن المنظمة منذ إنشائها تعمل على تلبية الطلب العالمي المتزايد على النفط "وما انفكت تلبي الطلب العالمي المتزايد وبأسعار عادلة"، مضيفاً أن "دور المنظمة تطور وأصبح هو الرئيس بعد اتفاق ’أوبك+‘ والذي أعطاها بعداً أكبر فأصبحت المنظمة والتحالف الجديد لاعبين رئيسين في سوق النفط العالمية".
إدارة السوق
وفي المقابل أوضح الكاتب في صحيفة "اندبندنت عربية" والمتخصص في مجال الطاقة أنس الحجي، أن منظمة أوبك ومجموعة "أوبك+" عملت خلال العامين الماضية 2020 و2021 على إدارة سوق النفط بكفاءة عالية، مضيفاً أن "الهدف الأساس لهما هو تحقيق استقرار نسبي في الأسواق وتحسين الكفاءة في الإنتاج وتقليل الهدر، إضافة إلى ضمان عائد مجز على الاستثمار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستدرك، "لكن على رغم أنهما أثبتا كفاءتهما في إدارة سوق النفط، إلا أن قرار الرئيس الأميركي جو بايدن بسحب كميات ضخمة من المخزون الاستراتيجي للنفط أفسد ذلك الدور خلال هذه الفترة من عام 2022".
أزمة أوكرانيا و"أوبك+"
وبعكس ما يراه الحجي من وجود اختلال في توازن واستقرار السوق النفطية بعد قرارات الرئيس الأميركي، أشار الركابي إلى أن مجموعة "أوبك+" تعاملت بحكمة في ما يتعلق بقرارها الأخير خفض الإنتاج بمليوني برميل على رغم الضغوط الكبيرة التي مورست عليها لزيادة الإنتاج.
وأضاف، "تعاملت مع أزمة أوكرانيا وتبعاتها على سوق الطاقة من منطلق اقتصادي بحت ومن دون أن يستخدم ذلك في الضغوط السياسية".
وزاد، "كان تقييم ’أوبك+‘ الأخير بالنسبة إلى الطلب العالمي على النفط في محله لأن زيادة الإنتاج في ظل وجود ركود لدى معظم اقتصادات العالم ستكون له آثار سلبية على الأسعار، وقد يؤدي إلى زيادة المعروض بشكل يغرق الأسواق، وبالتأكيد فالمجموعة تدرك أن عائدات النفط التي تستفيد منها شركات الطاقة حول العالم تستخدم أيضاً في مزيد من الاستثمارات لخدمة الطلب الذي يتوقع أن يرتفع نهاية الربع الثاني من هذا العام".
لعبة التوازنات
وأكد الركابي أن المجموعة أجادت بجدارة لعبة التوازنات وتمكنت من ضبط إيقاع سوق النفط، مثبتة أنها ذات نظرة بعيدة المدى تصب في مصلحة الاقتصاد العالمي في المستقبل.
وزاد، "تشكل المراجعات الدورية التي تجريها ’أوبك+‘ عامل اطمئنان سواء أكان ذلك للمنتجين أو المستهلكين على حد سواء".
واختتم حديثه قائلاً، "لا يجب أن نغفل هنا دور السعودية التي تعتبر المايسترو في قدرتها على التعاون والتنسيق بين الأعضاء وتوحيد مواقفهم، مما انعكس في إعطاء ’أوبك+‘ ثقلاً حقيقياً في سوق الطاقة العالمي".