خرج ولم يعد!
تمرّ الأيام، وتمرّ الشهور، وتمرّ حتى السنون.
كنتُ خرجتُ من مدينتي بنغازي سنة 2014م، على أمل أن تأتي الأيام المقبلة بالسلام والأمان، بعد أن اجتاح المدينة والبلاد الإرهابُ فالحرب. حدث هذا بعيد 17 فبراير (شباط) 2011م، وقد اجتاحت ليبيا التظاهراتُ السلمية، ضد نظام العسف والفاقة، فالعيش على الحافة. خرج الليبيون من خوف وجوع، فقابلهم العقيد معمر القذافي وكتائبه المسلحة، بالرصاص والموت الزؤام. منذها دخلت البلاد في التحارب الأهلي، ما تفاقم عندما استولى على العاصمة عام 2014، تحالفٌ سمى نفسه (فجر ليبيا)، مكون من جماعات الإسلام السياسي، والميليشيات المسلحة، بخاصة من مصراته.
منذ 2014م، وحالي حال من (خرج ولم يعد).
منذها، وحال من يسيطرون على الحال في البلاد، كسب الوقت، بخاصة أن الليبيين ما بين 1969م و2019م، عاشوا في تُخمة من الرُعب، وانعدام الأمن. فمنذ فاتح سبتمبر (أيلول) 1969م، يوم انقلاب الملازم أول معمر القذافي العسكري، على النظام الملكي، وهم يعيشون في لعبة مسكوت عنها، لعبة سرقة الوقت، التي لعبتها الطغمة الحاكمة، فقد كان القذافي، وجماعته، يشيعون أن ما يريده الليبيون، أي الحلّ، قادم في الفاتح من سبتمبر المقبل، ذكرى استيلائه على السلطة في البلاد، وهكذا كان الحمار يُحمَّل الجزرة.
الشعب يقوم بانقلاب عسكري!
بدلالة الوقت، ما تقدّم، أتابع ما يحصل في دول الربيع العربي، بخاصة ما التحق منها أخيرا، السودان فالجزائر. فالدرس الأول والدامغ لشعوب هذه البلاد، بعد أن تم الاستيلاء على بلاد الربيع العربي، بالتحارب الأهلي، الدرس: الأمن، فالخوف من الإرهاب. في المقابل فإن القوى التي تبتغي ترويض هذه الشعوب، مهمتها سرقة الوقت، تحت دواعي المحافظة على الأمن. وباتت شعوب المنطقة تعود إلى المربع الأول: الخوف، ما أصلا انتفضت ضده، بشعارها (يسقط النظام)، الممثل السافر لسلطة الخوف وانعدام الأمن.
ولقد خرج الشعب السوداني ضد سلطة الخوف، منذ أواخر العام الماضي 2018م، ولم يَحملْ في رقبته جزرة الأمن، خرج وهو محاط بسلطة، تحمل عصا التخويف، مِن الحاصل في دول الربيع العربي، حتى في تونس، التي تعيش على كفّ عفريت، كمثل بروفة موت الرئيس أخيرا! فنجح السودانيون في إسقاط رأس النظام، ما بات يدير السلطة، بجسد من دون رأس، تمثّل في انقلاب عسكري، يديره مجلس الإنقاذ/ إنقاذ النظام، وللسودان بَاعٌ في هكذا مجالس إنقاذ.
وقد نَاورَ المجلسُ العسكري للإنقاذ، قائد الانقلاب العسكري في السودان، لحصد نتيجة الحراك الشعبي، حاملا العصا والجزرة، ولمّا يئس من معاودة التجربة، جنح لمهمة (سرقة الوقت)، فوقّع على وثيقة توافق، مع قوى "التغيير والحرية"، أقوى تحالف في قيادة الثورة السودانية الشعبية. الوثيقة تمنحه سنوات ثلاثا، في القبض على زمام السلطة، بمشاركة قوى "التغيير والحرية"، ما دفعها للتوقيع (ما باليد حيلة)!
ثورة يوم العطلة الجزائرية العسكرية!
انتفاضة الجزائرييين يوم الجمعة، فكل يوم جمعة عقب الصلاة، يخرجون في تظاهرات سلمية، منظمة حد الانبهار، هؤلاء الجزائريون، يرفضون تسمية حراكهم بالثورة، كذا يرفضون أي صلة بالربيع العربي.
في حاضنة الجيش، تخرج تظاهرات الجمعة، فأسقطت البيعة الخامسة للرئيس الحيّ الميت، وتحت مظلة الحاضنة، تم سجن بعض من رموز النظام الميت الحي! وبهذا يسرق قادة الجيش الوقت، واضعين برمجة إلكترونية، تحدّد الأهداف والسبل لحراك الشعب الجزائري، الذي يحمل في يدٍ العلم الجزائري، وأما اليد الأخرى فَتُحَمّلُ، دون دراية، بشعلة العشرية السوداء.
دون قطرة دم، بل دون عرق، غير المتأتي عن الصيف الحار، الحراك الجزائري، يجني إزاحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، المرشح السابق للجيش الوطني الجزائري قائد الثورة 1954م، فالبلاد منذ 1962م. والآن على الشعب القيام بمهامه المعتادة، بعد تحقيق المراد، إسقاط العهدة الخامسة، والزجّ ببعض أفراد (العصابة) في السجن، واعتياد انتخاب الرئيس الناجح!
النتيجة البخسة
وكأن بهذا، مهمة الشعب، بعد الربيع العربي، القيام بانقلاب عسكري ناجح بكل المعايير، ومنها المحافظة على أمن البلاد، في مؤاخاة بين الجيش والشعب، فدحر الإرهاب، ثم الأهم الاستفادة من التجارب، بعدم تكرار الحاصل في سوريا، وليبيا، واليمن. بل واعتبار أن الربيع العربي خطأ لا بد منه: أولا: عدم تكرار الخطأ، ثانيا: العود الميمون المتمثل في عودة الابن الضال (إلى الخلف در)، ثالثا: استقرار مكين موثوق الأمن، فالأمن فيه الخوف من ضياع الأمن، رابعا: الانتهاء من السرديات الكبرى بإنهاء أطروحات التغيير الجذري كافة، خامسا: اعتبار دور الخارج (بخاصة الإمبرياليات الغربية وصنيعتها إسرائيل)، مهمة داخلية محضة، وكل ما هو خلاف ذلك يقع تحت بند (نظرية المؤامرة)، سادسا: أسر، فقتل المأسور، المتمثل في الطموح الديمقراطي، ما حُوّل لبعبع خالق، فرانكشتاين المنطقة/ داعش وما شابه. سابعا: كسب الوقت لتثبيت الأوضاع كما هي عليه، فـالسلام عليكم.