كانت مفخرة عربية وإنسانية تلك التظاهرة التاريخية التي نظمتها قطر لكأس العالم، وانتهت قبل ساعات، وتزامنت احتفالية نهائي الكأس مع احتفالات قطر بعيدها الوطني، لتزدان الدوحة فرحاً وبهجة. وفرح الأرجنتينيون، ومعهم محبو ليونيل ميسي حول العالم، فميسي ظاهرة كروية نادرة في أدائه الكروي لا يختلف على تميزه اثنان أبداً، لكنه أخفق طوال مسيرته في أن يحقق أية بطولة لمنتخب بلاده حتى العام الماضي، حين فاز فريقه بكأس القارة الجنوبية، ثم أنهى مسيرته مع منتخب بلاده بالفوز بأغلى كأس كروية في العالم الأحد الماضي للمرة الثالثة بتاريخ الأرجنتين التي لم تفز بهذه البطولة منذ أيام دييغو مارادونا عام 1986.
وفي احتفال تسليم الكأس من قبل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لبس ميسي بشتاً أسود اللون، وفي ذلك رمزية ثقافية يدركها المنظمون، فلبس البشت دليل الوجاهة، ولا يلبسه غالباً سوى الرسميين والشيوخ والأمراء والمعرس ليلة زفافه، والأسود يلبس ليلاً فيه أكثر رسمية.
وفي معظم دول الخليج لا يسمح بالدخول إلى الزيارات الرسمية على قادتها بالدشداشة من دون بشت، وحفلات الأعراس تعقد ليلاً، وكل "عريس" يلبس البشت الأسود ليلة عرسه وفرحه، وميسي لبس البشت فرحاً واحتفالاً وزواجاً أبدياً بكأس الساحرة المستديرة الأشهر، كأس العالم.
كانت الأمهات يدعين لأبنائهن الذكور حين يعطسون بقولهن: "عشت، ولبست البشت، ومليت العش فريخات"، كناية بأن ترى الأم ابنها يوماً يلبس البشت ليلة زواجه الذي تتمنى أن ينتج منه أطفالاً عدة.
وقد وصل هتاف الأرجنتينيين من بيونيس آيريس العاصمة إلى العالم كله، وكان أشهر هتافاتهم: .Muchachos, Ahora Nos Volvimos A Ilusionar ولعل أفضل ترجمة لهذه الأهزوجة هي: "هيا للدبكة من ثاني يا عيال".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في طريقها من الدوحة غرباً للأرجنتين، توقفت الكأس بالمملكة المغربية، احتراماً وإجلالاً لأداء المنتخب المغربي، الذي وصل إلى المباراة قبل النهائية كأول منتخب عربي أو أفريقي يصل إلى هذه المرحلة، كان المنتخب المغربي على بعد فوزين من الحصول على كأس العالم، وعلى رغم خروجه أمام فرنسا، فإن ألسنة العرب والأفارقة وكل المحايدين بالعالم لا تزال تلهج بالثناء على الروح والعزيمة القوية التي أبداها المنتخب المغربي بهذه البطولة، وكانت رسالة أدائه تقول: ليس هناك مستحيل متى ما توفرت الإرادة والصدق.
كان التنظيم المبهر والمنظم الذي قامت به دولة قطر صورة حضارية عربية للعالم كله: نحن دول منظمة وحضارية، ونستطيع أن ننظم أكبر الأحداث. قهر تنظيم البطولة كثيراً الصورة النمطية السلبية عن العرب، وعن الزي العربي الذي يرتبط بأفلام هوليوود بالإرهاب وصالات القمار والتخلف، وغطى على شاشات مليارات من البشر بصور مدوية تعكس إيجاباً ستبقى آثاره سنين مقبلة.
أتى تنظيم كأس العالم بقطر بهذا الوجه المشرف، وهذه الطريقة المتقدمة في عام 2022 الذي نظمت دبي بالجزء الأول منه معرض الإكسبو الثقافي والتجاري الشهير، وهي البطولة الرياضية التي عقدت أثناءها أربع قمم بالسعودية قبل أيام، ثلاث منها مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهي أحداث عالمية كبيرة تؤكد الأهمية التي تحظى بها منطقة الخليج ودوله، والأهم من تنظيم مثل هذه المناسبات الكبيرة أن نستثمرها بتحويل ناتجها لما يعزز من قيمة الإنسان وأهميته وتطوره وازدهاره. لا يكفي أن نستطعم الفوز، ولا نستتبعه بانتصارات حضارية متكررة، تضمن أمن المنطقة وتبني القوة الذاتية للحفاظ على الاستقرار والسلام فيها.