خلصت دراسة جديدة أجراها خبراء في مجال الرعاية الصحية في المملكة المتحدة، إلى أن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي يلحق ضرراً بمرافق "الخدمات الصحية الوطنية" (أن إتش أس) NHS ويضاعف الضغط على هذه الخدمات المنهكة أساساً.
التقرير الصادر عن مركز الأبحاث "نافيلد تراست" Nuffield Trust (مؤسسة خيرية تعمل على تحسين الرعاية الصحية في المملكة المتحدة من خلال تقديم التحليل والأدلة لصانعي القرار) نبه إلى أن اتفاق "بريكست" ساهم في تفاقم النقص في أعداد الموظفين، كما أدى إلى ارتفاع أسعار بعض الأدوية وجعل الحصول على بعضها الآخر أكثر صعوبة. وكما أشار التقرير أيضاً إلى أن مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم حال عدم المساواة في خدمات الرعاية الصحية في البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والواقع أن النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة، تعد بعيدة للغاية عن الوعود التي كانت قد أطلقتها حملة التشجيع على المغادرة، التي روجت لفكرة مفادها بأن الانسحاب من الكتلة الأوروبية سيؤمن مزيد من الأموال لقطاع الخدمات الصحية. [رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، أحد قادة حملة مغادرة الاتحاد الأوروبي، كان قد ادعى بأن الخدمات الصحية أولى بالأموال التي ترسلها المملكة المتحدة شهرياً إلى الاتحاد الأوروبي التي قال إنها تبلغ 350 مليون جنيه استرليني أسبوعياً].
مارك دايان رئيس برنامج "بريكست" في مؤسسة "نافيلد تراست"، قال إنه "لا يمكن إنكار أن مرافق ’أن إتش أس‘ واجهت ثلاثة أعوام كانت الأكثر صعوبة في تاريخها" نتيجة الجائحة والتضخم. لكنه أشار أيضاً إلى أن "انعكاسات الخروج البريطاني من الكتلة الأوروبية قد أضافت إلى التحديات والمشكلات الشديدة التي تعانيها ’الخدمات الصحية الوطنية‘ في الوقت الراهن".
واعتبر دايان أن "الضربة الاقتصادية التي تلقتها بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، إلى جانب رزوحها تحت وطأة أسوأ أزمة اقتصادية عرفها أي جيل آخر لجهة ارتفاع كلفة السلع والفواتير، ساهما في تدهور مستويات المعيشة، وفي بروز حاجة إضافية لمزيد من الرعاية والخدمات الصحية. إلى ذلك، أدى في الوقت نفسه التباطؤ في التوظيف من الاتحاد الأوروبي وضمن "الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة" European Free Trade Association (في إشارة إلى الدول المنضوية ضمن الرابطة وهي منظمة تجارة إقليمية ومنطقة تجارة حرة تضم أربع دول أوروبية هي: أيسلندا وليختنشتاين والنرويج وسويسرا)، إلى تفاقم النقص الحاد في عدد العاملين في مجال الرعاية الصحية، كما في عدد أطباء الأسنان والأطباء المتخصصين".
وأضاف دايان: "يبدو أن المملكة المتحدة عانت أيضاً أسوأ فترات النقص في الأدوية التي اجتاحت أوروبا. ومن المرجح أن يكون التراجع في قيمة الجنيه الاسترليني نتيجة الاستفتاء على الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، والعوائق التجارية الناشئة نتيجة مغادرة الكتلة، من العوامل الرئيسة التي تشكل صلب مشكلاتنا المستمرة وطويلة الأمد، وتخبط البلاد في أزمة من أجل تأمين حاجتها الأساسية من المنتجات الحيوية".
ويرى معدو البحث أن مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" عانت منذ إجراء الاستفتاء حول الخروج من الكتلة الأوروبية، من مصاعب جمة في توظيف أطباء أسنان، وعاملين في الرعاية الاجتماعية، وأطباء متخصصين في مجالات كالتخدير والقلب والرئة.
ومن بين الحالات الأكثر تفاقماً، تبين أن التوظيف دخل في حال من السبات العميق، بحيث رأى الباحثون أنه على رغم تضاعف عدد جراحي القلب والصدر العاملين في المملكة المتحدة في الأعوام الخمسة التي سبقت الاستفتاء على مغادرة الكتلة الأوروبية، فإن معدل الزيادة قد هوى الآن إلى خمسة في المئة فقط.
وتقوم المملكة المتحدة على نحوٍ مستمر باستقطاب أطباء من دول نامية، من بين المدرجين على "قائمة حماية ودعم القوى العاملة" Workforce Support and Safeguard Listالتي وضعتها "منظمة الصحة العالمية WHO، مثل نيجيريا وغانا وباكستان، حيث يوجد أساساً نقص في عدد الأطباء.
ويضيف التقرير أن المغادرة البريطانية للسوق الموحدة للاتحاد الأوروبي كانت لها انعكاساتها على إمدادات الأدوية وأسعارها، مع تسجيل "مستوى أكبر من النقص في مختلف المجالات"، إضافة إلى إصدار قطاع الصحة خمس لوائح منذ الخروج من تلك السوق، تعرف بـ"البروتوكالات المرتبطة بعجز خطر" Serious Shortage Protocols.
ويوضح التقرير أن الحواجز التجارية الجديدة التي وضعتها الحكومة البريطانية والضعف الذي أصاب الجنيه الاسترليني، كانا عاملين فرضا في المقابل على الخدمات الصحية "أن تقبل بمزيد من الزيادات في أسعار أدوية مثل "بروزاك" Prozac (مضاد للاكتئاب)، لأن الصيادلة لم يتمكنوا من تأمينها بالسعر المعتاد (الذي كانت عليه قبل ’بريكست‘)".
ويقول الباحثون إن عدد "الامتيازات السعرية" Price Concessions (تعديل سعر الشراء المتفق عليه) هذه، قد ارتفع من 20 إلى أكثر من 100، مشيرين إلى أنه "فيما لوحظت زيادات مماثلة في بلدان أخرى، بما فيها فرنسا وألمانيا، إلا أن حالات في المملكة المتحدة تواصلت بشكل غير عادي، تحديداً قبل تفشي جائحة ’كوفيد‘".
ولفت معدو البحث أيضاً إلى أن الضربة الاقتصادية الناجمة عن مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي، التي تشير التقديرات إلى أنها ستبلغ نحو أربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل، من المحتمل أن تتسبب بنتائج صحية سيئة في المستقبل، مما يضع الخدمات الصحية تحت ضغط أكبر.
ويشير التقرير إلى وجود "علاقة قوية بين مستويات المعيشة والصحة، التي لا بد من أن تتأثر بتراجع مستويات المعيشة نتيجة ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة الجنيه الاسترليني". ويضيف بأن "الخروج من الاتحاد الأوروبي ينذر بعواقب اقتصادية معينة في مناطق من البلاد، إذ تتأثر الصناعات أكثر بالعوائق التجارية، وقد يؤدي إلى تفاقم حال عدم المساواة الصحية القائمة أساساً بعد التقشف".
تامارا هيرفي، الأستاذة في قوانين الاتحاد الأوروبي في "جامعة سيتي لندن"، والمنخرطة في "برنامج جان مونيه" Jean Monnet Programme (مبادرة من الاتحاد الأوروبي لتشجيع التدريس والبحث والتفكير في مجال دراسات التكامل الأوروبي في مؤسسات التعليم العالي)، تقول: "نحن بحاجة ماسة إلى إجراء حوار وطني صادق يتناول السياق المتعلق بالأدوية والمعدات والأجهزة وموظفي هيئة ’أن إتش أس‘، في مرحلة ما بعد المغادرة البريطانية للكتلة الأوروبية.
وتختم بالإشارة إلى أن "قطاع الصحة بشكل عام، يرغب في قيام علاقة أوثق مع معايير الاتحاد الأوروبي. فهناك فوائد محتملة من علاقة أكثر مرونة مع الكتلة الأوروبية، لكن الاستفادة منها تتطلب من المملكة المتحدة اتخاذ قرارات سياسية شجاعة. وفي غياب ذلك، سنكون غارقين في الأوهام وأشبه بورقة تتقاذفها الرياح".
© The Independent