حين قرع الجرس، ساد الصمت صالة اللجنة الأولمبية الفلسطينية حيث احتشد داخلها المشجعون وعيونهم مصوّبة إلى حلبة الملاكمة الدولية التي تجمع الفتاتين هيام وريتا في مباراة نسائية في قطاع غزة، كانت هيام متأهبة ويلفّ ساعديها رابط ضاغط أصفر اللون، فوقه قفازات حمراء، وبدأت تسدد لكمة "الهوك" في مستوى وجه منافستها مع ركلة "كيك" متناغمة مع قدميها.
في المقابل، كانت ريتا تحاول التصدي للكمات المتلاحقة بقفازيها الأسودين، وتبعد رأسها الذي يعلوه وثاقاً إسفنجياً عن أي ضربات محققة، عبر تنقلها بين زوايا الحلبة مربعة الشكل، وفي الوقت نفسه تسعى لتحقيق لكمات صلبة في المنطقة القانونية لجسم أو رأس منافستها لتحسم نقاط الفوز.
فريق رسمي
كان صوت المشجعين من الأهل والأصدقاء والهواة صاخباً عندما شارفت الدقائق الثلاث الأخيرة للعبة على الانتهاء، وضاع في أثيره صوت المعلقة الرياضية التي تحاول وصف ما يدور في الحلبة، والجميع ينتظرون بترقب إعلان انتهاء الشوط الأول.
هيام وريتا يعشقان الرياضات القتالية، وكلتاهما قررن خوض غمارها من بوابة الملاكمة، وتقول الأولى إنها تشاهد مباريات هذه اللعبة وتتابع المسابقات التي تقام لها، لذا قررت تعلمها.
وواجهت هيام صعوبة في ذلك، فلا يوجد في غزة أندية مخصصة لتعليم الفتيات رياضة الملاكمة، وعلى رغم ذلك، ظلت تترقّب الفرصة حتى جاءت عندما أعلن اتحاد الملاكمة الفلسطيني (منظمة رسمية معترف بها دولياً، ويعد فرعاً للاتحاد الدولي للملاكمة) تشكيله فريقاً نسائياً بامتياز لهذه الرياضة.
والتحقت الفتاتان في الفريق، وانضمت إليهما 45 أخريات من الفئة العمرية بين 20 و45 سنة، في وقت ما زال غيرهنّ ينتظرن فرصة الانضمام، وتقول هيام "أخيراً صار بإمكان الفتيات الشغوفات بالملاكمة التدرب على هذه الرياضة على أيدي مدربات محترفات ويلعبن مباريات تديرها أيضاً حكمات".
تهميش وانتقادات
لعبة الملاكمة تعاني كما بقية الرياضات في غزة من ضعف الاهتمام والإهمال الرسمي، بخاصة عندما يتعلق الأمر في الفتيات وتدريبهنّ وتطوير مهاراتهنّ، تؤكد ذلك هيام التي ظلت تبحث، مدة عامين، عن ناد يهتم بها، "من المؤسف أن هناك الكثير من الرياضات التي تفتقر للعنصر النسائي القوي، وفي حال وجد ذلك يكون الأمر بجهود فردية وجهد شخصي من السيدات الشغوفات"، لكنها تشير إلى بدء الاهتمام الرسمي بالنساء.
في الواقع، كانت هناك فرق عدة للنساء في قطاع غزة تهتم بتدريب رياضة الملاكمة، إلا أنه لم يكتب لها النجاح والاستمرار بسبب عادات وتقاليد المجتمع الذي يستهجن ممارسة الفتيات هذه الرياضة بخاصة إذا كان المدربون ذكوراً، وعادة ما يتذرع الناس بأن الملاكمة لا تلقى قبولاً في أوساط الإناث.
تقول الملاكمة ريتا "غالبية الناس تعتقد أننا نقوم بشيء مستهجن وتحت بند العيب، وأننا نتخطى العادات والتقاليد، لكن بالنسبة لي ولأهلي والمجتمع القريب مني، فإن الأمر طبيعي، ومن وجهة نظري، لا توجد رياضة للشباب وأخرى للبنات، الذكور والإناث يستطيعون ممارسة أي رياضة يرغبونها".
طاقم نسائي
وبعيداً من انتقادات المجتمع، وبالعودة إلى قاعة اللجنة الأولمبية الفلسطينية، فإن المباراة الاستعراضية للملاكمة انتهت، وغادر الجمهور مقاعده، وبدأت المشرفة الرياضية ابتسام نصر في تدريب فريقها النسوي على بعض التمارين استعداداً للمنافسة. إذ بحسب نائب رئيس الاتحاد الفلسطيني للملاكمة علي عبد الشافي، فإنه سيتم انتقاء الفتيات للانضمام لمنتخب فلسطين الذي سمح له أخيراً رسمياً المشاركة في مختلف الأنشطة الرياضية والمسابقات والمباريات الدولية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن أجل تمثيل فلسطين دولياً، بخاصة في الرياضيات النسائية، تعمل المشرفة نصر بجدّ لتأهيل الفتيات، وتقول إن اختيار الفريق جرى وفق معايير رياضية عدة، وبعد إجراء اختبار اللياقة وتحمل المشقة وقوة التركيز، تمّ تدريبهنّ ثمانية أيام داخل مقرّ اللجنة الأولمبية في غزة، وبدأ الإعداد لأول فريق نسائي يمثل القطاع بشكل رسمي.
حلبة دولية
وتلعب الفتيات الملاكمة ويتدربن على مهاراتها داخل حلبة دولية جرى تدشينها من قبل الاتحاد الدولي للملاكمة في غزة، وتقول عضو مجلس اتحاد الملاكمة الفلسطيني الأولمبي فوزية القيشاوي "يتم تشجيع النساء لممارسة هذه الرياضة في صالة مخصصة وفق المعايير الدولية وبإشراف رسمي من الاتحاد الدولي".
وتعد هذه الحلبة الوحيدة في القطاع المعترف بها دولياً ومطابقة للمواصفات القياسية العالمية، وتوضح القيشاوي أنه عندما تقرر إقامة مباراة ملاكمة بين الفتيات، يستغرق البحث مدة أيام لإيجاد مكان مناسب وربما تلغى المباراة، لذلك من المهم أن يتواجد في مدينة غزة مكان خاص بفريق نسائي.
ومن المقرر أن تشرف مدربات معتمدات دولياً على تأهيل الفتيات في غزة، وتؤكد القيشاوي أن كل المباريات التي ستقام ستخضع لمعايير تحكيم دولية منها مساحة التجهيزات ومعدات حديثة للملاكمة وأماكن للتدريب تمهيداً لخوض المباريات الدولية وتمثيل فلسطين بالدوريات التي تشارك بها النساء، ولتشجيع غيرهنّ على ممارسة الملاكمة باعتبارها نوعاً من أنواع الفنون القتالية.