الألم محنة كبيرة، وهو شأن نختبره جميعاً من حين لآخر، ولسوء الحظ فإن بعضنا يكابده بدرجة أكبر ولفترة أطول.
أحدث الأدوية التي دخلت السوق المزدحمة أصلاً القنب (الخشخاش)، المخدر غير المشروع المفضل في المملكة المتحدة. ولإظهار مدى الاهتمام والاستثمار الموجهين نحو إمكانات القنب المحتملة في علاج الألم، استثمرت شركة فايزر، وهي واحدة من أكبر شركات الأدوية، 6.7 مليار دولار (5.5 مليار جنيه استرليني) في الاستحواذ على شركة أصغر كانت تبحث في هذه الإمكانات.
لن تكون هذه هي المرة الأولى التي يكتسح فيها دواء عجيب جديد السوق واعداً بشفاء كل داء– بما في ذلك الألم. التاريخ حافل بأمثلة على حبوب جديدة لتخفيف الألم وغيرها من الحالات التي كانت تتعلق بالقدرة التسويقية أكثر من نجاعة تأثيرها في تخفيف المعاناة.
لذا فقد حان الوقت لنشر أبحاث جديدة تنظر في ما إذا كانت المنتجات المشتقة من القنب قادرة بالفعل على علاج الألم. يعرف هذا باسم التحليل الوصفي، وهي طريقة يستخدمها الباحثون لمراجعة جميع الدراسات السابقة حول موضوع ما، ودمج النتائج وإنتاج تحليل إحصائي يساعد في تقديم إجابة عن السؤال المطروح.
وبعد أن نظر الباحثون في المؤلفات وجمعوا البيانات وحللوا النتائج، خلصوا إلى أن المنتجات المشتقة من القنب لا تقدم أي ميزة تختلف عما تقدمه الأدوية الوهمية لعلاج الألم. ويبدو – مرة أخرى – أن الأمر يتعلق بانتصار آخر للتسويق على الأدلة.
في حين أن قدرة التسويق على حملنا على التخلي عن أموالنا مقابل المنتجات المسوقة عادة ما لا تفضي سوى إلى ندم المشتري، فإن التأثيرات من حيث الصحة أكثر خطورة. فكرة أن منتجات القنب لديها القدرة على علاج الألم فكرة جذابة، إذ ينظر الناس إلى هذه المنتجات على أنها عضوية وطبيعية إضافة إلى كونها تبدو جديدة في رحلة بحث من يعاني الألم، وهي الرحلة التي غالباً ما تطول للتخفيف من المشقة.
وكم هو قاس هذا الأمل المزيف، بخاصة حينما لا تكون تلك المنتجات أكثر فاعلية من حبوب السكر، وفقاً لما تشير إليه الأدلة. في مثل هذه المرحلة الهشة من حياتنا، نعتمد على الطب القائم على العلم الذي يجب أن يتسم بالوضوح وأن يخلو من التحيز حتى نتمكن من اتخاذ قرارات مستنيرة في شأن العلاج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا يمكننا لوم الناس على اعتقادهم بأن منتجات القنب ستعالج الألم، بالنظر إلى المعلومات التي تقدم إليهم. إضافة إلى التسويق البارع لقطاع المستحضرات الصيدلانية، تلعب وسائل الإعلام دوراً هي الأخرى. وفضلاً عن مراجعة الأدلة، حقق مؤلفو هذا البحث في كيفية تناول الدراسات التي استعرضوها في المجلات الأكاديمية ووسائل الإعلام الأوسع، وكانت النتائج التي توصلوا إليها مثيرة للقلق. وبصرف النظر عن نتائج الدراسة، كانت التغطية الإعلامية إيجابية للغاية حتى عندما لم تظهر النتائج أي تأثير علاجي لمنتجات القنب.
عندما يعمل التسويق والإعلام جنباً إلى جنب بهذه الطريقة، فليس من المستغرب أن يجرب الناس هذه المنتجات اعتقاداً منهم بأنها تنطوي على إمكانات علاجية. بل إن بعضهم سيستمر في استخدام المنتجات المشتقة من القنب حتى إذا قدمت له الأدلة التي تثبت عدم فاعليتها. ولكن بالنسبة إلى معظم الناس الذين يسعون إلى علاج للألم، فإن ذلك سيزيد من بؤسهم ويقلل من أي أمل في عيش حياة بلا ألم.
من السهل توجيه أصابع الاتهام نحو التسويق، فهو يسعى إلى الربح بالاستناد إلى معلومات متحيزة من دون اكتراث لبؤس الآخرين. والدور الأقل شهرة هو الدور الذي تلعبه الأوساط الأكاديمية في تحفيز التقارير غير الدقيقة عن البحوث. وهناك موقف راسخ في الأوساط الأكاديمية يعرف بعبارة "النشر أو الاندثار" وهو يسلط الضوء على الأهمية القصوى لنشر البحوث. وإذا ما أقرن هذا الموقف مع محرري المجلات الأكاديمية الذين يفضلون الدراسات التي تتناول النتائج الإيجابية، سيغدو من الواضح كيف يمكن لهذا أن ينتج مقاربات منحرفة للأدلة.
في الطب، نحتاج إلى معرفة العلاجات غير الناجعة مثلما ينبغي أن نعرف الناجعة منها. ولكن حين ينشر بحث موجه هدفه تصوير علاج ما على أنه ناجح، فإننا نفقد جزءاً مهماً من قدرتنا الذهنية وهو ما يقلل من قدرتنا على اتخاذ قرارات رشيدة في شأن ذلك العلاج. وتتعدى الحاجة إلى التقارير المتوازنة عن البحوث إلى ما هو أبعد من القنب والألم لتشمل جميع مجالات الطب.
ويشير مثال منتجات القنب والألم إلى الحاجة لتغيير في كيفية تحفيز البحوث وتناولها إعلامياً وتقديمها إلى الجمهور. معظمنا ليس في وضع يسمح له بفهم البحث الأساسي، لذا فإننا نضع ثقتنا بالمجلات الأكاديمية مفترضين عدم تحيزها عند نشر نتائج التجارب الطبية. وإذا استمر هذا التفضيل الواسع النطاق لقبول ونشر البحوث التي تسفر عن نتائج إيجابية فقط، فإن الثقة سوف تتلاشى.
وفي عصر "الأخبار الزائفة"، يزيد هذا من انعدام ثقة الناس بكثير من المسؤولين والخبراء وذوي السلطة.
ومن دون تغيير فإننا نجازف بالعودة لأيام زيت الأفعى والعلاجات بالقال والقيل التي توفر الأمل ولكنها في الواقع لا تفعل كثيراً لتخفيف الألم والمعاناة. ويجب أن نضمن ألا يكون التكسب على حساب الألم خياراً متاحاً في قطاع الصحة والأدوية، سواء كان العلاج المحتمل هو القنب أو سواه.
© The Independent